سوق المشروبات اليومية .. تغيرات جذرية وحصص سوقية لم تتأثر
مجال تعبئة المشروبات اليومية من عصائر ومياه ومشروبات طاقة ومشروبات رشاقة مجال كبير معروف منذ عشرات السنين، وكغيره من المجالات فهو يمر بمراحل تطور وتغيرات جذرية لسد احتياجات المستهلكين وأذواقهم فيما يستهلكونه من سوائل يومية. ولا تزال الشركات الكبرى تحافظ على مكانتها في تقديم المشروبات، مثل شركتي بيبسي وكوكاكولا، ولكن هناك شركات جديدة تخرج بين الحين والآخر بمشروبات جديدة مبتكرة، منعشة أو صحية أو خاصة باللياقة أو الطاقة وغيرها.
في هذا التقرير نستعرض مجال المشروبات المختلفة وفوائدها الصحية وقيمها الغذائية، ونتعرف إلى أبرز الشركات العاملة في هذا المجال.
تاريخ المشروبات الغازية والعصائر
وفقا لكتاب أصول المشروبات الغازية وتاريخها للكاتب "كولين إيمينيز"، تطورت المشروبات الغازية من المشروبات بنكهة الفاكهة التي كانت معروفة في الشرق الأوسط في العصور الوسطى، ومن ثم انتقلت إلى أوروبا لاحقا. ومن المعروف أن أصل كلمة syrup التي تعني الشراب المركز، تعود إلى اللغة العربية وفقا لكتاب الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى.
وفي القرن الـ17 كان لشركة "ليموناديرس" في باريس، وفقا للموسوعة البريطانية، الحق في احتكار بيع مشروب عصير الليمون بالعسل، الذي كان في وقته غير مكربن، أي غير غازي، وبعد ذلك اكتشف الكيميائي البريطاني "جوزيف بريستلي" طريقة مبتكرة لضخ ثاني أكسيد الكربون بالماء لتنطلق فكرة المياه الغازية، التي لسوء الحظ لم يستغلها بريستلي بشكل تجاري. ثم تعاقب على تطوير الفكرة آخرون مثل "جون ميرفن نوث" الذي عمل على تطوير تصميم جهاز الضخ، ومن ثم "توربيرن بيرجمان" الذي اخترع جهاز توليد المياه الغازية بالإنتاج بكميات كبيرة.
كانت المشروبات الغازية تستخدم للتداوي
تمت فيما بعد إضافة النكهات إلى المياه الغازية ولكنها كانت تستخدم كعلاجات ومسكنات وليست كمشروبات منعشة.
وكانت المياه الغازية مقسمة إلى ثلاثة أنواع: مشروب عادي متعدد الاستخدام، ومشروب لمرضى التهابات الكلى، ومشروب غازي قلوي لعلاج الحالات المرضية الحادة. وفي 1783 قام مخترع ألماني باسم "شويب" بتصنيع المياه الغازية التي لا تزال تباع إلى اليوم وتحمل الاسم نفسه.
وبحسب كتاب أصول المشروبات الغازية، كان هناك نحو 50 مصنعا لهذه المشروبات في لندن في 1840، حين تحولت المشروبات الغازية من الاستخدام الصحي إلى الاستخدام الاستهلاكي العام. وقد استخدم البريطانيون في الهند وفي المناطق الاستوائية المشروبات الغازية كوسيلة لتناول بعض الأدوية لمعالجة أمراض مثل الملاريا، حيث كان يتم خلط لحاء أشجار الكينا، التي كانت تستخدم لعلاج الحمى والالتهابات والملاريا، بالصودا والسكر ليتمكن المريض من تناولها وتفادي مرارتها الشديدة.
المشروبات الغازية لا تعني الصودا فقط
إن مصطلح المشروبات الغازية ليس حكرا على الصودا، فهناك المياه الغازية التي تلقى رواجا كبيرا حول العالم ولكن بشكل أكبر في أوروبا وأمريكا اللاتينية، أو عصير القصب المكربن في كوبا، أو المشروبات الغازية التي تحتوي بداخلها على دقيق فول صويا في المناطق الاستوائية، الذي يستخدم كمعوض عن البروتين الذي تفتقده النظم الغذائية هناك، أو مشروب "ريفلا" المكون من الصودا ومصل اللبن في سويسرا، وصودا رامون بالكاري في اليابان.
