صناديق التحوط تكسب رغم الصدمات الاقتصادية.. 5 تريليونات دولار أصول متوقعة

صناديق التحوط تكسب رغم الصدمات الاقتصادية.. 5 تريليونات دولار أصول متوقعة
الملمح الأساسي لتوجهات صناديق التحوط ستتركز هذا العام جغرافيا أكثر من أي شئ آخر.

حقق أفضل 20 صندوق تحوط في العالم أداء مميزا العام الماضي، إذ بلغت الأرباح المحققة لعملائها أرقاما قياسية، وقاربت نحو 65.5 مليار دولار، وكان الفضل في هذا النجاح يعود إلى رهانهم على تحسن أسواق الأسهم، خاصة في الولايات المتحدة.
وكان صندوق التحوط تي سي أي الفائز الأكبر في هذا السباق، فالصندوق الذي يديره الملياردير البريطاني السير كريس هون يمتلك أصولا تقدر بـ44 مليار دولا، ونجح في تحقيق مكاسب بلغت 9.5 مليار دولار في عام واحد، وقدرت تلك المكاسب بأكثر من 20 في المائة، بينما قدر إجمالي الأرباح منذ إنشاء الصندوق 2003 حتى اليوم بنحو 36.5 مليار دولار.
كان ثاني أفضل صناديق التحوط أداء صندوق سيتاديل، وهو صندوق أمريكي يديره الخبير الاستثماري كين جريفين، الذي يحتل المرتبة الـ54 في قائمة أكثر الأشخاص ثراء في العالم بثروة شخصية تقدر بـ 27.5 مليار دولار، وفي العام الماضي حقق هذا الصندوق عائدات 26 في المائة، بينما بلغت أرباحه 8.2 مليار دولار.
تشير الأرقام المتاحة بشأن أداء أفضل 20 صندوق تحوط إلى أنها حققت عائدات 10.5 في المائة في المتوسط، متفوقة بذلك على متوسط الأداء لإجمالي صناديق التحوط الذي قدر العام الماضي بـ 8.7 في المائة خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2021. وبصفة عامة، فإن صناعة صناديق التحوط أفلحت، ورغم الظروف الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد العالمي في تحقيق مكاسب للعام الثالث على التوالي.
الأداء الجيد لصناديق التحوط في العام الماضي طرح تساؤلات حول التوقعات الخاصة بها هذا العام، وهل يمكن أن يستمر هذا الأداء في ظل المتغيرات الدولية الراهنة، فاحتمالية تخفيض السيولة العالمية نتيجة تخلي البنوك المركزية عن سياسات التيسير الكمي، والتقلب في أسعار الأسهم التقليدية بما فيها أسهم شركات التكنولوجيا، وكذلك حالة عدم اليقين، التي تهيمن على أسواق الدخل الثابت، والتعقيدات الناجمة عن الضغوط التضخمية العالمية، خاصة إذا اتضح أنها لن تكون ضغوطا مؤقتة، كما كان يعتقد من قبل.
وسط كل تلك التقلبات، فإن صناديق التحوط تبدو لبعضهم ملاذا جيدا لمواجهة حالة عدم الاستقرار، التي تهيمن على أداء الاقتصاد الدولي، بما تتيحه الطبيعة الاستثمارية في تلك الصناديق من مرونة في المحافظ الاستثمارية، خاصة لكبار المستثمرين.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية" ريك صوفر، الخبير الاستثماري، إن "صناديق التحوط لم تكن أفضل القنوات الاستثمارية أداء العام الماضي، فعلى سبيل المثال حقق مؤشر إس آند بي 500 الأمريكي أرباحا 24 في المائة، وذلك أعلى مما تحققه صناديق التحوط".
ويضيف "لكن إذا تغيرت بيئة الأسواق، وهو ما سيحدث غالبا هذا العام، وارتفعت أو انخفضت أسعار الأسهم، خاصة الأمريكية بشكل كبير، في وقت تتسم فيه أسواق السندات بالمخاطر، فإن الصعوبات، التي سيتعرض لها المستثمرون والمضاربون في الأسهم والسندات التقليدية ستكون عنيفة، ما يعزز التوقعات بأن يتجه كثير من المستثمرين إلى صناديق التحوط هذا العام، ويزداد اعتمادهم عليها استثماريا لما لديها من خبرات ضخمة في المجال الاستثماري".
تلك الخبرة الاستثمارية تحديدا هي ما يجعل الأولوية الأكثر بروزا في توجهات صناديق التحوط هذا العام تتعلق بما يصفه بعضهم بـ "الحرب على اقتناص المواهب"، إذ تظل تلك القضية على رأس أولويات الأعمال، مع إدراك مديري صناديق التحوط ضرورة تمتع فرق العمل لديهم بخبرات استثمارية متنوعة وذات طبيعة شمولية.
والتكامل الراهن بين القطاعات الاستثمارية، وبروز قطاعات حديثة نسبيا نتيجة التحول المتسارع إلى الاقتصاد الرقمي، بما يفتحه هذا التحول من آفاق استثمارية واسعة ومربحة وذات طبيعة تنافسية شرسة، وما يترافق مع ذلك عادة من إعادة تقييم نماذج تشغيل الأعمال بهدف تحقيق كفاءة أكبر وأرباح أعلى في ظل ظروف اقتصادية تراوح بين عدم الاستقرار وعدم اليقين، كل هذا يتطلب فرق عمل ذات خبرات نادرة لضمان تحقيق أعلى عائد ممكن من الأصول الاستثمارية لصناديق التحوط.
