كيف تفسد المحسوبية الثقة والعلاقات في أماكن العمل؟
يقول ستيف تيرنر، وهو يبحث عن طريقة لوصف ما يحدث للمؤسسات عندما تترسخ المحسوبية فيها، "أوميرتا – كلمة دالة على الصمت".
في منتصف 2010، كان تيرنر يعمل ضمن مشاريع سلامة المرضى مستشارا مستقلا لأحد صناديق خدمة الصحة الوطنية، وهو مزود للرعاية الصحية في نظام الصحة العامة في المملكة المتحدة. كان عمل تيرنر مجزيا، لكنه لم يخل من بعض المنغصات. أخبرته الممرضات أنهن تعرضن للتنمر بسبب تسليطهن الضوء على بعض المخاطر والأقوال التي تفيد بأن الأحداث السريرية لا يتم التحقيق فيها بشكل كامل. في إحدى المرات، ضغط عليه أحد أعضاء الفريق الحكومي من أجل خفض التحذير بالخطر عبر الضوء الكهرماني. لكنه رفض.
بعد أن أثار مخاوفه مع مختلف المديرين التنفيذيين، قال تيرنر إن الرئيس رد عليه قائلا، "لا أريد أن أسمع أي شيء سيئ". في 2014، تواصل مع لجنة جودة الرعاية "سي كيو سي"، الجهة المنظمة للقطاع، التي أصدرت تعليماتها إلى الصندوق لإجراء تحقيق خارجي. قال تيرنر إن أحدا لم يخبره قط بما خلص إليه التحقيق، سواء من خلال "سي كيو سي" أو صندوق خدمات الصحة العامة، الذي توقف عن الرد على مراسلاته عبر البريد الإلكتروني. قال، "لقد كانت هناك مجموعة من المديرين الذين التفوا بشدة معا حول قاعدة غير مكتوبة مفادها أنه من أجل التقدم، يجب عليهم حماية سمعة المنظمة بأي ثمن، بغض النظر عن سلامة المرضى".
عندما يرتبط زملاء العمل بعلاقة قديمة، تصبح أماكن العمل أشبه "بالأندية الاجتماعية للمديرين"، كما يقول شاه قريشي، الشريك في شركة إيرفين ميتشل للمحاماة. يذكر قريشي أن بنكا استثماريا استأجر أحد عملائه للقيام بإصلاحات جذرية في قسم الموارد البشرية والحد من ميل بعض المديرين إلى التراخي في العمل. ومع ذلك، تدعي موكلته أنها عندما اتجهت لاستخدام حقها في التظلم من أجل الشكوى على المدير المالي للبنك بأنه قد تحرش بها جنسيا، حاولت القيادة طردها من العمل. يقول قريشي، "يعرف العديد من القادة بعضهم بعضا من ناحية اجتماعية ومهنية لأعوام عديدة وجاءوا من عدة شركات مختلفة ليعملوا معا في فريق الإدارة". وحين تواجههم لحظة حاسمة، تجدهم يقفون صفا واحدا.
من طبيعة البشر أن يتحالفوا مع بعضهم بعضا من أجل تحقيق المنفعة المشتركة وأن يحتشدوا للدفاع عن أصدقائهم. يقول مايكل بانج بيترسن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آرهوس، بالنسبة لأسلافنا فقد كان "تقديم المنفعة للأصدقاء في إطار المعاملة المتبادلة" يعد آلية للبقاء. لكن ما كان يعد منطقيا للتطور بالنسبة لأسلافنا يتعارض مع المثل الحديثة الحريصة على تكافؤ الفرص والممارسات التي تتعلق بحوكمة الشركات – ولا أدل على ذلك إلا حين اكتشف بنك باركليز، في 2016، حين اتهم أحد المبلغين عن المخالفات أن جيس ستالي، الرئيس التنفيذي آنذاك، تستر على المشكلات الشخصية لزميل له وصديق من فترة عمله في "جيه بي مورجان". ومن أجل دعم حليفه، حاول ستالي كشف هوية المبلغين عن المخالفات، ما تسبب في غرامة تنظيمية على البنك البريطاني 15 مليون دولار.
يمكن لتأثيرات التسلسل الهرمي في مكان العمل أن تنعكس سلبا على الشركات، وتقسم الموظفين إلى فئات تخشى تحدي القرارات السيئة والمجموعات الخارجية المحبطة والمسيئة. تشير دراسات إلى الأشخاص الذين يندفعون للعمل من أجل الحصول على مكافآت عندما يرون أن النظام قد بني ليعمل لمصلحة زمرة معينة، حينها قد يبحثون عن طرق لتحقيق المساواة، كالتراخي عن العمل.
تماما كما هيأنا أسلافنا للبحث عن ميزة من خلال المحسوبية، كما يقول بيترسن، فإن ذلك قد هيأنا أيضا لأن نكون "متيقظين للغاية في اكتشاف الميزات غير العادلة التي يتمتع بها الآخرون".
هناك كثير من النصائح حول الكيفية التي يمكننا بها التغلب على غريزة المحسوبية الموجودة فينا. اختيار الموظفين الذين يعرفون كيف يعثرون على مرشحين مناسبين من الفئات المهمشة ووضع اختبارات موضوعية يمكن أن تساعد في مواجهة غريزة كبار المسؤولين لتبني من يرون فيهم نسخا يافعة عن أنفسهم. فإذا ما وضعنا أنفسنا في مكان الآخرين فإن ذلك يجبرنا على رؤية ما يكمن خلف القوالب النمطية غير المفيدة. لكن ماذا لو لم تعد مساعدة الحلفاء خللا يقع فيه الناس بل استراتيجية متعمدة؟
في حين أن بعض الشركات "ستحاسب نفسها بالتأكيد"، كما تقول هينا بيليتز، محامية التوظيف في شركة إكسيلو لو، فإن شركات أخرى "تتجاهل القانون" من خلال تمرير تعويضات للتسوية وتلفيق برامج التنوع من أجل المصادقة عليها. ومن أجل توضيح هذه المعضلة، تستشهد بيليتز بإحدى عميلاتها التي "كانت تعلم بلا شك أن أيامها في العمل باتت معدودة"، بعد أن أصبحت المرأة الوحيدة الكبيرة عمرا حين أنجبت طفلا أثناء عملها في شركة مشهورة بسمعتها "الذكورية".