المشروبات الخالية من الكحول
المشروبات الغازية باختصار هي مشروبات صناعية تحتوي على مياه ومواد حافظة ونكهات، قد تكون محلاة بالسكر أو شراب الذرة عالي الفركتوز، أو بدائل أخرى، وقد تحتوي على الكافيين والأصباغ. ويكمن جوهر المشروبات الغازية فيما تحتويه من ثاني أكسيد الكربون المذاب في المياه، ولأن غاز ثاني أكسيد الكربون ضعيف الذوبان في المياه، فإنه يتحرر من الماء أثناء تعرض المشروب للهواء. ومن أمثلة المشروبات الغازية الكولا والمياه الفوارة والمنكهة، إلى جانب عدد من العصائر المتنوعة والشاي المثلج.
وتصنف المشروبات الغازية وفقا للموسوعة البريطانية على أنها مشروبات غير كحولية، وعلى الرغم من ذلك ووفقا للموقع الرسمي للوائح القوانين الفيدرالية الأمريكية وكذلك متجر خالي من الكحول البريطاني، فإنه قد توجد كميات قليلة من الكحول في المشروبات الغازية، فكلمة منزوع الكحول أو خال من الكحول لا تعني أن المشروب لا يحتوي على الكحول إطلاقا، بل إن الكلمة تعني أن نسبة الكحول به لا تتجاوز 1 إلى 200 جزء بالمليون.
فوائد المشروبات الغازية
وفقا لموقع "ماي فود داتا" الذي يستمد بياناته من مركز بيانات الأغذية لوزارة الزراعة الأمريكية، تتمتع المشروبات الغازية بنصف الكافيين الموجود في فنجان القهوة، وعلى الرغم من ذلك فهي تعطي الجسم حاجته من الكافيين، الذي يؤدي تناوله بكميات معتدلة إلى تحسين الوظائف العقلية ويساعد على التركيز.
كما أن حصول الجسم على السوائل أمر ضروري كون انخفاض السوائل في الجسم يؤدي إلى الجفاف وبالتالي الشعور بالصداع وعدم التركيز والشعور بآلام المفاصل. ولأن الجسم يحتاج غالبا إلى نحو لترين من الماء يوميا في الأيام العادية، فتأتي المشروبات الغازية كوسيلة بديلة لتعويض الجسم بالسوائل، بطريقة منعشة وممتعة لكثير من الناس، وهذا أحد أهم أسباب جاذبيتها.
وعلى الرغم مما يثار عن المشروبات الغازية من انتقادات حول خلوها من القيمة الغذائية وما قد ينتج عنها من أضرار، إلا أنها بحسب كتاب الاتجاهات الحديثة في المشروبات الغازية توفر مزيجا حيويا من البروتين والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن والمياه، وبالتالي فهي مصدر كاف لمد الجسم بحاجته اليومية من السوائل والطاقة، وتساعد كذلك على عملية امتصاص الأملاح والمياه بسرعة.
ماذا عن أضرار المشروبات الغازية؟
على الرغم من بعض الفوائد للمشروبات الغازية، إلا أنه هناك شبه اتفاق على أن هناك أضرارا تنتج عن استهلاكها بكثرة، وبالذات تلك التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر، فبحسب كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، تؤدي المشروبات، وكذلك المأكولات المحلاة بالسكر، إلى الإصابة بأمراض السمنة والقلب والسكري والنقرس، وتؤثر في سلامة العظام.
الأمراض المرتبطة بالمشروبات الغازية تشمل السمنة، كما أن هناك علاقة طردية بين تناول المشروبات الغازية وارتفاع ضغط الدم والإصابة بمرض السكر، وبما أن المشروبات الغازية تحتوي على الكثير من الفركتوز والجلوكوز والسكروز، فإن البكتيريا تخمر هذه المواد في الفم وتنتج عنها الأحماض التي تتسبب في إذابة مينا الأسنان وبالتالي الإصابة بتسوس الأسنان. لذا فإن استخدام "الماصة" مع هذه المشروبات يخفف من هذه الأضرار، كونها تمنع هذه المواد من ملامسة الأسنان، وفقا لأرشيف بوب ميد للمؤلفات الطبية والحيوية.
وأخيرا فقا لدراسة تم نشرها في مجلة الجمعية الأمريكية لأمراض الكلى، يؤدي تناول المشروبات الغازية إلى ارتفاع احتمالية الإصابة بحصوات الكلى بنسبة 23 في المائة.
سوق المشروبات الغازية
بلغ حجم سوق المشروبات الغازية 222 مليار دولار في 2020 وفقا لمركز "جراند فيو ريسيرش"، ومن المتوقع أن يصل إلى 237 مليار دولار العام الجاري، ومن ثم إلى 320 مليار دولار بحلول 2028، وذلك بمعدل نمو سنوي مركب 4.7 في المائة. وقد سيطرت أمريكا الوسطى والجنوبية على السوق بنسبة 25 في المائة في 2020، ومن المتوقع أن تبرز منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا باعتبارها المنطقة الأسرع نموا في سوق المشروبات الغازية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.4 في المائة من 2021 إلى 2028، وذلك نتيجة للدخل المرتفع والتوسع الحضري السريع وإطلاق المنتجات الجديدة، وتزايد عدد السكان.
الكولا تهيمن على سوق المشروبات الغازية
تتمتع المشروبات الغازية بنكهة الكولا بالهيمنة على سوق المشروبات الغازية، حيث استحوذت على الحصة الأكبر بأكثر من 50 في المائة في 2020. أما نكهة الحمضيات فمن المتوقع أن تنمو بمعدل 4.9 في المائة.
وفيما يخص الإيرادات وصلت سوق المشروبات الغازية العالمية إلى 995 مليار دولار العام الماضي، في حين من المتوقع أن تبلغ إيراداتها 1.4 تريليون دولار في 2027، وفقا لموقع "جلوبال نيوز واير"، علما بأن سوق المشروبات الغازية تشمل جميع أنواع المشروبات غير الكحولية القائمة على الماء والسكر المضاف مثل الكولا والعصائر بمختلف أنواعها والمياه المنكهة والشاي والقهوة الجاهزة للشرب ومشروبات الطاقة والرياضة.
وفقا لأحدث بيانات منشورة لدى "ورلد أطلس"، يتصدر الفرد الأرجنتيني الاستهلاك العالمي للمشروبات الغازية بمتوسط 155 لترا سنويا، ورغم أن الأسباب تعود نتيجة للظروف المناخية، إلا أن الولايات المتحدة تتلوها بمتوسط 154 لترا في العام، نتيجة لطبيعة نمط الحياة هناك وتناول الوجبات السريعة وحدة الحياة العملية والسلوك الترفيهي لدى الشعب الأمريكي.
وعلى المستوى الأوروبي جاءت بلجيكا في المركز السادس عالميا بمتوسط 109 لترات للفرد، أما على المستوى العربي فتأتي المملكة العربية السعودية بـ 89 لترا لتحتل بذلك المركز التاسع عالميا، ويعود السبب في ذلك إلى الظروف المناخية وطبيعة الإنفاق المرتفعة، وعلى الرغم من ذلك تأتي المملكة بالمرتبة 20 في قائمة إيرادات سوق المشروبات الغازية عالميا في 2020 بإجمالي 5.2 مليار دولار، وفقا لموقع "ستاتيستا"، تسبقها في ذلك مصر في المركز الـ 18 بإجمالي 6.7 مليار دولار.
شركات المشروبات الغازية
وفقا لموقع الدكتورة "ميلاني جالو" عضو الرابطة الأمريكية لعلم نفس الأعمال ومجلس المدربين بفوربس، تسيطر ثلاث شركات على 89 في المائة من صناعة المشروبات الغازية في الولايات المتحدة وهي بيبسيكو وكوكا كولا ودكتور بيبر سنابل، وتمتلك كوكولا من بينهم على 42 في المائة من السوق، التي كانت رائدة هذا المجال لأكثر من 100 عام من خلال 25 علامة تجارية و133 صنفا حول العالم.
وفقا لشركة بريز للاتصالات، بلغت حصة شركة كوكاكولا في خمسينيات القرن الماضي 47 في المائة مقابل 10 في المائة لبيبسي و43 في المائة للشركات الأخرى، وإلى الآن وبعد مضي هذه الأعوام الطويلة لم تنخفض حصة الشركة إلا بنحو 5.1 في المائة في حين ارتفعت بيبسي إلى 30 في المائة.
