«مصنع المستقبل» يرسم خطة جديدة للمصنعين

«مصنع المستقبل» يرسم خطة جديدة للمصنعين
استخدمت "بي أيه إي" وشريكاتها الروبوتات القياسية وحسنت من دقتها بمقدار عشرة أضعاف.

تقوم منشأة تابعة لشركة بي أيه إي سيستمز في شمال غرب إنجلترا بتجميع طائرات عسكرية لأكثر من نصف قرن، بما في ذلك طائرة "يوروفايتر تايفون". اليوم، تم تحويل حظيرة طائرات قديمة في الموقع مترامي الأطراف إلى منصة اختبار لجهود بناء الجيل التالي من الطائرات المقاتلة.
أنشأت بطلة الدفاع البريطانية "مصنع المستقبل" في وارتون في لانكشاير، لتجربة الروبوتات وتقنيات التصنيع المتقدمة لعمل هياكل اختبار لطائرة تيمبيست، وهي طائرة مقاتلة لسلاح الجو الملكي من المقرر أن تحلق في السماء بدءا من 2035.
لا يزال المشروع في مرحلة الفكرة، لكن التحدي الذي تواجهه الشركات المعنية - من بينها مجموعة المحركات الهوائية رولز رويس والذراع البريطانية لشركة ليوناردو الإيطالية وشركة الهندسة سيمنز وعشرات من الموردين الأصغر - هو تطوير طائرة مقاتلة وبناؤها تقريبا في نصف وقت البرامج السابقة.
يقول ديف هولمز، مدير التكنولوجيا والتصنيع في "بي أيه إي"، "إن تحقيق ذلك يتطلب تغييرا جذريا" في تصميم وتصنيع الطائرات المقاتلة.
زيادة مستويات الأتمتة ستكون حاسمة. استخدام "الخيط الرقمي" من مرحلة هندسة الفكرة إلى التصنيع سيوفر بيانات فورية وإمكانية الرؤية مع تقدم العمل. يوضح هولمز قائلا "هذا غير متوافر في أي شيء قمنا به من قبل".
في أحد أطراف المصنع، يقترب المهندسون من إكمال نموذج توضيحي للهيكل الأمامي للطائرة باستخدام تكنولوجيا روبوتية جديدة. استخدمت "بي أيه إي" وشريكاتها الروبوتات القياسية، لكنها حسنت من دقتها بمقدار عشرة أضعاف للمساعدة على بناء النموذج الأولي. بمجرد اكتماله، فإن هيكل الطائرة الأمامي سيمثل "نقطة انطلاق مهمة"، كما يقول هولمز.
تهدف التجربة، وفقا لهولمز، إلى الإجابة عن السؤال التالي "هل يمكننا جميعا العمل بالبيانات الرقمية نفسها، هل يمكنك استخدام الروبوتات التي تجلب الدقة التي تحتاج إليها، هل يمكنك ضبط الحمض النووي لكل نشاط طوال الوقت؟".
يعد مصنع "بي أيه إي" نموذجا للجهود حول العالم لتخيل كيف سيبدو مصنع المستقبل. سواء كان الأمر يشمل الروبوتات أو الطباعة ثلاثية الأبعاد، فإن الهدف هو جعل عمليات التصنيع أكثر كفاءة وأقل استهلاكا للطاقة وأقل تكلفة.
أدت جائحة فيروس كورونا إلى تسريع الاتجاه نحو الأتمتة وزيادة الرقمنة، حيث أدركت الشركات أنها لا تستطيع دائما الاعتماد على وجود الموظفين في مكان العمل.
يشير بن مورجان - مدير الأبحاث في مركز أبحاث التصنيع المتقدمة في جامعة شيفيلد، الذي عمل من كثب مع "بي إيه إي" على مصنعها - إلى نجاح المملكة المتحدة في تطوير أجهزة التنفس الصناعي لـ"خدمة الصحة الوطنية البريطانية" بسرعة كمثال لما يمكن تحقيقه. أشار إلى أن اتحادا صناعيا من الشركات نجح في "تصنيع أجهزة التنفس الصناعي في غضون عشرة أسابيع فقط الذي كان يستغرق عشرة أعوام".
بشكل عام، أزمة كوفيد - 19 "سرعت تفكير الناس في الرقمنة"، حسبما يقول مورجان. بدلا من أن "يفكر الناس فيها، كان عليهم فعلها"، يضيف، مستشهدا باستخدام المحاكاة لرسم عمليات مكان العمل، بحيث يمكن تطبيق التباعد الاجتماعي، كمثال رئيس.
