إدارة الطلب ومدرسة أينشتاين
يقول العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين: "لا يمكننا حل مشكلاتنا بالتفكير المستخدم نفسه عندما أنشأنا أساس المشكلة"، كما قال أيضا: "إذا كان لدي ساعة لحل مشكلة، كنت سأقضي 55 دقيقة أفكر في المشكلة وخمس دقائق أفكر في الحلول". لقد كان أينشتاين يرمي إلى أن طريقة التفكير في حل المشكلة أو التحدي يقتضي منا الإبداع والابتكار والتفكير بصورة جدية تماما غير الطريقة التي استخدمت في البداية. والشيء المدهش في الإبداع والابتكار أنه لا يحدث عادة إلا إذا غيرنا طبيعة التفكير والتنفيذ التي كنا نعمل بها، وقد تعني التخلص من الافتراضات، أو إعادة تعريف المشكلة، أو الحاجة إلى تغيير الأشخاص الذين يعملون على حل المشكلة. إن بعض الصناعات التي تواجه تحديات مثل صناعتي الكهرباء والمياه وغيرهما تستوجب الابتكار والإبداع والتعلم في التفكير خارج الصندوق. ففي صناعتي الكهرباء والمياه، يقوم تخطيط الموارد عادة على مفهوم إدارة العرض Supply management. على سبيل المثال وتحديدا في صناعة الكهرباء، يمثل النمو السكاني المتمثل في العدد والتوزيع الجغرافي وحجم التوقعات للأعوام المقبلة، والتوقعات الاقتصادية التي تتمثل في حجم الناتج الاقتصادي القومي إضافة إلى الاستهلاك الكهربائي التاريخي، مصدرا ملهما لمعرفة حجم الاستهلاك الكهربائي الكلي، ثم ترسم موارد الكهرباء اللازمة أو بما يعرف بتعزيز منظومة الطاقة الكهربائية. وعليه نستطيع أن ندير صناعة الكهرباء من خلال إدارة العرض والاستنتاج إلى معرفة القدرات الضرورية من الطاقة الأحفورية - محطات الدورة الغازية والبخارية والمركبة - والإنتاج المزدوج والمتجددة والنووية وغيرها من مصادر الطاقة. وفي صناعة المياه، يمثل النمو السكاني عاملا مهما في تخطيط منظومة المياه كاملة إلى الاستخدام الحضري، ومنها نستطيع أن ندير صناعة المياه من خلال إدارة العرض ورسم مصادر المياه من المياه المحلاة أم من المياه المتجددة وغير المتجددة والسدود وإعادة الاستخدام وغيرها من مصادر المياه. وبلا شك فإن التحديات في تخطيط موارد الكهرباء والمياه من خلال إدارة العرض جسيمة سواء تأمين الوقود وبناء خطوط النقل والتوزيع أو غيرهما.
ما رأيكم أن ندخل تخطيط موارد الكهرباء والمياه في مدرسة أينشتاين وننظر للمشكلة من زاوية أخرى؟ إن إدارة الطلب Demand management تمثل نقلة نوعية للتخطيط. ففي صناعة الكهرباء، يرتكز مفهوم الشبكات الذكية على إدارة تخطيط الموارد بصورة كبيرة على الطلب من خلال رفع كفاءة الطاقة وإدارة الأحمال وتقليل الحمل الذروي وإشراك العملاء في إنتاج الكهرباء "بعد أن كان مستهلكا فقط" من خلال تركيب ألواح شمسية كهروضوئية وتوعية العملاء والتقليل أو الحد من الفقد الفني وغير الفني والتعريفة المتغيرة وغيرها. وفي صناعة المياه، تمثل إدارة الطلب من خلال تقليل الفقد الفني والتجاري وإشراك العملاء واستخدام أجهزة الترشيد وغيرها. وبالمناسبة تمثل تكاليف إدارة الطلب أقل مقارنة بإدارة العرض لكن الأخيرة لا تلتحم بالعملاء وقد يفضل بعض أهل التخطيط ذلك. رغم أن تخطيط موارد الكهرباء والمياه من خلال إدارة الطلب فقط يمثل ضربا من الخيال الاستراتيجي، يمثل دمج إدارتي العرض والطلب معا في تعزيز منظومة الصناعة أمرا ممكنا بما يخدم استدامة صناعة الكهرباء والمياه ويقلل التكاليف، حيث يوضح في رسومات التخطيط مدى الاستعانة بأحد أساليب إدارة الطلب لمجابهة الاستهلاك المتوقع في الأعوام المقبلة. أخيرا، تمثل مدرسة أينشتاين طريقة جديدة في التفكير والخروج من حلبة التنفيذ التقليدية التي لا تزرع الإبداع والابتكار لصناعة ترغب في الاستدامة والتطوير. والشركات في كامل الصناعات تواجه منافسة متزايدة عموما من قبل لاعبين آخرين ومعدلات أسرع للابتكار الصناعي والزعزعة الرقمية.