الاستثمار في النفط ضرورة لا خيار
الحقيقة التي يجب الوقوف عندها وإدراكها نظرا لأهميتها للعالم بأسره دون مبالغة وبكل حياد، أن العالم ما زال وسيبقى متعطشا لجميع مصادر الطاقة دون استثناء. المرحلة التي يمر بها العالم هي مرحلة استثنائية بما تعنيه الكلمة، فبين جائحة كورونا وقضية تغير المناخ تباين التعاطي مع هاتين القضيتين، فهناك من تعامل معهما بحكمة وبصيرة واستثنائية تضاهي استثنائية المرحلة، وهناك من تعامل معها بتطرف بعيد كل البعد عن الواقعية.
العالم ينمو في جميع المجالات نموا مطردا، وهذا النمو يرافقه بطبيعة الحال نمو في الطلب على الطاقة، وعليه عين الحكمة أن يعمل الجميع على رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، وليس السعي الحثيث لإقصاء بعض مصادر الطاقة أو محاولة تهميشها، النمو العالمي متسارع يعني بالضرورة وجود إمدادات موثوقة ومستقرة للطاقة تغذي شرايين العالم لتواكب هذا النمو، وهذا هو التعريف الحقيقي لمصطلح أمن الطاقة العالمي. المشكلة ليست في التباين في استشراف مستقبل مصادر الطاقة العالمية وعلى رأسها الوقود الأحفوري من بيوت الخبرة ومراكز الدراسات والأبحاث المختصة في هذا القطاع، بل التطرف في التعاطي مع القضايا المتعلقة بمستقبل الطاقة وتسييسها. بإلقاء النظر على توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي تتوقع أن حصة مصادر الطاقة في 2050 ستكون على النحو التالي: النفط 28.1 في المائة، تليه الطاقة المتجددة بنسبة 26.4 في المائة، ويأتي الغاز ثالثا بنسبة تقارب 21.9 في المائة، وفي المرتبة الرابعة يأتي الفحم بنسبة تقارب 19.7 في المائة، وأخيرا الطاقة النووية بنحو 3.9 في المائة من إجمالي مصادر الطاقة العالمية.
بالاطلاع على ما سبق هل يستقيم عقلا ومنطقا أن تنادي وكالة الطاقة الدولية بالتوقف عن أي مشروع جديد للتنقيب عن النفط أو الغاز غير المشاريع المتفق عليها سابقا، والوصول إلى الحياد الكربوني في هذا العام، بينما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بناء على الأرقام السابقة أن يشكل الوقود الأحفوري نحو 70 في المائة من مصادر الطاقة العالمية في العام ذاته؟ "جولدمان ساكس" تتوقع أن متوسط الطلب على النفط سيرتفع إلى مستوى قياسي في العامين المقبلين 2022 و2023، وتتوقع نموا مطردا في الطلب العالمي على النفط حتى نهاية العقد الحالي، ليصل إلى نحو 106 ملايين برميل يوميا، إذ ترى أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة سيكون تدريجيا.
وحول السيارات الكهربائية ترى "جولدمان ساكس" أنها ستسهم في خفض الطلب على البنزين بصورة محدودة، وأن الطريق لا يزال طويلا جدا أمام الشاحنات والطائرات، حيث يباع نحو ستة ملايين سيارة كهربائية سنويا، وهذا لا يقلل الطلب سوى بأقل من 100 ألف برميل يوميا في سوق حجمها 100 مليون برميل في اليوم، في اعتقادي أن استغلال قضية تغير المناخ ومحاولة تقويض صناعة المنبع والاستثمار في الاستكشاف والتنقيب عن النفط هو تهديد لمستقبل الطاقة العالمي.
إن ضعف الاستثمار في هذا القطاع سيصنع فجوة بين العرض والطلب على الطاقة سيتأثر بها العالم أجمع. كما ذكرت سابقا ستصل الأسعار إلى مستويات لن يتحملها المستهلكون، ولن تعجب دعاة هذا التوجه غير المنطقي.