الرقمنة تدعم سوق الإعلانات العالمية .. تريليون دولار في 2025
ليس من المستغرب أن تتأثر صناعة الإعلانات بوباء كورونا كغيرها من الصناعات، ففي 2020 تراجع الإنفاق العالمي على الإعلانات، تحت ضغط تقلص نشاط الاقتصاد الدولي. الأمر اختلف هذا العام فالمؤكد حاليا أن صناعة الإعلانات أخذت في التعافي، مع تحسن أداء الاقتصاد العالمي واستعادته لقوته المفقودة.
لكن الاتفاق على نمو قطاع الإعلانات على المستوى الدولي، لا يعني وجود نسبة نمو أو قيمة كلية لما تم إنفاقه في هذا المجال.
في شهر حزيران (يونيو) الماضي أعلنت "مجموعة إم" وهي وكالة إعلانات دولية أن معدل نمو الإعلانات عالميا هذا العام سيكون 19.2 في المائة، مقارنة بالعام السابق. لكن قبل أيام معدودة أصدرت الشركة توقعات محدثة تكشف أن معدل نمو صناعة الإعلانات العالمية سيصل بالفعل إلى 22.5 في المائة في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وهذا أعلى مستوى تاريخي للصناعة على أساس سنوي.
أما وكالة "مجنا" الشهيرة في مجال الإعلانات فلم تختلف تقديراتها كثيرا، إذ قدرت معدل النمو للصناعة ككل هذا العام بنسبة 22 في المائة، مشيرة إلى أن ذلك أعلى معدل نمو تسجله الصناعة على الإطلاق، متجاوزة معدل النمو، الذي حققته عام 2000 وبلغ حينها 12.5 في المائة.
تقديرات أخرى كانت أقل، إذ قدرت معدلات النمو بنسبة 13 في المائة فقط، دون أن يعني ذلك وضعا سلبيا للصناعة، حيث تراوح حجم صناعة الإعلانات هذا العام بين 678 و766 مليار دولار، وسط تقديرات بأن يبلغ تريليون دولار بحلول 2025.
بدورها، قالت لـ"الاقتصادية" ليزا ريتشي، أستاذة التسويق في مدرسة لندن للأعمال "السبب في هذا النمو الهائل هو ظهور فرص لتوسيع سوق الإعلانات لم تكن موجودة قبل تفشي وباء كورونا، فعديد من الشركات الصغيرة انتقلت إلى الإنترنت واستخدمت الإعلان عبر الإنترنت لتسويق وجودها رقميا".
وأدى وباء كورونا إلى تغيرات في عادات التسوق على المستوى العالمي، فسرع من تبني التجارة الإلكترونية وسيلة أساسية للتبضع، وزادت معها كثافة الإعلانات الرقمية، نظرا لإقدام العلامات التجارية المختلفة على إنفاق مزيد من الأموال للترويج لمنتجاتها داخل مواقع البيع بالتجزئة.
في هذا السياق، تشير الأرقام إلى أن نسبة إجمالي الإنفاق العالمي على الإعلان الرقمي بلغت في هذا العام نحو 60 في المائة من إجمالي الإنفاق الدولي في صناعة الإعلانات، وسط توقعات بأن تستمر تلك النسبة في الزيادة العام المقبل، وبحلول 2023 يتوقع أن ينفق دولاران على الإعلانات الرقمية من كل ثلاثة دولارات تنفق في سوق الإعلانات.
ازدهار سوق الإعلانات الرقمية في 2021 لا ينفي أن الإعلان التلفزيوني حافظ على وجود ملحوظ له وإن لم يكن بقوة الإعلانات الرقمية، إذ جنت الإعلانات التلفزيونية حصة تقارب 12 في المائة من إجمالي الإنفاق الإعلاني العام هذا العام، منخفضة عن حصتها في العام الماضي البالغة نحو 14 في المائة، لكن من المشكوك فيه أن تفلح الإعلانات التلفزيونية في العودة إلى حصتها الإعلانية حتى 2023، على أن تتسم بعد ذلك بأعوام من الثبات حتى نهاية 2026.
