عدم اليقين يلوح في أفق الاقتصاد العالمي
انتعش الاقتصاد العالمي من الركود التاريخي الناجم عن أزمة كوفيد- 19 بشكل أفضل من الذي توقعه كثير من الاقتصاديين في 2021 لكنه، كما حذر المتنبئون، يواجه طريقا أكثر صعوبة في العام الجديد.
قالوا إن التقدم يعتمد على حدة الجائحة والسهولة التي يتم بها ترويض التضخم وتوزيع الأضرار الاقتصادية عبر الدول والصناعات، محذرين من تزايد مخاطر حدوث أخطاء في السياسة النقدية والمالية خلال سعي الحكومات والبنوك المركزية إلى الاستجابة.
بحسب دان سترويفين، كبير الاقتصاديين العالميين في بنك جولدمان ساكس، "يبدو أن الجزء السهل من هذا الانتعاش الاقتصادي العالمي غير المتكافئ قد انتهى".
من جانبها، ترى جانيت هنري، كبيرة الاقتصاديين في بنك إتش إس بي سي، أن من غير المرجح أن تكون النتيجة سيناريو "معتدلا" - ليس شديد الحرارة ولا شديد البرودة.
يتفق أغلبية الاقتصاديين على أن الخلفية المشتملة على انتعاش قوي مصحوب بتضخم مرتفع في معظم الدول ستجعل من الصعب تحقيق الموازنة بين العرض والطلب.
سايمون ماك آدم، كبير الاقتصاديين العالميين في شركة كابيتال إيكونوميكس، قال على الرغم من أن معدلات التضخم الرئيسة ستنخفض بالتأكيد، من المرجح أن يكون هناك ضغط أساسي مستمر على الأسعار بسبب ضيق أسواق العمل، خاصة في الولايات المتحدة، و"نقص المنتجات وارتفاع تكاليف النقل" في معظم الدول.
الاقتصاديون في بنك نومورا واثقون من أن السلطات النقدية ستسيطر على التضخم، لكن سيكون الأمر مكلفا. حذروا من أنه "بحلول نهاية 2022 سنرى خلفية مختلفة تماما، حيث يشكل الركود خطرا أكبر من الركود التضخمي".
تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتراجع نمو الناتج العالمي من 5.6 في المائة في 2021 إلى 4.5 في المائة هذا العام، مع ارتفاع التضخم من 3.5 في المائة إلى 4.2 في المائة، وأن الذروة ستأتي في الأشهر الأولى من العام.
ويتفق الاقتصاديون على أن عوامل عدم اليقين الرئيسة بشأن التوقعات للعام الجديد تنبع مما حدث في الـ12 شهرا الماضية. فقد أدى الانتعاش الأفضل من المتوقع، إلى جانب التحول في نمط الإنفاق من الخدمات نحو البضائع، إلى ارتفاع الأسعار وأظهر أن رغبة المستهلكين في الشراء تفوق قدرة الشركات على التوريد.
قالت هنري، من إتش إس بي سي، إن لقاحات فيروس كورونا سمحت بتخفيف سريع للقيود، بينما حركت السياسات التحفيزية الإنفاق الاستهلاكي، ما مكن العالم من إنهاء العام "في وضع أفضل مما كنا نتوقعه قبل عام".
ما سيحدث في 2022 يعتمد على ثلاث قوى مترابطة.
أولا، الفيروس. شدة الجائحة مهمة لكل من رغبة الأفراد والشركات في الإنفاق، ومهمة أيضا فيما يتعلق بالقيود الحكومية على التنقل التي يتم تشديدها مرة أخرى في جميع أنحاء أوروبا.
قال جاي إتش بريسون، كبير الاقتصاديين في ويلز فارجو، "يستمر الاقتصاد العالمي في المعاناة من التقلبات الناجمة عن الجائحة". على الرغم من أن الأسر والشركات والدول أصبحت أفضل كثيرا في التكيف مع موجات فيروس كورونا، إلا أن أحدث متحور، أوميكرون، أظهر أن الفيروس لا يزال لديه القدرة على تدمير ثقة المستهلك والشركات والنشاط الاقتصادي.
أشارت تمارا بيسك فاسيلجيف، كبيرة الاقتصاديين في شركة أكسفورد إيكونوميكس، إلى أن أوميكرون أضعف معنويات المستهلكين عالميا في الأسابيع القليلة الماضية. لكن مع استمرار المعنويات عند مستويات عالية بشكل نسبي، ومالية أسرية قوية، لا تتوقع أن تكون الضربة في النشاط الاقتصادي كبيرة على المستوى العالمي.
قالت، "الاقتصاد العالمي سينجح في اجتياز الفترات الصعبة التي يسببها المتحور أوميكرون". عدم اليقين الأكبر هو ما إذا كانت هناك أي موجات أخرى قادمة.
ثانيا، التضخم. ينبع عدم اليقين الكبير الآخر من عدم التوازن بين العرض والطلب ـ الذي أدى إلى حدوث تضخم في 2021.
يتوقع الاقتصاديون انخفاض المعدل الرئيس - يعود ذلك بشكل جزئي للتأثير الإحصائي للمعدلات المرتفعة في العام الماضي على الحساب السنوي، ولأن أسعار النفط والطاقة من غير المتوقع أن ترتفع أكثر.
السؤال هو ما إذا كان الضغط على الأسعار سيتراجع بما يكفي لتتجنب البنوك المركزية اتخاذ إجراءات صارمة لخفض التضخم، ما قد يؤدي إلى خطر تعطيل الانتعاش.
قال ماك آدم، من كابيتال إيكونوميكس، "مع مرور العام ينبغي أن يخف النقص في (العرض) وأن تنحسر آثاره التضخمية أيضا، ولو بشكل بطيء". مع ذلك أبدى قلقه من أن سوق العمل الأمريكية محمومة بشكل مفرط وأن الاحتياطي الفيدرالي قد يخطئ من خلال توخي الحذر الشديد.
أضاف، "نشك في أن حجم التشديد الذي أشار إليه الاحتياطي الفيدرالي سيكون كافيا لخفض التضخم الأساسي إلى 2 في المائة".
ثالثا، أضرار متفاوتة. تنبع القضية الكبرى الثالثة للاقتصاد العالمي في 2022 من الاختلاف بين الدول والصناعات في قدرتها على التعافي من الأزمة.
كانت إسبانيا وتايلاند وإندونيسيا الأكثر تراجعا عن المسار المتوقع لاقتصاداتها بسبب الجائحة، وكانت تركيا وتايوان والصين الأكثر تقدما، وفقا لأبحاث جولدمان ساكس.
قال سترويفين إن كثيرا من هذا يعود إلى درجة انكشاف الدول على القطاعات التي تضررت من التحولات في الطلب أو التي استفادت منها. مثلا، شهد التصنيع طلبا مرتفعا للغاية، بينما تعرضت المواقع المعتمدة على السفر والسياحة إلى أضرار جسيمة.
قال سترويفين، "ترتبط الخدمات التي يظل الإنفاق فيها منخفضا بشكل خاص في كثير من الاقتصادات عموما إما بمخاطر عالية للفيروسات، مثل الفعاليات الجماهيرية والسفر الدولي، وإما المرتبطة بالعمل المكتبي، مثل النقل أو عمال التنظيف الجاف".
بالنسبة إلى الدول المتخصصة في هذه الخدمات، فإن المكاسب ستعتمد على "تحسينات طبية أكثر أهمية" لمكافحة الجائحة.
نتيجة لهذه الشكوك الأساسية يمكن أن يؤدي مسار السياسة النقدية والمالية إما إلى مزيد من الضغط التضخمي إذا تم توفير كثير من الحوافز، وإما إلى الانحدار في الركود إذا تلقى الانتعاش دعما غير كاف.
وفقا لهنري، من بنك إتش إس بي سي: "لا تزال الأمور بعيدة جدا عن المعتاد".