مستقبل الطاقة والخيار الاستراتيجي
العلاقة بين مصادر الطاقة علاقة تكاملية، وليس من المنطق أو الحكمة محاولة تهميش أو تحييد أي مصدر من هذه المصادر تحت أي ذريعة، بل إن عين الحكمة العمل بفاعلية لرفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة.
مزيج الطاقة ضرورة ملحة للمحافظة على المصادر الناضبة منها، وللمحافظة على أمن الطاقة العالمي والمستقبل المحفوف بمخاطر شح الطاقة وانعكاساته غير المحمودة، بل الكارثية - لا قدر الله، فكما ذكرت سابقا أن العلاقة بين مصادر الطاقة علاقة تكاملية إن نظرنا إليها بصورة شمولية وبعين منصفة تنظر إلى المستقبل بمسؤولية والتزام.
هناك توجه عالمي معلن، بل يتم تأكيده من كثير من الدول بين الفينة والأخرى للوصول إلى صافي صفر انبعاثات في مدد زمنية مختلفة، فمنهم من صرح بالوصول إلى هذا الهدف في 2050، ومنهم قبل ذلك أو بعده، وهذا توجه إيجابي في رأيي، لكن يتطلب جهدا كبيرا وجدية في السعي إلى تحقيق ذلك وليس كلاما مرسلا! التحول إلى الطاقة المتجددة مهم كذلك، لكن يجب أن يتم وفق إطار زمني عملي يتسق مع الطلب العالمي على الطاقة ونمو هذا الطلب المطرد، حتى لا يواجه العالم في المستقبل فجوة لا يمكن إغلاقها بين العرض والطلب، وفتقا لا يمكن رتقه.
السعودية بخبرتها المتراكمة وباستشرافها العملي وغير العاطفي لمستقبل الطاقة، تعي يقينا أن ديمومة الإمدادات وموثوقيتها جوهر أمن الطاقة العالمي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال المساس به أو تقويضه تحت أي ذريعة، أو تحت مظلة أي قرارات تخدم أجندات معينة وإن كانت مدفوعة بنيات حسنة تهدف إلى حماية البيئة كما يعتقدون. عليه تدرك السعودية وتعمل بكل توازن على التنويع بين مصادر الطاقة ورفع كفاءة إنتاجها واستهلاكها دون تهميش أو التقليل من دور الوقود الأحفوري الذي ينادي به البعض جهلا أو حسدا من عند أنفسهم.
من المهم أن يعي المهتمون بتقويض صناعة المنبع ومجاري الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط، أن الظروف الطبيعية والفنية التي تؤثر في إمدادات الوقود الأحفوري تنسحب أيضا على طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية وغيرها، وعليه تنويع مصادر الطاقة هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لحماية أمن الطاقة العالمي، لا بتقويض صناعة المنبع ووقف الاستثمارات الجديدة في أنشطة التنقيب! العلاقة بين مصادر الطاقة علاقة تكاملية، وستبقى كذلك في اعتقادي إلى أمد بعيد، وتغييب هذه الحقيقة أو التغافل عنها لخدمة أجندات معينة سيؤدي مستقبلا إلى شح في الطاقة وارتفاع أسعار منتجاتها إلى أرقام ستفاجئ بعض المهتمين بحماية البيئة.
أرامكو السعودية وعلى لسان رئيسها التنفيذي المهندس أمين الناصر، تحذر بشدة بسبب تراجع الاستثمارات في قطاع النفط والغاز وتبعات ذلك على العالم بأسره قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، وأهمية مواصلة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي في الأعوام المقبلة. أكد الناصر أن التحول إلى الطاقة المتجددة لا يمكن أن يتم في وقت قصير، وأن النفط والغاز سيلعبان دورا أساسيا في مرحلة التحول وما بعدها.
في اعتقادي أن هذه الأصوات التي تنادي بتقويض صناعة المنبع والتخلص من الوقود الأحفوري سترتفع كلما ارتفعت أسعار النفط، مستجدية "أوبك" لرفع إنتاجها، والشواهد كثيرة على هذا التناقض والتخبط!