النمو والقيمة .. نظام السوق لم يعد مزدوجا
ربما يسعد المستثمرون الذين يعانون اضطرابات أسواق الأسهم برؤية كانون الثاني (يناير) المتذبذب جدا وهو يغادر. لكن الأسئلة لا تزال تطرح عليهم بسرعة وكثافة، خاصة بشأن التوقعات بالنسبة إلى الولايات المتحدة. هل ستتقدم في 2022؟ وإلى أي مدى تتأثر الشركات اللامعة المحبوبة لدى مستثمري "النمو" بالظروف المتغيرة؟
لأعوام كثيرة، لم يكن من الحكمة المراهنة ضد سوق الأسهم الأمريكية ولم يكن العام الماضي استثناء. استنادا إلى مؤشر إس آند بي 50 حققت وول ستريت عائدا إجماليا، بما في ذلك دخل توزيعات الأرباح، يبلغ نحو 30 في المائة.
لكن ناسداك، المؤشر المحمل بأسهم التكنولوجيا، أصبح الآن رسميا في منطقة التصحيح، بانخفاضه أكثر من 16 في المائة منذ ذروته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021. مع انخفاض أكثر من 220 شركة مدرجة في الولايات المتحدة ـ بقيمة سوقية تزيد على عشرة مليارات دولار ـ ما لا يقل عن 20 في المائة من ذروتها، يبدو أن خطر التضخم بدأ يضرب، بينما فتح الاحتياطي الفيدرالي الباب أمام ارتفاع أسعار الفائدة وأمام تناقص متسارع لعمليات شراء السندات.
يعكس الأداء الممتاز للولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة إلى حد كبير الأرباح المتفوقة لشركاتها. فاقت الأرباح التوقعات في الأرباع الثلاثة الأولى من 2021 الذي شهد طرح لقاحات كوفيد، في حين أثبت قطاع التكنولوجيا المهيمن في البلاد أنه الفائز في ظروف السوق المتباينة.
لكن هذا العام، كثير من أسهم النمو التكنولوجية، غير المربحة في كثير من الأحيان، التي يفضلها المديرون مثل كاثي وود، من صندوق أرك إنفيست المتداول في البورصة، تجنبها المستثمرون لمصلحة أسهم "الاقتصاد القديم" الأكثر استقرارا ـ التي هي السمة المميزة لأسلوب استثمار وارن بافيت.
يعد بافيت أكبر مستثمر قيمة في العالم، في حين حصلت وود على لقب "ملكة السوق الصاعدة" وبطلة استثمار النمو. أشاد بعضهم بالانعكاس في الأداء النسبي بين الإثنين باعتباره دليلا على تحول أوسع من استثمار النمو إلى الاستثمار على غرار القيمة - وهو "تغيير نظام السوق" الذي طال انتظاره.
التوقعات الاقتصادية المحسنة التي تتميز بأرقام التوظيف القوية في الولايات المتحدة والاعتقاد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة قريبا هي الدوافع الرئيسة للمستثمرين الذين ينتقلون من الشركات التي تتوسع بسرعة، التي قد لا تكون مربحة دائما "شركات النمو" إلى أسهم متخلفة وأكثر حساسية للسعر "القيمة".
يجب على القراء أن يضعوا في حسبانهم أن أسواق الأسهم وإن كانت متقلبة، إلا أن هذا بعيد كل البعد عن أن يكون التصحيح الأول بعد الجائحة - في حالة ناسداك هذا التصحيح الرابع. تعد الأسهم الأمريكية أغلى من أي أسهم أخرى، لكن لا يزال هناك كثير مما يمكن قوله عن الصفات الدفاعية لأسهم شركات التكنولوجيا الكبيرة التي تمثل ما يقارب ربع قيمة إس آند بي 500. مع ذلك، تقييماتها المرتفعة مدينة بشكل كبير إلى أسعار الفائدة المنخفضة، التي تبدو معرضة لموقف الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشددا بشأن التضخم.
