مقارنة أداء 6 أساليب لانتقاء الأسهم
في تقرير سابق قبل أكثر من ثلاثة أشهر قمنا بالتطرق لعدة طرق لإنشاء محافظ صغيرة بأعداد قليلة من الأسهم وذلك بهدف التعرف إلى بعض أساليب انتقاء الأسهم التي يمارسها بعض المحترفين. واخترنا ستة أساليب، وطبقناها على أفضل 100 شركة في سوق ناسداك، وذلك من خلال أسهم مؤشر ناسداك-100.
في ذلك الوقت تم إعداد ورقة إكسل وجعلها متاحة للاطلاع من خلال صفحة الكاتب في تويتر، وهذا الأسبوع نقوم باستطلاع نتائج تلك الأساليب الستة ونقارن نتائجها في محاولة لمعرفة جدوى هذه الأساليب أولا، وكذلك لنفتح المجال لاستعراض أساليب أخرى متقدمة في أوقات لاحقة.
طبيعة المحافظ الست التي تم تصميمها في التقرير السابق
جميع المحافظ الست تم تصميمها والاستثمار الوهمي بها في 1 آب (أغسطس) 2021، وهنا في هذا التقرير ننظر إلى أدائها بناية تشرين الأول (أكتوبر) 2021، أي بعد مضي 90 يوما من الاستثمار بها.
تم اختيار شركات ناسداك-100 كونها تعد من أفضل شركات ناسداك وأقواها، وهي الشركات الكبيرة في بورصة ناسداك باستثناء شركات القطاع المالي، وهي غالبا الشركات التقنية المعروفة لدى كثير من الناس. هذه الـ100 شركة يتم رصدها بمؤشر خاص يسمى NDX، ويوجد لها صندوق متداول يحاكي في أدائه أداء هذه الشركات جمعاء، وهو صندوق QQQ.
في المحفظة الأولى تم اتباع أسلوب الاستثمار الخامل، وهو عكس الأسلوب النشط، حيث يقوم المستثمر هنا بشراء سهم واحد فقط، ولكن هذا السهم عبارة عن صندوق متداول يحتوي في هذه الحالة على 100 شركة يطابق أداء أسهمها لأداء مؤشر ناسداك-100 الشهير.
هذا الصندوق يدار من قبل Invesco وقد تم إطلاقه في 1999 ويتمتع بنسبة مصروفات سنوية قليلة جدا، تبلغ فقط 0.20 في المائة سنويا، ما يعني أنه يستقطع 20 دولار سنويا من استثمار عشرة آلاف دولار. تصل التداولات اليومية فيه إلى نحو 40 مليون سهم، وتبلغ أصوله نحو 183 مليار دولار، وقد تضاعف سعره خلال عشرة أعوام بنحو سبعة أضعاف.
أما المحافظ الأخرى فجميعها تتم بالطرق النشطة، أي انتقاء أسهم معينة حسب استراتيجيات وأساليب معينة.
محفظة رقم 1: (شراء أسهم صندوق QQQ) - هي عبارة عن شراء سهم واحد فقط ولكنه عبارة عن صندوق أداؤه مطابق لأداء جميع شركات ناسداك-100، أي أن هذه المحفظة تعد وكأنها محفظة تحتوي على جميع شركات ناسداك-100.
محفظة رقم 2: (شراء الأسهم صاحبة أكبر ارتفاع في أسعارها) - شراء الأسهم المرتفعة السعر من أسهم ناسداك-100، وهي تحتوي على الشركات العشر التي حققت أعلى ارتفاع في السعر منذ بداية 2021.
محفظة رقم 3: (شراء الأسهم صاحبة أكبر انخفاض في أسعارها) - شراء الأسهم منخفضة السعر وهي المحفظة التقليدية المتبعة لدى كثير من الناس، وهي شراء أسهم الشركات التي أسعارها متدنية، مقارنة بماضيها، وذلك على فرض أنها ستعاود الارتفاع، وبالتالي يحقق المستثمر الربح ببيعها لاحقا بأسعار أعلى.
محفظة رقم 4: (البيع على المكشوف للأسهم صاحبة أكبر ارتفاع في أسعارها) - البيع على المكشوف للأسهم ذات الأسعار المرتفعة، وهذه كذلك محفظة تقليدية لأننا هنا نفترض أن الأسهم عالية السعر معرضة لمخاطر هبوط السعر أكثر من غيرها، وبالتالي من الأفضل بيعها الآن على المكشوف وشراؤها لاحقا بسعر أقل. مرة أخرى هذه تمثل النزعة السائدة لدى الكثيرين كون هناك نوع من الارتياح بأن السعر لن يرتفع كثيرا بعد ذلك، وبالتالي فهي نوعا ما آمنة، بحسب هذا الاعتقاد.
محفظة رقم 5: - (البيع على المكشوف للأسهم صاحبة أكبر انخفاض في أسعارها) - البيع على المكشوف للأسهم المنخفضة، وهي محفظة تحتوي على الشركات العشر ذات الأداء الأسوأ هذا العام من بين جميع الشركات، والفكرة هنا أن هذه الأسهم ستواصل التدهور في أسعارها، وبالتالي يحقق البائع على المكشوف الربح لاحقا عندما يقوم بشراء الأسهم بأسعار منخفضة.
