رغم حزم التحفيز المليارية .. تراكم الديون خطر يهدد بعرقلة انتعاش الاقتصاد الياباني

رغم حزم التحفيز المليارية .. تراكم الديون خطر يهدد بعرقلة انتعاش الاقتصاد الياباني
الحزم المالية السابقة لم تحقق مرادها ومبتغاها إذ لم ينفق اليابانيون تلك الأموال وفضلوا الاحتفاظ بها.

على غرار الولايات المتحدة الأمريكية سارت اليابان، حيث قدمت حزما من الإنفاق المالي لتحفيز الاقتصاد في مواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية لوباء كورونا.
حزم التحفيز اليابانية لم تكن بسيطة أو هينة، إذ بلغت 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لثالث أكبر اقتصاد في العالم.
لكن في وقت يتزايد فيه الحديث العالمي عن مخاطر التضخم المتنامي، وضرورة خفض إجراءات التيسير الكمي التي تتبناها البنوك المركزية والحكومات للسيطرة على معدلات التضخم، أعلن فوميو كيشيدا رئيس الوزراء حزمة قياسية جديدة من التحفيز المالي بقيمة 314 مليار دولار للعام المالي 2021، بحيث سيتم توزيع 872 دولارا للأسرة التي لديها أطفال أصغر من 18 عاما.
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى إيجابيا، ويسهم في مساعدة الأسر اليابانية في الأوقات الاقتصادية الصعبة. وربما يقارن البعض بين الحزمة اليابانية الأخيرة، وقيام الإدارة الأمريكية بتقديم حزمة مساعدات تقارب تريليوني دولار.
مع هذا فإن أصوات الخبراء تصاعدت محذرة من التداعيات السلبية لحزمة التحفيز المالي اليابانية، باعتبارها تسعى لكسب أصوات الناخبين أكثر منها وسيلة حقيقية لإخراج اليابان من عثرتها الاقتصادية.
فالحزم المالية التي وزعتها الحكومات اليابانية السابقة على أمل أن تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني عن طريق زيادة الاستهلاك العام ورفع معدلات التضخم المحلي ومن ثم تحفيز رجال الأعمال على مزيد من الاستثمار لم تحقق مرادها ومبتغاها، إذ لم ينفق اليابانيون تلك الأموال، وفضلوا الاحتفاظ بها في مدخراتهم في البنوك والمؤسسات المالية، والمؤشرات المتاحة تشير إلى أن النتيجة لن تختلف كثيرا هذه المرة.
وفي الحقيقة فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فحزم التحفيز تلك التي تبلغ مليارات من الدولارات والتريليونات من الينات اليابانية، ترتبط بشكل كبير بقضية تعد شديدة الخطورة ولها كثير من الأبعاد الاقتصادية السلبية على الأمد الطويل، القضية باختصار تتعلق بديون اليابان التي بلغت هذا العام 13.11 تريليون دولار، لتحتل البلاد بذلك المركز الأول عالميا من حيث المدينة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ الدين 266 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.
لكن إذا كانت حزم التحفيز خذلت الاقتصاد الياباني في السابق، وتزيد من حدة المديونية، فما الذي يجب فعله لإنعاش الاقتصاد الوطني؟ وما الذي يفرق بينها وبين نظيرتها الأمريكية.
وفقا للدكتور توم أدم أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج، فإن حزم التحفيز اليابانية ليست حزما جيدة التصميم ولا تلائم المتطلبات الاقتصادية الحقيقية. وبينما تنصب حزم التحفيز الاقتصادي الأمريكية على تطوير البنية التحتية مع دعم القطاع الاستهلاكي بطبيعة الحال، فإن الحزم التحفيزية اليابانية تركز على دعم المستهلكين ولا تمنح القدر ذاته من الاهتمام للبنية التحتية، ومن ثم فإنها ذات طبيعة مؤقتة، وليست طويلة الأمد مثل نظيرتها الأمريكية.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن حزم المساعدات اليابانية غير مواتية، لأنها تعطي الأولوية لتسريع الانتعاش الاقتصادي عبر التحفيز المالي المؤقت، بينما يجب أن تركز على إيجاد وسائل لزيادة النمو طويل الأجل للاقتصاد الوطني، من خلال الاستثمار الذي يستهدف قطاعات مثل الصحة العامة وسوق العمل".
ويضيف "المثير في الأمر أن تلك الحزم المالية لم تحظ بشعبية بين المواطنين، حيث تظهر استطلاعات الرأي العام أن الأغلبية تشكك في جدواها".
توقيت حزم المساعدات يبدو للبعض أيضا محل جدل في أفضل تقدير، فاليابان هي الأبطأ بين الدول المتقدمة في التعافي الاقتصادي بعد وباء كورونا، وبينما تجاوز الاقتصاد الأمريكي والصيني بالفعل حجمهما قبل الوباء، فإن البيانات اليابانية الرسمية تكشف أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال اصغر مما كان عليه في الربع الأخير من 2019 قبل انتشار الوباء في العالم.
كما أن أزمة سلاسل التوريد العالمية، أدت إلى أن يشهد الربع الثالث من العام الجاري تقلص الاقتصاد الياباني 0.8 في المائة مقارنة بتوسع 0.4 في الربع السابق، وانكمش الاقتصاد الياباني 3 في المائة على أساس سنوي، وإن كان يتوقع له أن ينمو في الربع الأخير من العام الجاري حتى بدون حزم التحفيز، ومن ثم فإن تلك الاستراتيجية الاقتصادية لم تؤد في واقع الأمر إلا إلى زيادة الدين العام الياباني.
كما أنه نتيجة التدابير والإجراءات الإدارية، فإن الإعانات المالية لن تصل إلى الأسر اليابانية إلا بحلول الربع الأول من 2022، ما سيضعف تأثيرها الاقتصادي ويؤخره.
تلك الانتقادات تدفع بالبعض إلى الدعوة لضرورة النظر في ركائز السياسة الاقتصادية اليابانية الراهنة التي تعرف بـ"أبينوميكس" التي وضعت أسسها إدارة شينزو آبي رئيس الوزراء السابق، التي تولت السلطة بين 2012 - 2020، فعلى الرغم من مرور أعوام من التطبيق فإن اليابان لا تزال تواجه تحديات اقتصادية صعبة أبرزها الركود الاقتصادي والانكماش النقدي.
في هذا السياق، يرى وارثينجتون مارتن الباحث الاقتصادي أن وضع الاقتصاد الياباني يراوح بين الانكماش والنمو الاقتصادي المنخفض، منذ انفجار فقاعتها الاقتصادية في أوائل التسعينيات، وأن المزج بين سياسة نقدية صارمة وسياسة مالية مرنة كاستراتيجية لإنعاش النمو الاقتصادي، لم تحقق الانتعاش المأمول خاصة في فترة تفشي وباء كورونا، الذي أثر في التصنيع، وتسبب في تضاؤل السياحة والصادرات، خاصة مع تراجع الطلب الصيني وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن العبء الهائل للدين العام دفع الحكومة اليابانية إلى زيادة ضريبة المبيعات من 8 في المائة إلى 10 في المائة، وبالطبع انعكس هذا على سلوك القاعدة العريضة من المستهلكين الذين عملوا على خفض الإنفاق، وللتغلب على هذا الوضع أدخلت الحكومة تدابير تشمل حسومات على مشتريات محددة عند الشراء باستخدام المدفوعات الإلكترونية، وبلغت نسبة الخصم 5 في المائة".
ويضيف "أيضا هناك مشكلة الصادرات، فالمصنعون اليابانيون يتخلفون عن الركب مقارنة بنظرائهم في الدول المتقدمة، لأنهم يعتمدون على الأسواق الخارجية أكثر من الأسواق المحلية، واليابان تعاني انخفاضا في الطلب العالمي على صادراتها خاصة المعدات الإلكترونية وقطع غيار السيارات، وكثيرا من علاماتها التجارية الرئيسة مثل "تويوتا" و"هوندا" تعاني تراجع المبيعات".
من هذا المنطلق فإن التوقعات الراهنة سلبية بشأن وضع الاقتصاد الياباني في الأجل القصير، وحتى على المدى الطويل فإن هناك حاجة ماسة إلى معالجة قضايا ترتبط بمشكلات هيكلية مثل ضعف نمو الإنتاجية.
وبالطبع قضية الديون التي يمكن أن يؤدي التراخي في التصدي لها إلى انفجارها وعرقلة الاقتصاد الياباني، كما أن قضية الشيخوخة السكانية تترك تدريجيا بصمات تحد من نمو الاقتصاد الياباني، بحيث تتعالى أصوات الاقتصاديين بأن صانعي القرار السياسي يجب أن ينظروا إلى طرق فعالة لرفع النمو الاقتصادي طويل الأجل، من خلال فتح الأبواب أمام مزيد من الهجرة، إذ لا يزال عدد المهاجرين إلى اليابان أقل بكثير من الولايات المتحدة، حيث لم تستضف اليابان منذ أواخر العام الماضي حتى الآن سوى 1.72 مليون عامل أجنبي من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 126 مليون نسمة.

الأكثر قراءة