الهالة المحيطة باختبارات التحمل المصرفية تتلاشى مع الأزمة

الهالة المحيطة باختبارات التحمل المصرفية تتلاشى مع الأزمة

عندما أعلن بنك إنجلترا نتائج اختبارات الإجهاد السنوية للقطاع المصرفي في المملكة المتحدة هذا الشهر، بدا على المسؤولين علامات التوتر لأنهم لم يتمكنوا من استدعاء الهيئات الصحافية إلى غرفهم الداخلية في شارع ثريدنيديل بسبب قيود كوفيد-19.
لكن الدراما المصاحبة للإعلان السنوي قد بدأت بالتلاشي بالفعل في الأعوام السبعة الماضية منذ أن بدأ البنك المركزي باختبار سنوي يهدف لمعرفة قدرة المقرضين على الصمود في معركة هرمجدون.
لقد ولت الأيام التي كان فيها المستثمرون ينتظرون بقلق لمعرفة أي بنك سيطلب منه جمع رأس مال إضافي أو الحد من توزيعات الأرباح من أجل جعل ميزانياتهم العمومية متوافقة. حيث كان الفشل الأخير في اختبار التحمل لبنك إنجلترا في 2016، عندما صدر أمر لرويال بنك أوف سكوتلاند المؤمم بمراجعة الخطة التي وضعها لرأس المال.
بل إن الأيام الأكثر توترا بسبب اختبار التحمل كانت قبل ذلك بكثير. ففي الممارسات الأيرلندية في 2010- 2011، حبس البلد بأكمله أنفاسهم أثناء انتظارهم لمعرفة حجم الثغرة في الميزانيات العمومية لبنوكها، فقط لتكتشف بعد ذلك أن الفجوة كبيرة لدرجة أنه يتعين على أيرلندا أن تستعين بخطة إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لسد هذه الثغرة. فيما راقبت البنوك في بعض الأجزاء من قارة أوروبا اختبارات التحمل الأولى للبنك المركزي الأوروبي في أواخر 2014 بخوف مشابه.
أما الآن فنحن في وضع طبيعي جديد. حيث لا تكاد البنوك تفشل في الاختبار أبدا، الأمر الذي يترك ممتحني التحمل أمام معضلة.
يستذكر أحد المسؤولين المشاركين في مداولات ما بعد الأزمة بشأن اختبارات التحمل، "لقد أزعجني السؤال القائل، ما الفائدة من هذه الاختبارات إذا كان الجميع ينجح فيها؟". ومع مرور كل عام تجتاز فيه البنوك جميعا الاختبار، يتساءل المسؤول نفسه عن مقدار المعلومات التي توفرها الاختبارات بالفعل لمسـؤولي البنوك المركزية والهيئات التشريعية.
إن الأمر الوحيد الذي كان سيرحب المشرعون في العالم بالمعلومات عنه في الماضي القريب هو كيف يمكن للبنوك أن تتصرف في حدث معطل على مدى عدة أعوام مثل الجائحة. فقد كانت اختبارات التحمل صامتة عن تلك النقطة، لأن أزمة مثل كوفيد لم تكن أبدا من السيناريوهات المروعة التي تم اختبار البنوك عليها.
ومع ذلك، يقول المحلل الذي ظل يغطي هذه الأحداث منذ بدايتها إن اختبارات التحمل لا تزال مفيدة لعملائه، على الرغم من أن أهميتها قد تراجعت بشكل حاد منذ الأزمة.
فالاختبارات الأمريكية، التي تحدد مباشرة مستويات الأرباح القصوى، هي الأكثر تأثيرا. بينما تقدم نسخة الاتحاد الأوروبي، التي تشرف عليها الآن الهيئة المصرفية الأوروبية، أقل قراءة عملية لأن التركيز ينصب فيها على تقييم المرونة بدلا من فرض الإجراءات. لكن الاختبار يقدم بيانات موحدة وقيمة عن البنوك.
وفي دفاعهم عن اختبارات التحمل، يجادل المسؤولون بأن البنوك تتمتع برأس مال جيد جزئيا لأنها تتماشى معهم في كل عام. فالبنوك تريد الحفاظ على رأس مالها عند مستوى يقلل من فرص الفشل المخجلة.
وأضافوا أن فرض اختبار التحمل الصارم يحسن أيضا من إدارة البنوك للمخاطر. ويمتلك الأمريكيون أقوى الذرائع هنا لأن اختبارات الإجهاد الأمريكية تتضمن عنصرا نوعيا، حيث يفحص الاحتياطي الفيدرالي عمليات التدقيق والتوازنات الداخلية للبنوك وبالتالي يفرض عليهم التحسينات حسب الحاجة.
أما الحجة العالمية الأشمل فهي أن الأرقام الصعبة التي هي جزء من اختبارات التحمل تقدم رؤى مفيدة حول المخاطر التي تقدم عليها البنوك، التي يمكن أن تؤدي إلى قرارات أفضل. فلو كانت موجودة في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، لكانت البنوك قد عرفت حجم المخاطرة التي كانت تتعرض لها في دفاتر الرهن العقاري عالية المخاطر.
ويتفق المطلعون في البنك، إلى حد ما، مع هذا المنطق. حيث يقول أحد المخضرمين في الصناعة إن اختبارات التحمل "مفيدة للغاية" لفهم المخاطر وهي "أداة جيدة جدا لبدء نقاش ناضج مع الأشخاص غير المهووسين بالتحليلات الكمية".
لكنه يجادل بأن تعقيد اختبارات التحمل من المشرعين يمكن أن يضر بإدارة المخاطر من خلال طلب موارد ضخمة. حيث يشعر الشخص المخضرم نفسه بالقلق من أن قسم المخاطر في بنكه قد فاتته مشكلة كبيرة حديثة مع عميل يعاني المتاعب لأنها "تحولت إلى منظمة تشريعية وتطبق القانون، مع ذهاب جميع مواردنا إلى اختبارات التحمل التي يفرضها المشرعون".
ويصف أحد ممارسي اختبارات التحمل في بنك آخر حجم الأعمال الورقية التي يتم تقديمها يصل إلى 1400 أو 1500 صفحة. حيث يقول، "إن اختبارات التحمل مهمة... ولكن إذا كنا سنقوم بها، فعلينا أن نقوم بها بطريقة عقلانية"، مجادلا بأن التعقيدات في الإجراءات لم تكن لها أي فائدة تذكر.
وفي الولايات المتحدة، تشكل السيناريوهات التي وضعها البنك جزءا من التقييم السنوي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. حيث يقول مديرو المخاطر إن بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي أصيب بكدمات بعد أن أذهلته الجائحة، يقوم بممارسة الضغط على البنوك من أجل إيجاد سيناريوهات أكثر تطرفا. وعادة ما تكون النهاية في أي لعبة هي مواجهة سقوط كويكب ما، وفي هذه المرحلة يشير مديرو المخاطر الأكثر ذكاء إلى أنه إذا سقطت صخرة ضخمة من السماء، فسيواجه العالم مشكلات أكبر بكثير.
ويقول أحد المسؤولين المشاركين في التأسيس لاختبارات التحمل الأولى إن سيناريو الكويكب يستحق التفكير فيه على أي حال. ويقول، "إذن عليك أن تقول (للسياسيين)، إنهم لا يستطيعون مواجهة هذا السيناريو، فهل تعتقد أنه ينبغي لهم أن يكونوا قادرين على ذلك؟". وأضاف، "إن السؤال هو إلى أي مدى تريد من البنوك أن تكون فعلا مرنة؟".

الأكثر قراءة