ميزانية مبشرة بخير قادم
روح تفاؤلية تسود بيان الميزانية الصادر ليلة البارحة من وزارة المالية، وهذا التفاؤل يستند إلى التحسن الملحوظ في مؤشرات الأداء لعام 2021 وتلك المتوقعة لعام 2022.
إلى جانب أن المصروفات المتوقعة لعام 2022 تبلغ 955 مليار ريال والإيرادات نحو 1.045 تريليون ريال، وبالتالي تحقيق فائض يصل إلى 90 مليار ريال. كانت هناك كذلك في البيان نقاط إيجابية مهمة، منها توقعات وصول نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2021 إلى 2.9 في المائة مقارنة بمستوياته في العام السابق، ووصول نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 4.8 في المائة مقارنة بالعام الماضي. بل إن النمو الاقتصادي لعام 2022 متوقع له أن يصل إلى 7.4 في المائة، وهذا رقم كبير ومشجع ويدل على نظرة مستقبلية واعدة، ويأتي أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي. وأسباب هذه النظرة الإيجابية تعود إلى أن هناك نموا اقتصاديا كبيرا متوقعا نتيجة التعافي المستمر من آثار جائحة كورونا، وهناك تفاؤل فيما يخص أسعار النفط نتيجة اتفاقية "أوبك +"، إضافة إلى توقعات باستمرار ارتفاع الناتج المحلي غير النفطي، الذي بدأ يسجل ارتفاعات غير مسبوقة منذ عدة فصول.
ملامح التحسن الاقتصادي شهدناها في تحسن الميزان التجاري للمملكة، حيث وصلت صادرات المملكة خلال الربع الثالث إلى 276 مليار ريال، وهذا يشمل الصادرات البترولية وغير البترولية وإعادة التصدير، غير أن الصادرات البترولية هي الأكبر بنسبة 75 في المائة، ثم جاءت الواردات بقيمة 145 مليار ريال، وبالتالي أصبح الميزان التجاري 131 مليار ريال. الملاحظ في هذه الأرقام أن نسبة نمو الواردات من عام إلى آخر متواضعة، وهذا أمر جيد كون معظم واردات المملكة استهلاكية، وبالتالي يرفع تقليص الواردات من الميزان التجاري، ويسهم في دعم المنتجات المحلية.
بيان الميزانية العامة للدولة احتوى كذلك على نقطة مهمة فيما يخص حجم الدين العام، الذي من المتوقع له أن يكون 938 مليار ريال بنهاية 2021، وأنه من غير المتوقع أن يرتفع حجم الدين لأكثر من ذلك، والسبب يعود إلى توقعات تحقيق فوائض في الميزانيات القادمة، وأن يكون الاقتراض القادم لسداد أصل الدين فقط. هذا يعني أن نسبة الدين إلى حجم الاقتصاد، أو الناتج المحلي الإجمالي، حاليا، أقل من 30 في المائة، ومن المتوقع أن تنخفض إلى نحو 25 في المائة في 2024 بسبب النمو الاقتصادي. وكما هو معروف، فإن نسبة الدين العام عند هذه المستويات أفضل حالا من دول متقدمة كثيرة تصل فيها النسبة إلى ما فوق 70 في المائة وتتجاوز 100 في المائة في بعض الدول.
التوقعات المبشرة أن تحقق الميزانية فائضا بنحو 90 مليار ريال، وهو الفائض الذي يأتي بعد أعوام من عجز متتال في الميزانية ويعيد إلى الأذهان أعلى فائض في تاريخ المملكة البالغ 581 مليار ريال في عام 2008. في ذلك الوقت كانت أسعار النفط هي المحرك الرئيس لميزانية الدولة، لكن الآن الدولة لديها مصادر أخرى للدخل تماشيا مع سياسة تنويع مصادر دخل الدولة، فقد نرى فوائض في الميزانية في الأعوام المقبلة دون حدوث ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط.
هناك تحسن ملحوظ في مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي في النصف الأول من 2021 بمقدار 59 مليار ريال، وذلك أعلى من العام الماضي للفترة نفسها بنحو 50 مليار ريال، ويعد كذلك أعلى تدفق على الإطلاق لرؤوس الأموال الأجنبية إلى المملكة خلال فترة ستة أشهر.
ما أهمية الاستثمار الأجنبي لميزانية الدولة؟
معروف أن الاستثمارات الأجنبية هي استثمارات خاصة من قبل شركات أجنبية تستفيد من المناخ الاستثماري المشجع في المملكة، وما هناك من قوة شرائية محلية، لكن في الوقت نفسه هناك فوائد كبيرة لميزانية الدولة تأتي نتيجة الضرائب التي تدفعها الشركات الأجنبية. هذا من جانب، والجانب الآخر أن قيام اقتصاد محلي مبني على استثمارات أجنبية سيرفع من مستويات التوظيف للمواطنين، ما يخفف الأعباء المالية على الحكومة، وبالتالي السيطرة على بند الرواتب الذي يبلغ حاليا نحو 500 مليار ريال سنويا.
المملكة لديها سياسة اقتصادية مشجعة وتعلق عليها الآمال، وهي ترتكز على استراتيجية ضمان استدامة المالية العامة للدولة، بحيث يكون هناك دائما مصادر جيدة للدخل بعيدا عن تقلبات أسعار النفط، إضافة إلى رفع كفاءة الإنفاق، فتأتي النتيجة إيجابية مزدوجة، برفع الإيرادات وتقليص النفقات غير الضرورية. كذلك سياسة الدولة ترى أن للقطاع الخاص دورا مهما في تنمية الاقتصاد ومساندة الحكومة في تسيير الاقتصاد وتقليص البطالة، وبذلك هناك جهود حكومية تصب في هذا الجانب. وأخيرا، هناك التوجه نحو إحداث تحولات هيكلية وبنى تحتية بقيادة الحكومة من شأنها أن ترفع من كفاءة القطاع الخاص وتحقق تطورات ونجاحات بالاستناد إليها. هذه التحولات الهيكلية نرى نتائجها في البنى التحتية الرقمية التي بدأت تؤتي ثمارها المباشرة في تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين، وكذلك في كونها تعمل كداعم تقني لمشاريع أخرى وابتكارات وتطورات عديدة في جانب السياحة والصناعة والتجارة عموما.