مارك مايبيري، كبير مسؤولي التكنولوجيا في "ستانلي بلاك آند ديكر"، الشركة الأمريكية المصنعة للأدوات الصناعية ومنتجات الأمان، توجه أيضا إلى التكنولوجيا في بداية الأزمة. طور مايبيري "لوحة تحكم رقمية" لمواقع الشركة المختلفة التي أظهرت الموظفين الذين كانوا مرضى، والذين لم يمرضوا، ومستوى المخاطر السائد.
أيضا نشرت الشركة أجهزة استشعار ذكية في مصانعها تنبه العمال إذا كانوا يقتربون جدا من بعض خلال ذروة الأزمة.
ستنتج المصانع الآلية كميات كبيرة من البيانات. بالنسبة إلى كثيرين، يتمثل الهدف النهائي في ربط كل ذلك - من الروبوتات وأجهزة الاستشعار ومعدات المصنع الأخرى - بحيث يمكن مراقبة كل مرحلة من مراحل عملية التصنيع من كثب. النتيجة هي أن المهندسين سيكونون قادرين على تغيير الأدوات أو تغيير العمليات أثناء تقدمهم، ما يسمح بمزيد من الكفاءة.
في عالم مثالي، ستتواصل الشركات مع أنظمة العملاء لتوقع الطلب وتعديل الإنتاج تلقائيا. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إيجاد عملية تصنيع سلسة، ومن المحتمل أن يسمح بجدولة العمليات بشكل مفيد في أوقات معينة، مثلا، عندما تكون الطاقة أرخص.
في المملكة المتحدة، يقود مهندسون من مركز أبحاث التصنيع المتقدمة في جامعة شيفيلد مبادرة أطلق عليها اسم "مصنع المستقبل 5G" لاختبار الجيل التالي من الاتصال اللاسلكي في التصنيع. الهدف، حسبما يقول مورجان، هو جمع البيانات واستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للانتقال "من الإدراك المتأخر إلى رسم رؤية وفي النهاية بعد نظر".
يوضح قائلا "نريد أن نكون قادرين على التنبؤ بما سيحدث في عملية ما قبل حدوثه أو قبل تعطل أداة أو تعقب روبوت لمسار لا نريد أن يتعقبه".
ستسمح طريقة العمل الأكثر مرونة أيضا للشركات باختبار التصميمات وتعديلها وفقا لذلك، مع سيرها، ما يؤدي في النهاية إلى تقليل وقت الكفاءة أو الاعتماد اللازم لتمرير المنتجات إلى العملاء.
على الرغم من المخاوف من أن الأتمتة المتزايدة ستدمر الوظائف، يخرج كثير من الشركات المصنعة من الجائحة محذرا من نقص العمال ذوي المهارات. وجد تقرير صدر العام الماضي عن شركة ديلويت و"معهد التصنيع" أن الجائحة أدت إلى تفاقم نقص المهارات. قدر التقرير أن فجوة المهارات في التصنيع الأمريكي يمكن أن تترك ما يصل إلى 2.1 مليون وظيفة شاغرة بحلول 2030.
يعترف مسؤولون تنفيذيون بأن بعض الوظائف اليدوية ستختفي على الأرجح بحلول 2050، لكن ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الفنيين وعلماء البيانات والمهندسين مع تطور التقنيات الجديدة.
يصر مايبيري من "ستانلي بلاك آند ديكر"، على أن هناك "إمكانات حقيقية" في استخدام الأتمتة. يقول "إن المصنعين لن يحتاجوا فقط إلى إعادة تصميم مصانعهم بل أيضا وظائفهم. سيتطلب ذلك ضمان تعليم الأشخاص النوع الصحيح من المهارات، مثل اللحام الآلي والتحليلات المتقدمة".
ويضيف، "تتمثل رؤيتنا في أننا نريد أن يعمل المشغلون مع الروبوتات، وصيانتها، وهندستها وتصميمها، وفي النهاية، الإشراف على الفرق البشرية والآلية".

الأكثر قراءة