قراءات

قراءات
قراءات
قراءات

رحلة إلى شمال إفريقيا

"يجب تذوق الصحراء، لفهم ما معنى ثقافة..."، هكذا يفتتح أندريه جيد رحلته الشيقة التي قام بها 1899، ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز العقد الثالث.
تلك هي الرؤية الكلية لرحلاته إلى شمال إفريقيا إلى تونس والجزائر على الخصوص. وهو يقول هذه الجملة بتلذذ ظاهر، وبذلك يمنح الصحراء الإفريقية، والفرد هناك معنى آخر يختلف كليا عن تلك النظرة المعممة التي تخيب شعورنا وأفق انتظارنا، ربما لأن أندريه جيد من الكتاب الذين تخلصوا مبكرا من تلك النظرة الشاذة للشرق، ومن تلك الشناعات التي يسوقها الرحالة الأوروبيون في نصوصهم الرحلية، ومن الصنف الذي نقله فلوبير مثلا في رحلته إلى مصر 1849، أو كارل ماركس في رحلته إلى الجزائر 1881. ارتبط جيد بكل الأماكن التي زارها في رحلته ارتباطا ثقافيا شديدا، كانت لا تفوته لحظة دون تأمل النباتات والرمال والناس والمقاهي والأعراس.

العادلون

استوحى ألبير كامي "1913 - 1960" مسرحية "العادلون"، التي كتبها 1949، من أحداث تاريخية واقعية حدثت 1905، وهي مكونة من خمسة مشاهد، وموضوعاتها الأساسية، هي موضوعات مسرحية "الأيادي القذرة" نفسها لجان بول سارتر، استعمال العنف في المعارك الثورية. تقدم المسرحية حدثا واقعيا يتجلى في محاولة اغتيال قامت بها مجموعة إرهابية كان ضحيتها الدوق الروسي الأكبر "سيرج"، عم القيصر. وقد كتب كامي "العادلون" من أجل الرجال والنساء الذين عاشوا لحظات ألم قصوى أثناء هذه المحاولة، ما جعلها تدخل عن جدارة في تيار العبث، وإلى حد ما تكتسي طابع الوجودية الأدبية. أول عنوان أطلقه كامي على المسرحية كان هو "الحبل"، انطلاقا من جواب "دورا"، "يانيك! ليلة باردة، والحبل نفسه! كل شيء أصبح سهلا الآن". بعد ذلك تم تغيير العنوان، فالحبل فأل سيئ في المسرح، إلى "الأبرياء"، قبل أن يصبح نهائيا "العادلون".

يعترفن أحسن

إن توفير هذه النصوص تطلب منا أيضا العمل داخلها، وإننا نأسف شديد الأسف على غير توافر الثقافة العربية على نصوص ذاتية نسائية قديمة تعود بذاكرتنا وذوقنا الأدبي إلى القرون البعيدة، وبذلك ستكون مناسبة أدبية لتذوق ميراث الماضي والحاضر. لكن هذه "الذخيرة الحديثة" تقوم بتعويض هذه الخسارة الفادحة بتقديم هذا التفوق الكاسح للملفوظ الذاتي النسائي في الثقافة العربية الحديثة، كما أنها بديل للهيمنة النسبية للاهتمام المبالغ فيه بالملفوظ الذاتي الذكوري، وسعي إلى إيجاد موقع داخل الأدبية العامة. ولا يتطلب ذلك منا استهلاك مزيد من الوقت والكلمات للتأكيد على أن الأدبية هي مسألة وعي الأدباء والنقاد والقراء بالمصطلح. وسيكون لذلك الوعي نتيجتان حاسمتان تعملان بقوة داخل عقول القراء، إما تأسيس لهذا النص الذاتي النسائي الناشئ، لكن الناضج، وإما تخريب منجزه. "نصا ذاتيا نسائيا ناضجا" لأن جل كاتباته روائيات وأديبات بارعات، اكتسبن خبرة شعرية وسردية مع نصوص سابقة عن النص الذاتي في حقول الشعر والرواية والفكر.

الأكثر قراءة