«ذا كينجزمان» .. الحرب والسلام في آن معا

«ذا كينجزمان» .. الحرب والسلام في آن معا
مشهد من الفيلم.
«ذا كينجزمان» .. الحرب والسلام في آن معا
بوستر العمل.

على وقع قرع طبول الحرب في أكثر من منطقة من العالم، ومع تزايد حدة التجاذبات والتصادمات بين الدول والمجتمعات، ومع ارتفاع وطيس المنافسات والسباقات نحو التسلح أو نحو الاستثمار والتجارة، وما أفرزته من إيجاد بقع جغرافية متوترة صاخبة بالأحداث، كل هذا جعلنا نتوق إلى سلام مفقود وأمل معدوم، فلم نجد أمامنا مفرا سوى الهرب إلى الشاشة الكبيرة، لنغطس في عالمها الافتراضي لعلنا نجد سلامنا الداخلي المنشود. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث وجدت نفسي كالمستجير من الرمضاء بالنار، فكانت المصادفات أن أهرب من واقع الحروب العبثية المحيطة بنا، لأجد نفسي أمام حروب من نوع آخر، عندما وجدت نفسي في صالة عرض فيلم "كينجزمان: الدم الأزرق" Kingsman: blue blood الذي صدر في جزئه الثالث حاملا في كفة منظمة كينجزمان بكل عتادها الحربي، وفي الكفة الأخرى رسالة سلام إلى العالم، لكن كيف انطلقا من الحرب إلى تكريس السلام؟!
بدايات سلسلة كينجزمان
بدأت سلسلة كينجزمان أواخر 2014 مع إطلاق فيلمهم الأول تحت عنوان "كينجزمان: الاستخبارات السرية"، الذي ألقى الضوء على مرحلة بداية تأسيس تلك المنظمة، وهي جهاز استخبارات خاص أسسته النخبة البريطانية، الذين فقدوا إرثهم في الحرب العالمية الأولى، وخصصوا أموالهم لحماية العالم، سميت المنظمة باسم متجر الخياطة الذي يحيك ثيابهم، وبعدها أصبحوا يستخدمونه كواجهة لقواعدهم.
تطور عمل المنظمة
استكملت منظمة كينجزمان مهمتها في الجزء الثاني، الذي صدر تحت عنوان "كينجزمان: الدائرة الذهبية"، حيث تطور عملها بعدما تدمر مقار "كينجزمان" ويقع العالم محل الرهينة، يبدأ أفراد "كينجزمان" رحلتهم لاكتشاف منظمة تجسس متحالفة في الولايات المتحدة، تدعى "رجال الدولة"، يعود تاريخها إلى اليوم نفسه الذي تأسست فيه المنظمة المذكورة.
صراع أجيال أم أيديولوجيات؟في وقت يتمحور فيه الفيلمان السابقان "كينجزمان" حول العلاقة بين المرشد والمتعلم بين "تارون إدجيرتون" في دور إيجزي ورجل الدولة الأكبر "كولين فيرث" في دور هاري هارت، ينطلق الجزء الثالث تحت عنوان "كينجزمان: الدم الأزرق"، ويتم فيه استبدال هارت الذي كان يلعب دور الأب للشاب إيجزي "ذا كينجز مان" بثنائي حقيقي بين الأب والابن، اللذين تكون صراعاتهما أيديولوجية. وتتمحور أحداث الفيلم حول رجل واحد ينتمي إلى منظمة استخباراتية سرية، حيث يكلف بمهمة إيقاف مجموعة من أسوأ طغاة التاريخ والعقول الإجرامية الذين يسعون إلى بدء حرب تقضي على ملايين من الناس. وتظهر أحداث الفيلم كيف أصبح رالف فينيس الأرستقراطي الخلوق، الذي يلعب دوره أورلاندو أكسفورد من أشد دعاة السلام في 1902، بعد أن شاهد زوجته ألكسندرا ماريا لارا تقتل أثناء توصيل الطعام والإمدادات إلى معسكر اعتقال بريطاني في جنوب إفريقيا. ومن ذلك الحين، ظل يراقب من كثب ابنه كونراد، الذي يلعب دوره الممثل هاريس ديكنسون الذي يتوق إلى خدمة بلاده من سن 17 عاما، وهذا أحد التناقضات الغريبة العديدة في هذا الفيلم: أي يمكن أن يكون الشخص من دعاة السلام، بينما لا يزال يرغب في دعم الدولة التي تقتل ملايين. إذن باختصار شديد، يروي لنا الفيلم قصة رجل مسالم يريد إنقاذ ابنه من الموت من أجل بلاده، لكنه يتحول في نهاية المطاف إلى قصة المسالم الذي يتعلم أنه في بعض الأحيان من الضروري قتل مجموعة من الناس لإنقاذ الإمبراطورية البريطانية.

