المعماري ليس مهندسا .. وأكاديمية نجدية للعمارة في 2024
فنون العمارة والتصميم هي في حقيقتها نبع من الأفكار لا ينضب، قطاع عريق يمتد في مفاهيمه إلى قرون مضت، بل إلى ما قبل التاريخ، باتت لها هيئة ثقافية تتولى تنظيمها وتطويرها، وتواكب النهضة الشاملة التي تعيشها المملكة، وتعكس - بألوان فنونها التي تجسدها - ثقافة السعوديين وإرثهم وهويتهم التي يفخرون بها.
"الاقتصادية" انفردت بحوار موسع مع الدكتورة سمية السليمان الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصميم، وطرحت على طاولتها عددا من القضايا والأسئلة التي تبحث عن إجابات، وتكشف عن مشاريع ثقافية مهمة، منها الأكاديمية النجدية للعمارة، ومبادرة مبتكرة حملت اسم "صمم في السعودية".
19 مبادرة خلال العام
في رصيد الدكتورة سمية السليمان خبرة علمية وعملية متميزة، سبقت رئاستها هيئة فنون العمارة والتصميم في أبريل 2020، حاصلة على الدكتوراه من جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، ودرجة الماجستير في العمارة ودرجة البكالوريوس في العمارة الداخلية من جامعة الملك فيصل، لتحمل بذلك خبرات المعماريين والمصممين وهمومهم، الذين تتحدث باسمهم اليوم.
قبل انضمامها إلى الهيئة، شغلت منصب عميد كلية التصميم في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، وكانت عضوا في المجلس البلدي لأمانة المنطقة الشرقية، والمنسقة المشاركة للجناح الوطني السعودي في بينالي البندقية، كما حصلت على زمالة ما بعد الدكتوراه في برنامج "ابن خلدون" من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتجيد ثلاث لغات، هي: العربية والألمانية والإنجليزية.
في لقاء مع "الاقتصادية"، احتضنه المهرجان السعودي للتصميم في حي جاكس في الدرعية، كشفت السليمان أن المهرجان الذي كشف النقاب عن الإبداعات والتصاميم والأفكار المبتكرة سيكون حدثا سنويا، وأبدت سعادتها ورضاها عن الأعمال المقدمة في المهرجان، وما تعكسه من مهارات لدى المصممين والمبدعين والموهوبين.
وقبل أن تخوض في تحديات قطاع فنون العمارة والتصميم، صرحت عن مبادرات وبرامج الهيئة الوليدة، إذ ستعمل خلال العام 2022 على 19 مبادرة، إلى جانب الاستعداد لفعاليات ومشاركات دولية باسم المملكة، مثل المشاركة في بينالي البندقية للمرة الثالثة، إلى جانب الرحلة عبر المدن التي يقوم بها معرض "ميثاق الملك سلمان العمراني"، حيث يوجد الآن في أبها، وسيطوف بعدها مدنا عدة، منها جدة والظهران، إضافة إلى "ديزايناثون" لمعالجة المشكلات الحالية من منظور تصميمي، سينطلق في الشهور المقبلة.
تنمية المواهب أولوية
تتضمن استراتيجية هيئة فنون العمارة والتصميم ستة برامج، منها برنامج التعلم والتطوير المهني، تنبثق منه مبادرات لتنمية المهارات الإبداعية عند النشء، وأخرى للتدريب المهني وبرامج الإرشاد، والتطوير المهني المستمر، وبرامج الإثراء التعليمي، إلى جانب حاضنات ومسرعات الأعمال. وكشفت الرئيس التنفيذي للهيئة في هذا الإطار أن وزارة الثقافة أطلقت في وقت سابق برنامجا للابتعاث الثقافي، تسهم فيه الهيئة بما نسبته 10 في المائة من إجمالي المبتعثين، لنيل الدرجات العلمية، ويعتمد على أولويات الهيئة، التي تولي أهمية لبرنامج الماجستير، ثم البكالوريوس، وبدرجة أقل للدكتوراه، وذلك لتخصصات مختلفة، ولا سيما التصميم الصناعي، أحد أقل اختصاصات القطاع نضجا مقارنة بالعمارة مثلا.
