الميزانية العامة .. استدامة وكفاءة

بمقدمة بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز "إننا عازمون ـ بعون الله ـ على الاستمرار في تنفيذ المبادرات والإصلاحات الاقتصادية، لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، والتحسين المستمر في جودة الحياة، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، ورفع مستوى شفافية وكفاءة وجودة الإنفاق الحكومي، لتعزيز معدلات النمو والتنمية، وتطوير المرافق والخدمات الأساسية للمواطنين والمقيمين، وتطوير البيئة التعليمية، ودعم خطط الإسكان"، تم الإعلان عن ميزانية 1443 - 1444هـ، بفائض مقدر بـ90 مليار ريال، وبإنفاق يقدر بـ955 مليار ريال، وبإيرادات تقدر بـ1045 مليار ريال. هذه الميزانية تأتي في ظروف استثنائية لتؤكد قدرة وكفاءة الإجراءات الحكومية لتجاوز الأزمة الحالية - بحمد الله - وقدرتها على النمو وكفاءتها في مواجهة الأزمة، وتدل بشكل واضح على أن الرؤية والخطوات التي اتخذت كان لها دور كبير في تعزيز مركز المملكة المالي وكفاءتها اقتصاديا، وأن البيئة الاستثمارية أصبحت أكثر جاذبية من ذي قبل، حيث إن النتائج الإيجابية التي انعكست على الميزانية تدل على أن هناك فرصا كبيرة في هذه البلاد، إضافة إلى أن الخطط التي تم العمل عليها تعمل بكفاءة بما يؤدي إلى اقتصاد مزدهر - بإذن الله -، وأن المملكة واحدة من أفضل الوجهات الاستثمارية في هذه المرحلة لما تتمتع به من مركز استراتيجي عالمي؛ كملتقى للقارات، وأنها تقود بجهود كبيرة نهضة شاملة في المنطقة لتحقيق نتائج إيجابية يستفيد منها الجميع بما يعزز من حالة الاستقرار والرخاء في المنطقة.
الميزانية تتوقع هذا العام نموا يعد نسبيا جيدا بمقدار 2.8 في المائة في 2022، في حين يتوقع أن يكون نموا أعلى في العام الذي يليه بمقدار أكبر من 4 في المائة في 2023، وهذا يعد جيدا عطفا على التحديات العالمية والمحلية، خصوصا مع استمرار تبعات الأزمة الصحية العالمية بسبب الوباء، وعدم وجود الاستقرار تجاه هذه الأزمة مع تجدد وجود المتحورات لكوفيد - 19 في العالم، إضافة إلى الاضطراب في الأسواق العالمية بسبب التضخم الكبير الذي تعانيه الاقتصادات الكبرى في العالم. وبالتالي هذا يجعل التحدي كبيرا لاستقرار أسعار الطاقة، وهذا بدوره يمثل تحديا للاقتصاد في المملكة، حيث تمثل حصة الإيرادات النفطية نسبة رئيسة، علما بأن الإيرادات غير النفطية اليوم أصبحت كبيرة مقارنة بذي قبل، إذ كانت تقريبا 10 في المائة في 2014 وما قبلها، واليوم تصل إلى ما يقارب 40 في المائة، وهذا يمثل نموا كبيرا في هذا القطاع الذي يعول عليه في استقرار الإيرادات الحكومية، وما زالت الإيرادات غير النفطية تنمو بشكل جيد خلال الأعوام الماضية، وهو ما تخطط له رؤية المملكة 2030 بألا تعتمد الميزانية بشكل رئيس على النفط؛ بل على الموارد غير النفطية.
تميز عرض الميزانية بتأكيد مجموعة من المبادرات في القطاعات المختلفة التي تحدد الاتجاه العام للمؤسسات الحكومية فيما يتعلق بالإنفاق والاهتمام والتركيز، ولعل من المبادرات فيما يتعلق بالتعليم بزيادة نسبة القبول في الجامعات بمعدل 10 في المائة، تأكيدا على السعي لبناء القدرات والاهتمام بتوفير الفرص التعليمية للكفاءات الوطنية بما يعزز من قدرات القوى العاملة الوطنية للعمل والابتكار، كما يزيد من حصة المؤسسات التعليمية من الكفاءات والمشاريع التي تستفيد من الطلاب في التعليم الجامعي. ومن المبادرات في قطاع التعليم المبادرة الخاصة بدعم الباحثين في الجامعات لتطوير الابتكارات التقنية من خلال نقل البحوث من مرحلة تطوير النماذج الأولية وتحويلها إلى منتجات صناعية. وفيما يتعلق بالبحوث حاليا، فإن واحدا من التحديات التي تواجه المؤسسات التعليمية هو مواءمة وتحويل المخرجات البحثية إلى مادة يمكن الاستفادة منها تطبيقيا من خلال تحويلها إلى منتج يمكن الاستفادة منه. من هنا، تأتي أهمية العمل على تطوير المراكز البحثية وتكامل بنيتها التحتية لتجمع الباحثين والمتخصصين في مكان تتكامل به الاحتياجات للوصول إلى منتجات جاهزة للاستفادة منها في التصنيع، بحيث تستفيد منها القطاعات الصناعية والشركات المتخصصة، لتتشارك مع المؤسسات التعليمية في العمل على تطوير المنتجات ليكون لهذه المشاركة أثر ملموس في جودة وكفاءة وتنافسية المخرجات سواء كانت منتجات أو خدمات.
الجامعات في المملكة لديها رصيد كبير من البحوث النظرية الجيدة التي يمكن أن تتحول إلى منتج يمكن الاستفادة منه؛ كالعمل على فرز هذه البحوث والاستفادة منها، إضافة إلى تشجيع الباحثين للعمل على بحوث يمكن أن تفيد الإنسانية وتتحول إلى قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وعنصر جذب للشركات العالمية التي تبحث عن الابتكار، خصوصا أن المملكة لديها رصيد مميز فيما يتعلق بالأبحاث الخاصة بالطاقة إلا أن الفجوة موجودة بين الجامعات والمؤسسات البحثية بصورة عامة وقطاعات التصنيع والخدمات في المملكة التي لا تستفيد كثيرا من الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات التعليمية، كما أن البحث الذي لا يقدم قيمة مضافة للإنسانية، فإن فرصة نشره في المجلات العلمية المهمة في العالم ضعيفة.
من التخصصات التي تحتاج إلى العمل على تطوير مخرجاتها البحثية التخصصات النظرية في الإدارة والاقتصاد والمالية والشريعة والقانون، إذ تحتاج مخرجاتها إلى حاضنة تستفيد منها وتتشارك معها في المراحل المختلفة للتطوير لتكون المخرجات البحثية فعلا تلبي حاجة المجتمع ويمكن الاستفادة منها كقيمة مضافة للاقتصاد المحلي، وتدعم مركز المملكة؛ باعتبارها بلد الحرمين الشريفين، وعضوا مهما في قمة العشرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي