تحسن مؤشرات الميزانية
يتضمن بيان وزارة المالية عن ميزانية العام المالي 2022 أهم التطورات المالية شبه الفعلية للعام المالي 2021، وخطط وتوقعات الوزارة للعام المالي 2022. وما زالت النتائح النهائية للعام المالي 2021 غير مكتملة، حيث سيستمر الصرف من بنود الميزانية لبعض الوقت، كما أن العام المالي لا ينتهي إلا بنهاية ديسمبر. ولهذا، فإن تقديرات الصرف والإيراد الفعلي للعام المالي 2021 الواردة في البيان شبه مؤكدة، لكنها غير نهائية. ويقدر بيان ميزانية 2022 وصول إجمالي الإنفاق الحكومي الفعلي خلال 2021 إلى 1015 مليار ريال، وهو أعلى من توقعات بيان ميزانية 2021 البالغة 990 مليار ريال بنحو 2.6 في المائة. وزيادة الإنفاق الفعلي خلال العام المالي 2021 عن المقدر في ميزانيته مرتبط بالحرص على التصدي للجائحة وزيادة الدعم الخارجي للدول المتأثرة بها، وهي زيادة منخفضة في ظل زيادة الإيرادات وأهمية التصدي للجائحة. أما إيرادات الدولة خلال 2021 فستصل إلى نحو 930 مليار ريال، وهي أعلى من تقديرات ميزانية 2021 "البالغة 849 مليارا" بنحو 9.5 في المائة.
شهد 2021 تعافيا محليا وعالميا من أزمة جائحة كورونا التي هزت الاقتصاد العالمي في جميع قطاعاته، وتسببت فيما يسمى الإغلاق العظيم وأسوأ انكماش اقتصادي عالمي منذ الكساد العظيم. وانعكس الانتعاش الاقتصادي العالمي في 2021 على الطلب الكلي على السلع والخدمات في أصقاع المعمورة. وقاد التعافي القوي للاقتصاد العالمي إلى رفع الطلب النفطي بقوة. وتزامن تعافي الطلب النفطي العالمي مع جهود منظمة الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها المملكة، للحد من تخمة الأسواق النفطية التي كانت سائدة العام الماضي. وتراجعت مخزونات النفط العالمية خلال العام الحالي، الأمر الذي حول مسيرة أسعار النفط إلى الصعود التدريجي حتى تجاوزت 80 دولارا أخيرا. وقاد تعافي أسعار النفط إلى تحسن كبير في إيرادات المملكة النفطية خلال 2021، وذلك بعد التراجع الحاد الذي عانته العام السابق. ولحسن الحظ لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد انتعشت أيضا الأنشطة الاقتصادية غير النفطية على مستوى العالم والمملكة، ما حسن الإيرادات غير النفطية.
تشير البيانات الربعية للميزانية إلى تحسن متوال للإيرادات النفطية خلال العام وزيادة جيدة للإيرادات غير النفطية. وقد نجحت المملكة في التصدي للجائحة بتوفيق الله - سبحانه وتعالى - ما سرع انتعاش الاقتصاد المحلي غير النفطي وخفض تكاليف الجائحة طويلة الأجل. ومن المتوقع أن ترتفع الإيرادات النفطية في 2021 إلى 558 مليار ريال بنسبة 35.1 في المائة، أما الإيرادات غير النفطية فستبلغ نحو 372 مليار ريال.
يتأثر عادة الإنفاق الفعلي للميزانية بتطورات الإيرادات النفطية التي تحددها بدرجة كبيرة تقلبات أسعار النفط الخام. وشهدت أول عشرة أشهر من 2021 تحسنا جيدا في أسعار النفط مقارنة بالفترة نفسها العام السابق، حيث كان متوسط سعر برميل خام النفط العربي الخفيف 69.08 دولار للبرميل خلال الفترة، ويزيد هذا على متوسط سعره البالغ 41.06 دولار للبرميل في الفترة نفسها من 2020 بنحو 68.2 في المائة. يشكل النفط العربي الخفيف معظم صادرات المملكة من النفط الخام وتعكس أسعاره إلى حد كبير أسعار صادرات المملكة النفطية. أما بالنسبة إلى حجم الإنتاج، فشهد النصف الأول من العام تراجعا في إنتاج المملكة النفطي للوفاء بالتزاماتها تجاه منظمة الدول المصدرة للبترول، وفي النصف الثاني من العام الحالي شهد إنتاج المملكة زيادة ملحوظة، ما قد يرفع متوسط إنتاج العام الحالي إلى مستويات تقل بعض الشيء عن متوسط إنتاج العام الماضي. وقادت تطورات الأسعار النفطية العام الحالي إلى تحسن قوي في الإيرادات النفطية الحكومية يتجاوز الثلث.
