فشل الخطوبة
يعتقد كثيرون أن مرحلة الخطوبة غير مهمة في الحكم على مستقبل العلاقة الزوجية، وهذا أمر يمكن أن يبرر بسبب رسمية العلاقة بين الطرفين ومحدوديتها في الوقت والمكان والأنشطة. الغالب أن كلا الزوجين المقبلين يحاول أن يتعرف أكثر على شريك العمر المتوقع ولهذا نجد التركيز على فحص مادي ونفسي وعاطفي من الطرفين، يجعل العلاقة أكثر تصنعا من واقعها بعد الزواج حين تصبح الحاجات هي المؤثر الأهم في تكوين واستمرار العلاقة الزوجية.
أعترف أنني منضم للطرف المؤمن بسطحية الحكم الذي يصدر خلال فترة العلاقة الموجزة قبل الزواج، وذلك لأنني أشاهد ما يمكن اعتباره مؤشرا على محدودية القدرة على الحكم على شريك المستقبل حتى في العلاقات الأكثر انفتاحا التي تنشأ في المجتمعات الغربية والشرقية، التي فيها كثير من التواصل الذي لا تقره البيئة الإسلامية.
حين ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، نعلم أن فشل الزوجين في إنجاح فترة الخطوبة هو مؤشر مهم لعدم القدرة على التجانس والتفاهم في المستقبل ، وهو ما يجب أن يكون مريحا للاثنين ولأسرتيهما، وهو ليس أمرا مزعجا بقدر تأثير الفشل بعد الزواج.
لكل من يعتقد أن العلاقة الزوجية التي لم تنجح في مرحلة الخطوبة أمرا محزنا أنقل ما يراه كثير من علماء الاجتماع والنفس حيال إيجابية الاكتشاف المبكر لعدم التوافق، الذي أصبح أكثر أهمية في العصور المتأخرة بسبب اختلاف الثقافة والتغيير المستمر في الأدوار والالتزامات التي لم تكن مؤثرة في حياة الأفراد في الماضي.
نعيش اليوم في مرحلة استقلالية متنامية لكلا الطرفين، وهو ما تعبر عنه القدرة المتساوية اليوم لكل منهما في الالتزام بمسؤوليات اقتصادية، والاهتمام بتحقيق الإنجازات الوظيفية التي كانت حكرا على فئة الرجال، وكانت مؤثرة في تحقيق التوافق وتسهيل الاندماج في المنظومة الزوجية. يختلف المطلوب اليوم من الجنسين بحكم التغيير الدرامي للوضع الاجتماعي والوظيفي والتعليمي، لعل الرجل مطالب اليوم بقدر أكبر من المرونة والتنازلات التي نشأت عن التغيير الذي أدى إلى مزيد من الفرض الوظيفية والتعليمية للمرأة، والأسرة بهذا مطالبة بتنمية روح المرونة والمسؤولية لديه، كما أن الأسرة مطالبة كذلك بتوعية الفتيات بأهمية المنظومة الزوجية والمسؤوليات المترتبة عليها، والدور الجديد الذي ينتظرها كملجأ ومنطلق لنجاحات الأسرة التي تنتظرها.