غريزتنا للتعاون توجد أيضا فرصا لتضارب المصالح. في 2015، أجرت "سي كيو سي" تحقيقا روتينيا مع الصندوق الذي اشتكى منه تيرنر. لكن التقرير الصادر لم يشر إلى التحقيق الذي أثارته شكوى تيرنر في 2014 أو الإجراءات التي تمخضت عنه. اتصل تيرنر بعدها بمدير تفتيش "سي كيو سي" ليعرب عن خيبة أمله ورأيه في أن التحقيق كان يعتمد بشكل كبير على "تأكيدات تثبت تغييرات في السلوك" استندت على أدلة ضعيفة. بعد بضعة أعوام من صدور التقرير، انتقل مدير التحقيق الذي اشتكى إليه تيرنر إلى منصب حكومي رفيع في الصندوق نفسه. لا يدعي تيرنر أي خطأ في ذلك. لكنه يقول إن تجربته زادت مخاوفه من أن "الموظفين قد يكونون قريبين جدا من أولئك الذين يحققون معهم"، وأنهم مستعدون جدا لتصديق ما يقوله المسؤولون.
قالت "سي كيو سي" في بيان لها، "إن نهج التحقيقات التي تقوم بها "سي كيو سي" يتميز بالدقة والتنسيق، فهو يشمل جمع المعلومات الاستخبارية والتغذية الراجعة حول الخدمات المقدمة من أجل استخدامها لمواجهة مقدمي الخدمة في أي مجال من المجالات المعنية. ومن أجل القيام بدورهم، يجب أن يظهر موظفونا معايير عالية من السلوك المهني والحيادية في التعامل في جميع الأوقات".
تنتشر الحكايات حول تحول الموظفين من الأجهزة المنظمة إلى العمل لدى الشركات. لكن ما يعد أقل وضوحا هو كيفية تأثير الأبواب الدوارة على الشعب. تقول إحدى الحجج إن المنظمين يذهبون للعمل مع الشركات التي تثير إعجابهم، بينما تقوم الشركات بتوظيف المنظمين من أجل اكتساب المعرفة. لكن من ناحية أخرى، هناك شك في أن المنظمين الذين يهتمون بفرص العمل ذات الأجور الجيدة قد يكونون متساهلين في حكمهم على أرباب العمل المحتملين. وجدت ورقة عمل أعدها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية 2018، قامت بتحليل مليون طلب براءة اختراع أمريكية، أن الفاحصين منحوا مزيدا من براءات الاختراع للشركات التي قامت بتوظيفهم لاحقا. ورأى الباحثون أن هذا يشير إلى "السيطرة على الجهاز التنظيمي" – من أجل حماية مصالح الكيانات الخاضعة لسلطة الجهاز - إن لم يكن تآمرا معها.
حتى مجرد الشك في المحسوبية يمكن أن يزرع الفتنة. يقول بلين لانديس، الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي في جامعة يو سي إل للإدارة، "لكي يعتقد الناس أن النتائج عادلة، يجب أن يؤمنوا بأن العملية التي أدت إليها كانت عادلة أيضا". بعبارة أخرى، إذا أسفرت العملية الغامضة عن حكم جيد، سيستمر الناس في التذمر، كما يمكن القول عندما تم تعيين كيت بينجهام، صاحبة المشاريع والصلات الجيدة والمقتدرة أيضا، على رأس فريق عمل اللقاحات في المملكة المتحدة من قبل رئيس الوزراء بوريس جونسون. لكن إذا كان انعدام الشفافية يغذي مزاعم حول التعاملات السرية، فهل هناك بدائل أفضل من هذا؟
لمعالجة الظلم المنهجي، تقترح بيليتز تمكين هيئة قانونية معينة "لإجبار المنظمات على الانخراط في وساطة سرية". فمن خلال التركيز على تحقيق تسويات عادلة ومتناسبة، ستبحث الهيئة في الثقافة السائدة في ذلك الكيان، وفي حالة وجدت أي مشكلات، فستدعوها إلى إجراء التعديلات اللازمة. قد يجدي هذا الحل نفعا. وعلى حد تعبير بيترسن "عندما نعرف أن الآخرين قادرون على التدقيق في عملنا سنشعر بمزيد من الحافز لمحاربة تحيزاتنا".
بالنسبة للهيئات العامة، يمكن أن يكون أفضل المدققين هم الجمهور نفسه، كما يقترح تيرنر الذي يدافع عن تخصيص مقاعد للمرضى في مجالس إدارة الرعاية الصحية باعتبارهم مديرين غير تنفيذيين. لا شك أن المطلعين على الإدارة سيتذمرون من هذا المقترح. لكن مع التوجيه والدعم المناسبين، لا يجب أن يشكل افتقار المرضى إلى الخبرة عائقا أمام هذا المقترح. بل قد يصبح أحد القيم التي تغير طريقة اتخاذ القرارات. يقول تيرنر، "بعض ما يقال في اجتماعات مجلس الإدارة لن يتم ذكره ببساطة إذا كان المرضى الذين تعتمد حياتهم على الخدمات حاضرين فيها".