تزايد الإنفاق الإعلاني على المستوى العالمي، يخفي جوانب قصور تتضح عند الدخول في التفاصيل وتحليل الجوانب المختلفة للمشهد الراهن في صناعة الإعلانات، فالنمو الحادث في الصناعة ككل لا ينفي أنه غير متناسب على المستوى العالمي، فثلاث دول فقط حظيت بالحصة الأكبر من نمو السوق، الولايات المتحدة الأمريكية والصين والمملكة المتحدة ومثلت البلدان الثلاثة معا 70 في المائة من إجمالي نمو الصناعة، على الرغم من أنها تشكل نحو 60 في المائة فقط من إجمالي السوق.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية" وليام وايت، الباحث في التسويق الرقمي، "ربما يعود احتكار البلدان الثلاثة للجزء الأكبر من نمو صناعة الإعلانات إلى نجاح جهود التطعيم فيها ضد فيروس كورونا، مقارنة بالبلدان الأخرى، نجاح التطعيم سمح باستئناف النشاط الاقتصادي في وقت مبكر من 2021، ما جذب الشركات للقيام بحملات إعلامية واسعة النطاق ومكثفة لاستقطاب المستهلكين بعد نحو عام من الإغلاق الاقتصادي، على أمل استغلال الطلب المكبوت إلى حده الأقصى".
عدم التوازن المفقود على مستوى العلاقة بين صناعة الإعلانات والدول، يبدو مفقودا أيضا عند بحث العلاقة بين صناعة الإعلانات والشركات الدولية الكبرى.
فعملاق التجارة الإلكترونية أمازون يهيمن على ساحة إعلانات التجارة الإلكترونية بشكل ملحوظ، وتقدر بعض الدراسات أن بين 80 إلى 90 في المائة من الإجمالي العالمي للإنفاق على الإعلانات الرقمية خارج الصين ينحصر في ثلاث شركات فقط هي أمازون وجوجل وول مارت، وجميعها نمت بمعدلات سريعة للغاية هذا العام.
من ناحيتها، قالت لـ"الاقتصادية" أملييا هادفيد، الباحثة الاقتصادية، "العام الماضي بلغ نصيب شركة أمازون من إجمالي الإنفاق على إعلانات التجارة الإلكترونية 75 في المائة، وتجاوز إجمالي عائدات إعلانات أمازون سبعة مليارات دولار، يليها شركة وول مارت مع عائدات إعلانات تزيد قليلا على 1.5 مليار دولار".
وحول الأسباب الكامنة وراء نجاح أمازون في مجال الإعلانات الرقمية تجد الباحثة أملييا هادفيد أن التكلفة هي السبب، فالإعلانات الرقمية في أمازون تعد أرخص إلى حد ما بالنسبة للشركات لتبدأ بها.
لكن الخبراء في مجال التسويق والإعلانات يعتقدون أن ميكنزمات سوق الإعلانات هذا العام لم تقف عند حدود الجوانب الاقتصادية المتعلقة فقط بحجم الإنفاق ونسب النمو والقوى المسيطرة على السوق، لكنها امتدت لتشمل تغير في الاتجاهات الرئيسة المتوقع أن تهيمن على الصناعة في الأعوام المقبلة.
ولـ"الاقتصادية" يرصد الدكتور جوش لرسن، أستاذ التسويق في جامعة لندن مظهرين رئيسين لما يصفه بطبيعة إعلانات المستقبل والتي بدأت ملامحها في التبلور في 2021.
ويقول "السوق الرائدة والموجهة لصناعة الإعلانات في العالم هي السوق الأمريكية، ويقدر أن يصل الإنفاق على إعلانات الفيديو للهواتف المحمولة في الولايات المتحدة عام 2025 نحو 52 مليار دولار، وهذا يعطينا لمحة عن أبرز صفات إعلان المستقبل، وهي إعلانات الفيديو القصيرة، فالمستهلك لم يعد يتحلى بالصبر لمقاطع الفيديو الطويلة، وتشير دراسة حديثة إلى أن أكثر من 25 في المائة من البالغين سيغلقون مقطع الفيديو بعد عشر ثوان فقط، و50 في المائة سيغلقونه بعد 20 ثانية".
ويضيف "الذكاء الصناعي سيلعب دورا بارزا في توجيه صناعة الإعلان في المستقبل، وقد بلغت مساهمة الذكاء الصناعي في صناعة الإعلانات نحو عشرة مليارات دولار عام 2018، وارتفعت إلى 27 مليار دولار 2019، والمتوقع الآن أن تتجاوز أكثر من 250 مليار دولار بحلول 2027".
ويعتقد الدكتور جوش لرسن أن السبب في تزايد مساهمة الذكاء الصناعي في صناعة الإعلانات أنه بات يتفهم المستهلكين بشكل أفضل مما يفهمون به أنفسهم، على حد قوله.