تكلفة صناعة الصودا لا تتخطى 25 في المائة من سعرها
من الصورة الخاصة إلى الصورة العامة تعد ربحية شركات المشروبات الغازية كبيرة جدا مقارنة بالكثير من السلع الاستهلاكية الأخرى، فوفقا لشركة "بريز" للاتصالات، فإن تكلفة صناعة الصودا في المنزل عبر الأجهزة المخصصة لها تبلغ فقط 25 في المائة من قيمتها بالخارج، ما يدل على مقدار الربحية في هذا المجال.
أبرز أسهم شركات المشروبات اليومية
كوكاكولا
هي أكبر علامة تجارية للمشروبات في العالم، تمتلك مجموعة واسعة من العلامات التجارية بما في ذلك خط إنتاج المشروبات "مينيت ميد"، إضافة إلى أنها تمتلك ثاني أكبر سلسلة مقاه عالمية وهي كوستا كوفي، التي تم شراؤها في 2019 بنحو خمسة مليارات دولار.
بيبسي
في 1893 تأسست شركة بيبسي وهي أقوى منافس لكوكاكولا في سوق المشروبات الغازية، وهي تمتلك عددا من العلامات المتعلقة بالمشروبات وأيضا الأطعمة الخفيفة كعلامة "فريتو لاي" لرقائق البطاطس والذرة، إلى درجة أن الأطعمة الخفيفة لديها تفوقت على المشروبات الغازية في الأعوام الأخيرة ما أعطى الشركة ميزة تنافسية جديدة عن مثيلتها في السوق.
مونستر إنريجي
وفقا لموقع "فوول" كانت شركة مونستر واحدة من أفضل الشركات أداء في السوق منذ الاكتتاب العام في 1992 حيث نمت من ذلك الحين بنحو 200 ألف في المائة، حيث استحوذت شركة المشروبات الصغيرة هانسن على علامة مونستر التجارية التي اتبعت خطى ريد بيل، لتصبح مشروب الطاقة رقم 2 في الولايات المتحدة من حيث الشعبية، ولا تزال تتمتع بهامش ربح مرتفع إلى يومنا هذا.
سيلسيوس القابضة
هي أحدث صانع لمشروب الطاقة، قفز سهمها بشكل كبير بدءا من 2020 حيث كان يتداول بأقل من واحد دولار لعدة أعوام، ثم أخذ بالارتفاع إلى أن تجاوز 100 دولار قبل عدة أسابيع. ويعود سبب الارتفاع المهول في سعر السهم إلى قدرة الشركة على استقطاب العملاء ممن يهتمون بمشروبات اللياقة والرشاقة، حيث تقدم تشكيلات متنوعة من المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بنكهات جديدة. وهناك تنام كبير في المبيعات والأرباح في العامين الماضيين، وعلى الرغم من ذلك هناك مشككون في قدرة الشركة على الاستمرار في التمتع بولاء عملائها.
رد بول
شركة نمساوية معروفة بمشروبات الطاقة تأسست في 1984، ومعروفة أيضا برعايتها لعدد من الأحداث الرياضية والأندية الرياضية، وقد استطاعت الشركة بيع ثمانية مليارات علبة لها خلال العام الماضي في جميع أنحاء العالم، وذلك بزيادة 400 مليون عن 2019.
دكتور بيبر
تعمل شركة Dr Pepper في صناعة القهوة الجاهزة والمشروبات المعبأة سواء المياه المعدنية أو المنكهة ومنتجات العصائر، وذلك تحت العديد من العلامات التجارية مثل "صن كيست صودا"، "كراش"، "أر سي كولا"، وغيرها.
ناشيونال بيفيريج
هذه الشركة معروفة بالمياه الغازية والعصائر ومشروبات الطاقة وتعمل في الولايات المتحدة وكندا، وتركز في منتجاتها على المستهلكين المهتمين باللياقة والرشاقة، وقد تأسست في 1985 في ولاية فلوريدا.
خاتمة
تم إلقاء الضوء على سوق المشروبات اليومية بجميع أشكالها، من مشروبات منعشة ومشروبات غازية وعصائر ومشروبات الطاقة والصحة، وتعرفنا إلى تاريخ المشروبات الغازية والدول الأكثر إنفاقا على تلك المشروبات، واستعرضنا بعض الشركات المهمة في هذا المجال.