ويأتي ذلك خاصة في ظل المخاوف الدائمة من انسحاب المستثمرين إلى الفرص الاستثمارية ذات العائدات الأعلى مثل صناديق الأسهم الخاصة، ومع خروج نحو 110 مليارات دولار من صناديق التحوط خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى قطاعات استثمارية أخرى أكثر ربحية.
بدورها، تقول لـ"الاقتصادية" الدكتورة أملي سين أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة بيرمنجهام، إنه "تم الترويج لصناديق التحوط في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي بصفتها جوهرة التاج في "وول ستريت"، ونجحت بالفعل في اجتذاب تريليونات الدولارات من الأصول لإداراتها، وبالفعل فقد نجحت بشكل جيد في تحمل تقلبات الأسواق في الأعوام الأخيرة خاصة في 2020، لكن تصاعد المنافسة في الوقت الحالي، سواء بين تلك الصناديق وبعضها بعضا، أو بينها وبين المؤسسات الاستثمارية البديلة يدفع أحيانا إلى التساؤل حول ضخامة التحديات، التي ستواجهها تلك الصناديق هذا العام وفي العقد الحالي".
وتستدرك قائلة "هناك إجماع على أن صناديق التحوط ستستمر في النمو، لكن عليها أن تتكيف مع بعض المعطيات، فعليها خفض التكاليف وزيادة استخدام التكنولوجيا وزيادة الوصول إلى مستثمري التجزئة، والموازنة بين تلك العوامل سيمثل التحدي الحقيقي أمامها، فخفض التكاليف قد يتطلب أحيانا التخلي على خبرات تتقاضى مرتبات ومكافآت ضخمة للغاية، كما أن عملية زيادة استخدام التكنولوجيا أمر مكلف، ومن ثم المواءمة بين تلك التحديات سيمثل سر النجاح هذا العام والأعوام المقبلة".
والبحث عن المواءمة بين العوامل، التي تسهم في خفض التكاليف وتعظيم العائد لن يكون التحدي الوحيد الذي سيواجهه مديرو صناديق التحوط هذا العام، فتوليفة المحافظ الاستثمارية ذاتها وتوزيعها الجغرافي معضلة ربما تكون أكثر خطورة وتعقيدا من جميع التحديات الأخرى.
ويعتقد بعض الخبراء أن صناديق التحوط ربما تزيد من إقدامها على الاستثمار في مجال العملات المشفرة، مقارنة بالأعوام السابقة، فسوق العملات المشفرة تقارب ثلاثة تريليونات دولار، ما يجعلها محملة بعديد من الفرص الاستثمارية الواعدة.
كما أن أسواق الأسهم لا تزال تحمل جاذبيتها التقليدية، وعلى الرغم من أن البدايات الأولى للعام الجاري لم تصب في هذا الاتجاه، إذ أدى ارتفاع عائد السندات إلى دفع صناديق التحوط إلى بيع أسهم التكنولوجيا بدءا من الأسبوع الأخير من العام الماضي، إلا أن سوق الأسهم ستظل محافظة على جاذبيتها التقليدية لمديري صناديق التحوط.
في المقابل، يرى المحلل المالي إس.آر . سميث من بورصة لندن، أن الملمح الأساسي لتوجهات صناديق التحوط هذا العام ستتركز في الجغرافي أكثر من أي شيء آخر.
ويقول لـ"الاقتصادية" إنه "في ظل التوترات السائدة بين الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية من جانب والصين من جانب آخر، فإنه يتوقع أن تتراجع استثمارات صناديق التحوط في القطاعات، التي تعزز من نمو الاقتصاد الصيني، وأن تبحث عن بدائل جغرافية، سواء عبر مزيد من الاستثمارات في بلدان شرق وجنوب شرق آسيا مثل فيتنام وتايلاند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، أو أن توسع نطاقها الاستثماري في الاقتصادات الناشئة عامة".
ويواصل قائلا: "بالنسبة للاستثمار في البلدان الرأسمالية عالية التطور، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأمر سيتوقف على مدى إقدام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة، وردود فعل الأسواق الأمريكية، خاصة سوق الأسهم على هذا القرار، إذ يتوقع أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى انسحاب المستثمرين من سوق الأسهم، وتعرضها لهزات ملحوظة، تضعف جاذبيتها الاستثمارية هذا العام".
على أي حال لا تزال الفرصة مواتية لصناديق التحوط لجذب الأموال، خاصة من كبار المستثمرين، وسط توقعات أن تقترب الأصول في صناعة صناديق التحوط من خمسة تريليونات دولار في مدى يراوح بين 12 و18 شهرا المقبلة.

الأكثر قراءة