متحورات كورونا .. تحديات تواجه الأسواق
بعد أن شعر العالم نسبيا بالاطمئنان بعد أن تم إنتاج اللقاحات وتوزيعها بصورة أكبر بين دول العالم وأخذ نسبة كبيرة من السكان في العالم هذه اللقاحات، أصبح الحديث لا يتوقف عن الحديث عن متحورات جديدة ومنها المتحور الجديد الذي أطلق عليه اسم أوميكرون، الذي أصبح حديث الإعلام وانعكس ذلك على الأسواق في العالم بما فيها الأسواق المالية وأسعار الطاقة وغيرها، وبدأ ينظر البعض إلى أن هذا المتحور قد يعيد العالم إلى نقطة الصفر في مواجهته هذه الجائحة باعتبار أنه لا يوجد يقين أن اللقاحات الحالية قادرة على مواجهة هذا المتحور الجديد، وبالتالي أحدث ذلك تذبذبا للأسواق في العالم بين من يرى أن هناك إغلاقات محتملة ستؤثر نسبيا في الأسواق بدرجة مشابهة لما حصل للأسواق بسبب فيروس كوفيد - 19 والبعض الآخر لا يزال يرى أن حجم الطلب والإشكاليات التي تواجه الأسواق حاليا تجعل الطلب على السلع والخدمات أصبح واقعا وما زالت قوة الطلب مستمرة وأدى إلى التضخم في الأسعار في الفترة الحالية بعد أن شهد العالم حالة أشبه بالانكماش في الأسواق خلال الفترة الماضية نتج عنها إفلاسات لبعض الشركات بسبب ضعف الطلب على السلع والخدمات والسفر وتوابعه.
والذي يظهر والله أعلم أن حالة كورونا السابقة والإجراءات التي تمت من الصعب أن تتكرر ذلك لأنه عند الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات سنجد أن كثيرا من الدول حول العالم لا تستطيع أن تعود إلى نقطة الصفر بعد أن تحمل كثير من الدول الديون من أجل تغطية التكاليف العالية للأزمة وليس هناك احتمال لذلك في كثير من دول العالم إذ إن الحالات وحجمها لا يزال كبيرا في دول حول العالم خصوصا في أمريكا الشمالية وأوروبا قبل متحور أوميكرون ومع ذلك لم يتوقف النشاط الاقتصادي في تلك الأسواق، بل هناك إصرار على الاستمرار في فتح الأسواق مع التركيز على إقناع المجتمع بأخذ اللقاحات، إضافة إلى دعم البحوث في مجال إنتاج اللقاحات وقد تطور الأمر إلى العمل على إنتاج أدوية لهذا المرض الذي يمكن أن تكتمل معه الحلول في مواجهة هذا الوباء وبوجود عدد كبير يمتنعون عن أخذ اللقاح حول العالم.
والأمر الآخر هو أن العالم أصبح أكثر قدرة في إدارة أساليب الوقاية في مواجهة الوباء وذلك من خلال مجموعة من الاحترازات والإجراءات التي أثبتت نجاحها خصوصا مع وعي المجتمعات إجمالا بخطورة هذا الوباء وأن أساليب الوقاية يمكن أن تحد انتشاره وقد بدا هذا ملحوظا في تجربة المملكة في الإجراءات الاحترازية التي تم العمل بها وكان لها الأثر بحمد الله في الحد من انتشار الوباء ومقاومته بطريقة وكفاءة عالية وكان لها الأثر بحمد الله في تجاوز الأزمة بأقل الخسائر.
التقلبات التي تشهدها الأسواق قد لا تكون بالضرورة بسبب المتحور الجديد، إذ سبقه متحورات متعددة مثل دلتا وغيره إلا أن الأسواق لم تتأثر بالحدة نفسها، لكن الذي يؤثر اليوم في الأسواق بصورة كبيرة هو التضخم في الأسعار والأسواق نفسها، إذ إن التضخم يعني أن الأسواق ستواجه تحديا في القدرة على تحقيق الأرباح بالمقدار الذي يتناسب مع أسعار الشركات التي تضخمت بصورة كبيرة حيث يمكن أن يؤثر التضخم في سلوك المستهلك الذي قد يتخذ قرارا بتأجيل الشراء خصوصا مع الحديث بصورة واسعة أن هذا التضخم غير منطقي ومؤقت ومرتبط بأزمة سيتم حلها مع الوقت وهي عمليات الشحن ونقص الإمدادات التي غالبا يحتاج حلها إلى وقت لتعود الأمور إلى الحالة التي كانت عليها الأسواق قبل أزمة الوباء وبالتالي فإن ذلك سيضغط بصورة أكبر على قيمة الشركات إلا أن المواد الأولية وأسعار الطاقة قد لا تتأثر بالحدة نفسها وهذا ملاحظ في حركة الأسواق خلال الفترة الماضية.
يبقى أنه من الأهمية بمكان الاهتمام بأسباب الوقاية مجتمعيا، إذ إن تجربة الاحترازات التي تمت خلال الفترة الماضية ينبغي أن ينشأ عنها سلوك مستديم، إذ إن هذه الإجراءات يمكن أن يكون لها دور في الحد من انتشار الأوبئة مستقبلا التي تنتقل من خلال الجهاز التنفسي.
الخلاصة: إن الأسواق المالية تواجه مجموعة من التحديات منها التضخم ونقص الإمدادات وارتفاع تكلفة الشحن والارتفاع في قيمة الأصول والسلع وهذا قد يكون له أثر أكبر من المتحورات الجديدة إلا أنها قد تكون القشة التي تقصم ظهر الأسواق وبالتالي فمن الأهمية الاستمرار على الإجراءات الوقائية واستمرار جزء منها في حياتنا حيث يمكن ملاحظة أن مجموعة من الإجراءات الاحترازية حد بصورة كبيرة انتقال عدوى أمراض أخرى في المجتمع.