يبيع كثير من المستثمرين الأسهم الفائزة ويشترون الأسهم الضعيفة الأداء - استراتيجية تم التدرب عليها جيدا في أوقات انعطاف السوق. قال أحد مديري الصناديق، "نحن في عالم من العوائد غير المنتظمة حيث تتأجج التحولات في العوامل والأسلوب بسرعة، ثم تخمد على ما يبدو دون تفسير. إنها نوع السوق الصاعدة التي تجعلك تشيب مع وصولنا إلى كثير من نقاط الانعطاف في اتجاهات سوق الأسهم".
هناك القليل من الجدل حول أن شعور المستثمرين أصبح أكثر هشاشة في ظل اضطراب السياسة الاقتصادية والنقدية والظروف السياسية. الأسهم التي تقود السوق تغير أماكنها بوتيرة سريعة بشكل غير عادي. يتأرجح المستثمرون بين الانتعاش والركود التضخمي وأسهم النمو المرنة، مع تناقض ينذر بالخطر.
لكن ليست هناك أيضا حجة على أن هيمنة استراتيجيات النمو بدأت في التضاؤل. مع تحول البنوك المركزية بشأن سياسة أسعار الفائدة من أجل معالجة التضخم، فقد تمت تصفية أصول النمو المرنة وطويلة الأمد بشكل حاد وتحول المستثمرون إلى النفط والغاز والتعدين والأسهم المالية - وهي مجالات قد تستفيد من انتعاش حاد في الأرباح.
"ما يعنيه ذلك هو أننا نعود إلى عالم الاستثمار الذي لم يعد مزدوجا بعد الآن. لقد بدأنا نشهد هذا التحول في العام الماضي"، حسبما يوضح جيمس تومسون، من صندوق راثبون جلوبال أوبرتيونيتيز، وهو صندوق ذو اختصاص عالمي استفاد كثيرا من تعرضه لأسهم التكنولوجيا وأسلوب الاستثمار المؤيد للنمو.
يعتقد تومسون أن أفضل طريقة للمستثمرين الأفراد لإدارة هذا التحول هي التأكد من أن لديهم توازنا في محافظهم. هو شخصيا خفض مركزه التكنولوجي من 29 في المائة إلى 20 في المائة قبل عام من خلال بيع أسهم "العمل من المنزل" التي حققت أداء استثنائيا في الأيام الأولى للجائحة.
بدلا من ذلك، انتقل إلى أسهم الاقتصاد القديم، البنوك وشركات الخدمات والأدوات الصناعية - وهي نوع من الشركات الصناعية التي تعمل بشكل جيد في أوقات ارتفاع الطلب.
أضاف تومسون أن بعض الأسماء في قطاع التجزئة والسلع الفاخرة والنقل وغيرها من المنتجات الاستهلاكية تستفيد من إعادة فتح الاقتصاد ونهاية ما سماه "الركود الاجتماعي".
يبدو أن تحقيق توازن أفضل بين نمطي الاستثمار، المتمثلين في النمو والقيمة، أمر معقول. لكن التراجع المتواضع عن "ذروة النمو" لا يعني أن القيمة هي الآن النوع الوحيد المتاح.
تعد الولايات المتحدة أهم سوق للأوراق المالية في العالم ولا يزال من الممكن تحقيق النمو فيها. تنمو الأرباح في الشركات الأمريكية بمعدل أسرع أربع مرات من تلك الموجودة في بقية العالم المتقدم - ويتمتع كثير من هذه الشركات بمزايا تنافسية يصعب اللحاق بها أو تكرارها. ليس من المنطقي شطب وول ستريت من المحفظة - حتى لو كانت السياسة المتشددة والتقييمات المرتفعة تدعو إلى الحذر.
لقد تفوق أداء أسهم النمو على القيمة، تقريبا دون مواجهة، على مدار الـ15 عاما الماضية - لذلك ينبغي ألا تكون فترة اللحاق بالركب مفاجأة للمستثمرين. اغتنم بعض فرص القيمة ولكن كن حذرا من "غسل القيمة" في محفظتك - واترك مجالا للحجة القائلة إن استراتيجيات النمو الخالصة ستستمر في الازدهار في عالم حيث توجد ندرة في النمو على نطاق واسع.
*رئيسة قسم التمويل الشخصي ومحتوى الأسواق في "فيديليتي إنترناشونال".