بعض النقاط حول الميزانية
يجري الخلط كثيرا - ودون قصد - بين عبارتي الموازنة والميزانية، وهو خطأ شائع قد يثير شيئا من الحيرة بين عامة الناس، ويظن كثيرون أنهما تعبران عن الشيء نفسه. يطلق لفظ الموازنة على الخطة المالية التقديرية التي يعدها مختصون للمتغيرات المالية وسير عمل الدولة أو المنشأة لفترة زمنية محددة قبل البدء بتنفيذها، بينما تعبر الميزانية عن الموقف المالي المحاسبي للدولة أو المنشأة بعد انتهاء العمليات المالية عند تاريخ معين لفترة زمنية محددة تكون بالعادة عاما واحدا. ويسمي بيان الميزانية الخطة المالية للدولة للعام المقبل عادة بالميزانية ولو سميت بالموازنة لكان أفضل وأدق، واستخدام لفظ موازنة يوضح أنها تقديرات وتوقعات مبنية على منهاج مالي علمي وليست نتائج تاريخية محسومة تحققت بالفعل.
من الأخطاء الشائعة في بعض التصريحات ووسائل الإعلام التعبير عن المتغيرات المالية؛ كالإنفاق والإيرادات الواردة في الموازنة بصيغة الماضي أو المتحقق. فكثيرا ما يقال بلغت إيرادات الميزانية لـ 2022 كذا وكذا ما يوحي أنها مبالغ محصلة فعلا، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إنها توقعات مستقبلية مبنية على منهاج علمي قد يتحقق أو قد يكون مختلفا عن النتائج المستقبلية.
تحسنت إلى حد كبير تقديرات الإيرادات في موازنات الأعوام القليلة الماضية، فيما تبنى تقديرات الميزانية شبه الفعلية للعام الجاري على نتائج مؤكدة لمعظم العام، إضافة إلى تقديرات لما تبقى من العام، وهو في العادة شهر واحد. وقدرت موازنة 2021 إيرادات الدولة في 2021 بمبلغ 849 مليار ريال، بينما ستكون إيرادات العام الفعلية شبه المؤكدة 930 مليار ريال، وهو ما سيمثل ارتفاعا بنسبة 9.5 في المائة عن المتوقع. وهذا الفرق مقبول إلى حد كبير في ظل حالة عدم اليقين التي تسببت فيها جائحة كورنا. وهو تحسن كبير مقارنة بتقديرات إيرادات الموازنات القديمة، التي اتسمت بتحفظ شديد وغير مقبول في أحجامها المتوقعة. وكان مقدار الانخفاض في تقدير الإيرادات شديدا في بعض الأعوام؛ بل تجاوز 144 في المائة في 2008، وهو العام الذي شهدت فيه الأسواق العالمية تسجيل أرقام قياسية لأسعار النفط.
تحسنت أيضا تقديرات الإنفاق في الأعوام القليلة الماضية مقارنة بما قبلها، ويرجع هذا إلى رفع مستويات الانضباط المالي للدولة والسيطرة الأفضل على الإنفاق. وارتفع إنفاق العام الحالي الفعلي بنسبة 2.5 في المائة مقارنة بالمخطط؛ ما يؤكد ازدياد الانضباط المالي رغم الظروف الاستثنائية. مالت السياسة المالية في السابق نحو زيادة الإنفاق عند ارتفاع الإيرادات عن المتوقع ما حد من دقة تقدير النفقات. وأظهرت تقديرات الموازنات القديمة تحيزا واضحا نحو خفض الإنفاق التقديري عن الفعلي. وتراوحت نسب خفض تقديرات الإنفاق عما أنفق فعليا ما بين 15.6 حتى 26.8 في المائة في العقد الأول من القرن الحالي. وعموما من الأرشد مقاومة ضغوط رفع الإنفاق وعدم الانجراف وراء ميول المبالغة في الإنفاق للحد من الآثار التضخمية التي ستقود إلى رفع دائم لمستوى الإنفاق العام وتخفض منافع تحسن الإيرادات؛ بل تقود إلى إحداث عجز مالي مستقبلي كبير.
صحيح أن من الصعب توقع رقم دقيق حول الإيرادات، خصوصا النفطية، لكن تتوافر صورة أكثر وضوحا ودقة لدى معدي الموازنات عن الإنفاق المتوقع للدولة خلال العام المقبل. وهنا يجب التنويه بأن انخفاض تقديرات الإنفاق في الأعوام المقبلة عن مستوياته الفعلية في الأعوام السابقة أمر نادر الحدوث في دول العالم، فمن الصعب تراجع النفقات الفعلية للعام اللاحق عن العام الماضي إلا في حالة وضع خطط واضحة لخفض الإنفاق أو إعادة هيكلته أو حدوث تراجع كبير في الإيرادات.
تؤثر تقديرات الإنفاق والإيرادات بقوة في تقديرات الميزان المالي للدولة. ويؤثر الميزان المالي السلبي في ملاءة وموقف الدولة المالي، لهذا يكتسب ضبط النفقات والإيرادات ودقة تقديراتها أهمية بالغة. ويتسبب أي تغير في النفقات والإيرادات في تضخم أحجام الفوائض والعجز المالي. وتحسنت أخيرا توقعات الميزان المالي في الموازنات الأخيرة مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أعوام.
ارتفعت أسعار النفط العربي الخفيف في 2021 بنحو 68 في المائة بينما ارتفعت الإيرادات النفطية بنحو 35 في المائة. ويعود الاختلاف على ما يبدو إلى تراجع إنتاج المملكة والتزاماتها تجاه اتفاقيات الدول المصدرة للنفط، كما قد يعود أيضا إلى تعافي الاقتصاد المحلي وعودة استهلاك المنتجات النفطية إلى مستوياته المعتادة؛ ما يكون قد تسبب في خفض حجم الصادرات النفطية بنسب تفوق تراجع الإنتاج. كما قد يعود جزئيا إلى إمكانية زيادة الاقتطاع المالي لشركة الزيت خلال الوفورات المالية، وذلك لتنفيذ مشاريعها.
توقع بيان الميزانية أن تتراجع عائدات الضرائب بشكل طفيف العام المقبل بنسبة 4.1 في المائة، وذلك على الرغم من التحسن المتوقع في الاقتصاد المحلي، الذي ينبغي أن يرفع الإيرادات الضريبية. وأوضح البيان أن السبب يعود إلى تعديل تاريخ استحقاق ضريبة القيمة المضافة، وإلى إلغاء الغرامات والعقوبات المالية على ضريبة الدخل خلال 2021 التي شجعت على دفع متأخرات ضريبية خلال العام الجاري. وهذا الإيضاح يحدد الأسباب وراء توقعات تراجع الضرائب.