كما ستعمل الهيئة على تنمية المهارات الإبداعية عند النشء، بدءا من مرحلة الروضة إلى المرحلة الثانوية، وقالت عن هذه المبادرات "نحاول إدخال هذه المهارات في المناهج، ويتطلب ذلك وقتا بلا شك، وكذلك تقديم برامج إثرائية لتوسيع مدارك الطلاب والطالبات، كما نعمل على دراسة المخرجات التعليمية للجامعات، من حيث مواصفات الخريج ومدى قدرته وأهليته لدخول سوق العمل بسلاسة، ولا سيما أن هناك نحو 80 برنامجا في الجامعات والكليات والمعاهد تتعلق بتخصصات القطاع: التصميم الداخلي، التخطيط والتصميم الحضري، عمارة البيئة، التصميم الجرافيكي، والتصميم الصناعي، وطموحنا يتمثل في وجود برامج تعليمية مستمرة لمواكبة مستجدات القطاع، ستكون إلزامية في بعضها".
الأكاديمية النجدية للعمارة
يلفت القارئ والمتتبع لمسيرة الهيئة واستراتيجيتها المعلنة، عزمها على تأسيس الأكاديمية النجدية للعمارة، وهي أكاديمية يجري تأسيسها ضمن مخطط هيئة تطوير بوابة الدرعية، والهدف الجوهري منها وجود برامج نوعية متخصصة في العمارة السعودية، ومنصة توفر برامج للمهتمين وليس بالضرورة المتخصصين، ويمكن لطلاب وطالبات الجامعات والكليات أن يدرسوا بعض المتطلبات والمواد التعليمية فيها، دون أن تنافس القطاع التعليمي، إنما ستكون الأكاديمية مكملة للمؤسسات التعليمية، ببرامج نوعية وفق أفضل الممارسات العالمية، ومن المتوقع أن تنطلق في 2024.
وعرجت الدكتورة سمية السليمان في حديثها على تمويل الممارسين الثقافيين، من معماريين ومصممين، حيث يمكن للأفراد والجهات الراغبة في التمويل التقدم إلى صندوق التنمية الثقافي، وتحال إلى الهيئة الطلبات ذات العلاقة بعالم العمارة والتصميم، بغرض تقييمها قبل التمويل، كما ستقدم الهيئة - كجزء من استراتيجيتها - منحا ومشاريع بحثية.
وحول مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، أوضحت السليمان أن هناك تقديرات حالية وليست أرقاما فعلية، حيث تجري الهيئة حاليا دراسة لحالة السوق، وتواجه هذه الدراسة تحديات تتعلق بتداخل اختصاصات القطاع مع قطاع الإنشاء والتشييد، كما تتشارك عدة مصادر في الأرقام الفعلية، مثل الجامعات، ووزارتي التجارة والموارد البشرية، ومدى مساهمة المحتوى المحلي فيها.
ولم تخف في حديثها المطول والواسع وجود تسرب واضح في قطاع العمارة والتصميم، وعزت ذلك إلى أن جزءا كبيرا من المعماريين لا يعملون فيه، كون القطاع غير منافس حاليا، وتسعى الهيئة ووزارة الثقافة إلى تحسين بيئة العمل وجاذبية القطاع.
صمم في السعودية
التصاميم السعودية سيكون لها جانب مهم في أسلوب عمل هيئة فنون العمارة والتصميم، بعد أن انتهت من استراتيجية مبادرة حملت اسم "صمم في السعودية"، وبدأت في الدراسة الأولية لها.
