«جنة الكتاب» في حياة الملوك والمثقفين

«جنة الكتاب» في حياة الملوك والمثقفين
خادم الحرمين الشريفين عاشق للتاريخ واسع الاطلاع على شتى العلوم والمعارف.
«جنة الكتاب» في حياة الملوك والمثقفين
جانب من مقتنيات مكتبة الملك سلمان الخاصة "1419هـ".

"خير جليس في الزمان كتاب".. قالها المتنبي قبل ألف عام، لكن صداها لا يزال يتردد ويسمع، فأصدق صديق وأنبل جليس كان نزهة للأدباء والمشاهير، وموطن الحكمة للزعماء، بين دفتيه كنوز معرفية وروافد ثقافية وتاريخية.
تذكر الحقائق والمصادر المقربة من الرؤساء الأمريكيين أن الكتب التي قرأوها أسهمت في تشكيل ماضي الأمة ومستقبلها، وفق تعبير صحيفة "الواشنطن بوست"، وتذكر أيضا أن نجوم الفن كانوا يداومون على القراءة لإثراء مداركهم، حتى لا يخبو نجمهم وسط فضاء الشهرة، لكن مصير مكتبات كثيرين منهم وجدت الإهمال والاندثار طريقا.

المكتبات الملكية والرئاسية
لا يستقيم الحديث عن مكتبات الزعماء والملوك المنزلية، دون الحديث عن مكتبة صنفت بأنها الأضخم عالميا بين زعماء العالم، برصيدها الثمين من المجلدات، وأمهات الكتب، كما تزخر بعدد من المخطوطات والوثائق النادرة، إنها مكتبة الملك سلمان الخاصة.
لخادم الحرمين الشريفين علاقة وطيدة بالمؤرخين والأدباء والمثقفين حتى الإعلاميين، فهو ملم بالسياسة وعلم الأنساب والتراث والثقافة، عاشق للتاريخ، واسع الاطلاع على شتى العلوم والمعارف.
أصدر الملك سلمان توجيهاته الكريمة بتحويلها إلى مكتبة عامة لخدمة الجمهور، حرصا على إتاحة مقتنياتها للباحثين وطلاب العلم. وبحسب الندوة الثقافية التي نظمها نادي المدينة المنورة الأدبي قبل أعوام بعنوان "سلمان بن عبدالعزيز.. الملك المؤرخ"، فإن المكتبة تجمع أهم المصادر والمراجع في التراث والتاريخ العربي والإسلامي، وتضم كل ما يتعلق بتاريخ الدولة السعودية قديما وحديثا، وتراجم الأعلام والقادة وكتب الرحلات والمذكرات، ومنظمة بأعلى معايير الجودة للمكتبات الحديثة، إذ فهرست محتوياتها بالكامل بنظام المكتبات "ديوي"، ويتولى الإشراف عليها وإدارتها وترتيبها منصور مهران، خبير المكتبات الذي يعمل فيها منذ 30 عاما.

صداقة الرؤساء والكتاب
كان لصاحب الجملة الشهيرة "لا أستطيع العيش بدون الكتب"، الرئيس الأمريكي السابق جيفرسون أحد مؤسسي الولايات المتحدة دور في تنمية مكتبة الكونجرس، فقد باع مكتبته الشخصية التي تضم نحو 6.5 ألف كتاب للكونجرس، وعلى الجانب الآخر، تروي الصحافة العالمية أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج واشنطن ترك في مكتبته الخاصة 1200 كتاب، وهو كم من الكتب لم يكن متوافرا للرئيس أبراهام لينكولن. لكن الكتب القليلة التي أمكنه تحمل تكلفة شرائها كانت أدوات لشحذ مهاراته السياسية والاجتماعية، قرأها مرارا وتكرارا، بحسب موقع "بيزنس إنسايدر".
وإلى الرئيس تيدي روزفلت، المعروف بافتنانه وعشقه للكتب، كان يقرأ من كتابين إلى ثلاثة كل ليلة، وإذا أعجبه الكتاب أقام علاقة صداقة مع مؤلفه، وعليه، ارتبط بعلاقات صداقة مع كثير من المؤلفين خلال فترة وجوده في البيت الأبيض.
كان الرئيسان ريجان وكينيدي محبين لقراءة الأدب، والرئيس بيل كلينتون يجد متعته في قراءة الروايات البوليسية، في حين أكمل جورج بوش قراءة 186 كتابا في عامين خلال فترة رئاسته، تركزت على التاريخ والسيرة الذاتية، وكان أوباما بدوره قارئا نهما، ومؤلفا أيضا.