تحسنت النتائج المالية للميزانية خلال 2021 مقارنة بنظيراتها خلال 2020، الذي شهد تحديات قوية نتيجة تراجع الإيرادات النفطية وغير النفطية، وتباطؤ النشاط الاقتصادي، والتكاليف الطارئة الإضافية لمواجهة الجائحة. وقد أسهمت سياسة تنويع الإيرادات طويلة الأمد والهادفة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية في خفض الاعتماد على الإيرادات النفطية. وعلى الرغم من تحسن الإيرادات النفطية الكبير خلال العام الحالي، إلا أن مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات العامة بلغ نحو 40 في المائة. وقادت حزمة الإصلاحات المالية والهيكلية التي تتضمن زيادة عوائد الاستثمارات العامة، وخصخصة الاقتصاد، ومراجعة الدعم الحكومي بما في ذلك الدعم المقدم لمنتجات الطاقة، وغيرها من الأدوات، إلى زيادة مساهمة الإيرادات غير النفطية.
تقدر إيرادات الدولة العامة للعام المالي 2022 بنحو 1045 مليار ريال، حيث سترتفع الإيرادات غير الضريبية وأهمها النفط بنحو 20 في المائة العام المقبل، بينما ستتراجع الإيرادات الضريبية 4.1 في المائة وستصل إلى نحو 283 مليار ريال.
يقدر بيان الميزانية مصروفات العام المالي المقبل 2022 بحدود 955 مليار ريال، وهذا يشير إلى توجه بخفض الصرف الكلي – خصوصا الرأسمالي – لترشيد الإنفاق وتحقيق الاستدامة المالية، والحد من تأثير مخاطر تقلبات الإيرادات النفطية. وأعتقد أن إجمالي إنفاق الميزانية الفعلي العام المقبل سيتجاوز الإنفاق المخطط في الميزانية إذا تحققت زيادات أكبر من المتوقع للإيرادات، وذلك من أجل تحفيز الاقتصاد ودعم نموه. ويعد الإنفاق الحكومي في المملكة القاطرة التي تجر عربات الاقتصاد الوطني، وأي خفض كبير في مستوياته سيؤثر في النمو الاقتصادي. وهذا لا يقلل من أهمية الاستمرار في إصلاح سياسات الإنفاق وزيادة كفاءة الإنفاق وتوجيهه لأكثر القطاعات أهمية لرفاهية شعب هذه البلاد الكريمة، خصوصا الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية.
يقدر بيان ميزانية 2022 أن تحقق المملكة فائضا ماليا العام المقبل بحدود 85 مليار ريال، وهو ما يقارب 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع. وإذا تحقق هذا فسيكون أول فائض منذ ثماني سنوات. وجاء هذا التوقع بسبب سياسات ضبط الإنفاق والتعافي المستشرف للاقتصاد العالمي والطلب على النفط واستقرار أسعاره المتوقع. وتستهدف السياسة المالية المحافظة على الاستقرار المالي وتقوية مركز الدولة المالي ورفع ثقة الأسواق بالاقتصاد المحلي. وهذا سيعزز جاذبية الاستثمار ويدعم النمو المستدام. ومن المتوقع أن تتحسن الظروف الاقتصادية العالمية وتنحسر أزمتا سلاسل التوريد والشحن وتعود الاقتصادات العالمية إلى مستوياتها قبل الجائحة. كما أنه من المتوقع تحسن الطلب العالمي على السلع والخدمات ما سيمكن من رفع إنتاج المملكة النفطي ويحسن الإيرادات النفطية. ومن المتوقع أيضا استمرار الإصلاحات الهيكلية المحلية المعززة للنشاط الاقتصادي ما سيسهم في تعزيز الإيرادات غير النفطية. وستصب هذه التطورات في الجانب الإيجابي للسياسات المالية. وتشير الخطط المالية متوسطة المدى إلى توجه لخفض العجز المالي إلى مستويات مستدامة خلال الأعوام المقبلة.