ما بين الحرب والسلام قصة حياة

يهتم الفيلم لأكثر من نصف فترته بطبيعة الحرب وأهمية السلام وصراع دوق أكسفورد مع سعي ابنه للقتال من أجل بلاده. وفي حين قد يكون من المثير للاهتمام استكشاف هذه الأشياء، إلا أن الفيلم بالكاد يقدم شيئا جديدا حول هذه الأمور. وتتسبب هذه المقاطع في الغالب في إبطاء الحبكة الثانوية ذات الوتيرة السريعة جدا، التي تشد المشاهدين أكثر بكثير وتقدم بعض الأكشن المذهل حقا.

أقل جرأة وأكثر جدية

أما إيقاع الفيلم فيعد أقل جرأة وأكثر جدية، ولا سيما في النصف الأول، لكن ماثيو فون المخرج والكاتب وكارل جاجدوسك شريكه في كتابة السيناريو، أضافا لمستهما الخاصة في تقديم الإثارة المعتادة والتشويق في حوارات اللاعنف والاستعمار وأهوال الحرب. وعلى الرغم من أنه قد يبدو كأنه فيلم "كينجزمان" ناضج بوعي، إلا أنه ليس قريبا إلى القلب.

بين الأب والابن

على الرغم من أن "فون" و"جاجدوسك" يملآن الفيلم بكمية مذهلة من الحوادث التاريخية الواقعية والتهديدات العالمية، بما في ذلك وجود عصابة سرية أخرى، لكن هذه المرة فقط يديرها منشق اسكتلندي، يستخدم التوابع للمساعدة على تفاقم الحرب حتى تنهار إنجلترا. تتضمن القصة الأساسية علاقة الأب أورلاندو والابن كونراد، التي تتعرض لضغوط بسبب إصرار كونراد على الانضمام إلى الجيش البريطاني، يحاول أورلاندو يائسا شرح أهوال الحرب لابنه، مستفيدا من تجاربه السابقة في زمن الحرب، لتوضيح كيف أن قتل رجل يقتل أيضا جزءا من روحك. لكن كونراد لا يتقبل تعاليم والده ويرفض الاختباء وراء ثروته وامتيازاته، بينما يموت أقرانه في الخنادق. أورلاندو يفعل كل شيء ممكن لإبقاء ابنه بعيدا عن طريق الأذى، بما في ذلك اللجوء إلى الملك جورج الخامس مباشرة، لكن كونراد يتهرب من كل محاولة ويجد نفسه في الخنادق تماما كما أراد. سرعان ما يتعلم أن الشجاعة لا تملك إلا القليل في ساحة المعركة.

ليس أكثر دروس التاريخ تشويقا

من الصعب عدم قراءة مذهب أورلاندو على أنه محاولة المخرج فون معالجة العنف الزائد في "السلسلة"، ليس فقط أن الممثل فينس نجح في إزالة بعض الشفقة في المشاهد، حيث يصرح بمبادئه، ليرفع من مستوى الحوار، هذا إضافة إلى أن العنف في النصف الأول يتسم بالذوق إلى حد ما، على الأقل وفقا لمعايير سلسلة "كينجزمان". يحافظ فون على الأمانة التاريخية عند إعادة محاولة اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، ورحلة كونراد إلى المنطقة المحايدة أثناء وجوده في الخطوط الأمامية، على الرغم من أنه تم تمريره على نطاق واسع من 1917، إلا أنها تشعر بالكآبة. "ذا كينجزمان" ليس أكثر دروس التاريخ تشويقا، لكنه بالتأكيد تغيير في الوتيرة من قاعدة العضلات المفرطة النشاط، إنه فيلم يتم عرضه للآباء أثناء محاولتهم تعليم أولادهم المراهقين شيئا أو اثنين عن الماضي.
كان فون مؤيدا معتقدات أورلاندو في اللحظات الحاسمة، لكن "ذا كينجزمان" تخلى عنها في نهاية المطاف، ليتحول إلى رجل متهور ويجيد الرماية، باستثناء سابقة تاريخية لتبرير ذلك. إنه ليس تطورا سرديا مفاجئا بأي وسيلة، لكنه لا يزال توضيحا ساخرا لـ"الغاية تبرر الوسيلة"، حتى بالنسبة إلى مثل هذه المقولة الساخرة.
في الختام لا شك أن نشر السلام هو الرسالة الأساسية للفيلم، لكن للحرب تبريراتها، فهل هذا التناقض سيكمل في أجزاء أخرى، أم أن الدعوة إلى السلام هي نقطة النهاية، وستبقى نقطة على ورق في زمن لا يخلو من الحروب.

الأكثر قراءة