مكتبات نجوم الفن
كي لا يخبو نجم الفنان سريعا، يجب أن يكون مثقفا وقارئا، على الأقل في العلوم الأساسية، ويروي المقربون من النجمة الراحلة مارلين مونرو أنها كانت تنجذب إلى العلماء والمثقفين مثل آينشتاين عالم الفيزياء، حتى إنها عرضت عليه الزواج، لكنها رغم ذلك امتلكت مكتبة متواضعة من 400 كتاب، فيما كانت اهتمامات الممثل الشهير هاري هوديني مثيرة للاهتمام والتعجب، إذ أهدى كتبه الخاصة إلى مكتبة الكونجرس، وتضم كتب السحر والروحانيات، كأكبر مجموعة كتب عن السحر عالميا.
ومن النجوم العرب، يبرز النجم محمود ياسين، القارئ من الطراز الأول، فقد قرأ مسرحيات شكسبير وكتب المسرح العالمي قبل احترافه الفن، والتهم كتب الأدب التهاما قبل التحاقه بكلية الحقوق، ولديه مكتبة ضخمة في مجالات السياسة والتاريخ والأدب، لإيمانه بأن الفنان يجب أن يكون مثقفا، ملما بكل الفنون، حتى يصدقه الجمهور.
ومن نجوم الغناء، برز مايكل جاكسون في حرصه على اقتناء الكتب، ولا سيما المستعملة، وذكر محاميه أنه كان يمتلك عشرة آلاف كتاب في مزرعة نيفرلاند، ويحرص على قراءة الشعر، ويضع قائمة أسبوعية للكتب كي يقرأها، ويدون ملاحظاته عليها.
وفي عالم الإعلام، كشفت أوبرا وينفري المحاورة الأمريكية أن لديها نحو 1500 كتاب، في رقم مشابه لما تركه تشارلز دارون عالم الأحياء، وهو قليل إذا ما قورن بما لدى إرنست همنجواي الروائي الأمريكي المعروف، الذي كان يسافر برفقة الكتاب، ويضيف إلى مكتبته من 150 إلى 200 كتاب سنويا، ليصل مجموع كتبه بعد وفاته إلى أكثر من تسعة آلاف كتاب، أخرجت لنا إبداعاته وكلاسيكيات أدبية مثل "العجوز والبحر" التي حصدت "نوبل للآداب".
أدباء تبرعوا بمكتباتهم
ذات مرة، كتب خورخي لويس بورخيس الأديب الأرجنتيني "أنا الذي تخيلت الجنة دوما على شكل مكتبة".
فالمثقف يجد في الكتاب جنته، لأن مشوار العمر قصير، فيعيش في الكتاب أكثر من حياة، فيما يبقى مصير كتبه بعد رحيله معلقا في أغلب الأحيان، وإرثا طي النسيان.
اختارت أسرة عبيد بن عبدالله مدني الأديب والمؤرخ، المكتبة المركزية في الجامعة الإسلامية مكانا لاستضافة مكتبة والدهم، وهي أشهر المكتبات الخاصة في العصر الحديث، لما تحتويه من مؤلفات ومصنفات ومخطوطات نادرة في شتى العلوم والمعارف، حيث تضم 7045 كتابا و365 مخطوطة أصلية و502 مجلة علمية وأدبية، كما أهدت أسرة عابد خزندار الأديب والكاتب الراحل قبل أعوام مكتبته الخاصة إلى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض، سبقهم ورثة المؤرخ محمد حسين زيدان، الذين أهدوا كتب والدهم إلى المكتبة ذاتها، كصدقة عن روحه، فيما اختارت أسرة أحمد عبدالعزيز عطار الأديب والشاعر إهداء مكتبته إلى مكتبة جامعة الملك عبدالعزيز.
وفي مصر، تحول بيت طه حسين إلى متحف رسمي، يضم مكتبته، يتبع للدولة، وفيه نحو سبعة آلاف كتاب، نصفها باللغة العربية والبقية باللغات الأجنبية، لتكون المكتبة الأوفر حظا، كما وصفها أنيس منصور الكاتب الراحل آنذاك، الذي خشي على مكتبته وميراثه الثقافي من الإهمال، فأوصى بالتبرع بمكتبته بعد رحيله إلى جامعة المنصورة، حيث مسقط رأسه، إلا أن أبناءه اختاروا وضعها في الجامعة الأمريكية في القاهرة، بعد أن شعروا بالمهانة والإهمال في طريقة نقلها إلى جامعة المنصورة، ولا سيما أن الجامعة الأمريكية خصصت متحفا خاصا لأنيس منصور، بجوار متحف الدكتور بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

على سور الأزبكية
على الضفة الأخرى، رفضت أسرة الأديب عزيز ضياء إهداء مكتبته التي تضم نحو خمسة آلاف كتاب إلى مكتبة الملك عبدالعزيز أو نادي جدة الأدبي، رغم عروضهما باستضافة المكتبة الخاصة.
والرفض ذاته كان اختيار نجل إبراهيم أصلان الكاتب الراحل، الذي قرر ضم كتب أبيه إلى مكتبته، مثلما اختار ابن الشاعر المصري صلاح جاهين، وكما اختارت أيضا نهال كمال زوجة الشاعر عبدالرحمن الأبنودي ابن الصعيد، حيث قررت أن تحافظ على مقتنيات مكتبة زوجها، كمصير آمن يحفظ إرثه.
مصير المكتبات الخاصة للأدباء والمثقفين لم يكن في مجمله واضح الخطى والمعالم، فقد طال بعضها الإهمال والتخزين الخاطئ الذي عرضها للتلف ثم الاندثار، أو تسابق سماسرة الكتب على شرائها بثمن بخس بعد وزنها بالكيلو، وبيعت على الأرصفة في سور الأزبكية والسيدة زينب مثلا في مصر، أحد أشهر أماكن بيع الكتب القديمة والمستعملة، بما تحمله من قيمة معنوية لا تقدر بثمن، إذ يتضمن بعضها ملاحظات صاحبها بخط يده، أو إهداءات وذكريات المؤلف، أو أن تكون نسخا نادرة من كتب لا تتوافر في الأسواق.
وفي أسواق الكتب هذه، ترتفع أسعار المؤلفات التي تتضمن إهداءات لشخصيات معروفة إلى خمسة أضعاف ثمن الكتاب الأصلي، وتتجاوز في بعض الأحيان حاجز المائة دولار، إذا حملت إهداء أو توقيع أعمدة الأدب العربي، من طراز نجيب محفوظ وعباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم.

الأكثر قراءة