وعن أسباب إطلاقها، توضح أن هناك منتجات كثيرة مصممة من قبل سعوديين وسعوديات، وهدفنا تنمية قطاع التصميم الصناعي، ونجمع المصممين تحت مظلة وطنية واحدة، لنحكي قصة المصمم ومنتجه الإبداعي، وتسويق هذه المنتجات، ومنحها الفرصة للظهور بمستوى عالمي، تشجيعا للمنتجات الثقافية السعودية، ويتوقع الإعلان عن المبادرة خلال العام الحالي.
وحول الجمعيات المهنية ذات الصلة، لفتت السليمان إلى أن الجمعية السعودية للعمران - وتختلف عن الجمعية السعودية لعلوم العمران التابعة لجامعة الملك سعود - هي الجمعية الوحيدة حاليا التي تقع تحت إشراف الهيئة، وواحدة من ست جمعيات مهنية نطمح إلى تأسيسها، حيث تغطي الجمعية في وضعها الحالي أربعة تخصصات عمرانية، فيما يتطلب تخصصا التصميم الصناعي والتصميم الجرافيكي جمعية لكل منهما، ستنشأ لاحقا.
إصدار التراخيص
أحد الأسئلة التي يطرحها الممارسون في قطاع العمارة والتصميم وتدور في أوساطهم بشكل ملح هو ملف التراخيص، وإذا ما كانت ستصبح ضمن مسؤولية الهيئة ونطاق عملها؟ وحسمت الملف الدكتورة سمية السليمان، إذ أكدت لـ"الاقتصادية" أن التراخيص تجري دراستها ضمن مبادرة تطوير السياسات، وسيلمس المستفيدون نتائجها مستقبلا، حيث تجمع وزارة الثقافة شراكة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وهناك شراكة إلحاقية بين هيئة فنون العمارة والهيئة السعودية للمهندسين، وتتناول ملفات مشاركة البيانات، وتحسين بعض الإجراءات، وخطة لانتقال التراخيص إلى هيئة فنون العمارة والتصميم.
ومن شأن هذه الشراكة والمرحلة الانتقالية التي سيمر بها القطاع في مجال التراخيص أن توضح الأسماء والتصنيفات للممارسين بشكل أكثر، فعلى سبيل المثال، يطلق البعض على المعماري أو المصمم الداخلي لقب "مهندس"، والصحيح أنه ليس مهندسا، وستعمل الهيئة على وضع نظام واضح للتصنيفات ومعايير الحصول على التراخيص.
ومن الأنظمة والسياسات واللوائح التي تعمل الهيئة على تعديلها وتطويرها، نظام ممارسة المهن العمرانية، وسياسات التوطين والمحتوى المحلي، إلى جانب الأدلة واللوائح التي تنظم عمل القطاع، مثل أنظمة المسابقات المعمارية، التي يعاني بعضها عدم وضوح في الإجراءات، وحجب بعض فئات الجوائز وانخفاض مبالغها المالية، وما يشوب ذلك من سرقة لحقوق الملكية الفكرية لأفكار المعماريين.
سياحة معمارية سعودية
هل هناك سياحة معمارية في المملكة؟ ترى الدكتورة سمية أن النمط السياحي هذا يعود حاليا إلى ممارسات السياح والزوار واهتماماتهم، ولا يخضع لتنظيم ما، ويتطلب وجود مواقع مهيأة ذات سياق تاريخي، ووجود مرشد ملم بتاريخ المبنى والمواد المستخدمة فيه والفكرة التصميمية وكيفية تنفيذها، ولا سيما أن جزءا كبيرا من هذه المباني الجديرة بالزيارة مغلق لأسباب متباينة.
وأضافت "يقع على عاتق هيئة التراث إدارة المواقع التراثية ذات العلاقة بالسياحة المعمارية، وترميمها، والحفاظ عليها، ودورنا يكمن في وضع المعايير للفرص الاستثمارية، وستجمعنا قريبا شراكة مع الهيئة العامة لعقارات الدولة، لفتح المباني المميزة كمرحلة أولى، وتقييم مدى الاهتمام بها وبتاريخها، وتصميم جولات في المباني، ما يولد فرصا استثمارية وفرص عمل للمرشدين والمهتمين والمتخصصين".