محفظة رقم 6: (شراء الأسهم بحسب قوة نمو المبيعات) - الشراء بحسب قوة المبيعات أو الإيرادات، وهذه المحفظة تتبع أسلوب التحليل المالي البسيط، الذي يركز فقط على المبيعات، وقد تم الأخذ بمقياس قيمة المبيعات للسهم الواحد من خلال قسمة صافي المبيعات السنوية على عدد الأسهم.
هل بالإمكان التغلب على أداء المؤشرات؟
هناك عدد كبير من الأبحاث التي قامت بدراسة أساليب الانتقاء داخل المؤشر، بدلا من شراء جميع مكونات المؤشر، وهو الأسلوب النشط للاستثمار في الأسهم، وعلى وجه العموم جميع الدراسات تشير إلى أنه من الصعب جدا تحقيق أداء يفوق أداء المؤشر ذاته. هذا لا يعني أنه من غير الممكن التغلب على أداء المؤشرات، بل نقول إنه بالمتوسط من يحاول تصميم محفظة بشكل انتقائي سيكون أداؤه أقل من أداء المؤشر، وبالضرورة هذا يعني أن هناك نسبة من المستثمرين سيكون أداؤهم أقل من هذا المتوسط، ونسبة أخرى أداؤهم سيكون أعلى من هذا المتوسط.
مثل هذه الأبحاث التي انطلقت مما يعرف بفرضية كفاءة الأسواق، التي اشتهرت في الستينيات الميلادية من قبل البروفيسور "فاما" وغيره، أدت في النهاية إلى تبني الأسلوب الخامل في الاستثمار، وهو عكس الأسلوب النشط.
الأسلوب الخامل ليس إلا أحد هذه الأساليب، ولكن هناك من يبحث عن طرق أخرى للاستثمار في أفضل شركات ناسداك بأساليب انتقائية، بحيث يشتري عددا قليلا من هذه الـ100 شركة، ولتكن عشر شركات فقط، ومن ثم يحاول التغلب على أداء المؤشر ككل.
هل الأفضل شراء الأسهم الرخيصة أم الغالية؟
النزعة السائدة لدى الكثير من المتداولين هي أن يكون الشراء للسهم الذي سعره متدن مقارنة بسعره السابق، والبيع يأتي عندما يبدو سعر السهم مرتفعا بشكل لافت. مصدر هذا السلوك المقولة الدارجة buy low, sell high، التي تقول اشتر الرخيص لتبيعه بسعر غال لاحقا، والتي تبدو منطقية ومفهومة كونها تشبه ما يحدث خارج نطاق الأسهم، حيث ينظر غالبا إلى تدني السعر من منظور التخفيضات الدعائية، فيكون المنتج فرصة للشراء.
من خلال تجربتنا هذه، تبين أن هذا الأسلوب غير مجد، حيث كان الأداء لكل فترة (فترات 30 يوما و60 يوما و90 يوما) أقل من الأساليب الأخرى، وفي نهاية الـ90 يوما كان الأداء ارتفاعا بأقل من نصف نقطة مئوية.
عكس هذه الطريقة هناك أسلوب شراء الغالي لبيعه لاحقا بسعر أغلى، buy high sell higher، والمقصود هنا أن السهم المرتفع سعره يعد أفضل للشراء من سهم لا يزال يعاني تدني سعره، وكثير من المتداولين يجدون صعوبة في تطبيق هذا الأسلوب لأنهم يرون سعر السهم مرتفعا عن السابق فيجزمون بأن الفرصة قد فاتتهم، وأن السهم ربما يكون معرضا للهبوط والعودة لسعره السابق المنخفض!
من خلال تجربتنا مع المحافظ الست تبين أن هذا الأسلوب كان الأفضل من بين جميع الأساليب الأخرى على جميع الفترات، حيث حقق في أول شهر ارتفاعا بنسبة 7.85 في المائة، ثم بعد 60 يوما كان الأداء 3.25 في المائة، وبعد مضي 90 يوما كان الأداء 13.60 في المائة.
هذا الاستنتاج مها للغاية، كوننا هنا وجدنا من خلال تجربة عملية، وإن كانت محدودة وليست علمية، أن التخوف الذي يعانيه كثير من المستثمرين من شراء الأسهم المرتفعة السعر غير صحيح. هذا بالطبع لا يعني أن أسلوب شراء الأسهم المرتفعة سيكون مجديا في جميع الأوقات، لأننا نعرف أن هناك حركات تصحيحية، بل هناك انهيارات كذلك، وإن توافق تطبيق هذا الأسلوب في الوقت الخاطئ فبكل تأكيد ستكون النتيجة سلبية وقاسية.
لذا فإن أول شروط تطبيق شراء الأسهم المرتفعة السعر دون غيرها، يجب أن يتم في الأوقات التي تكون فيها الدلائل قوية لتحركات إيجابية في الأسهم بشكل عام، وهي الأوقات التي بالطبع ليس من السهولة اكتشافها.
في هذه التجربة كان شراء سهم موديرنا (شركة لقاحات كورونا) المثال الصارخ لأسلوب شراء الأسهم المرتفعة، حيث كان السهم وقتها قد ارتفع منذ بداية 2020 بنحو 18 ضعفا! وبالتالي كثير من الناس لا يملك الشجاعة الكافية لشراء سهم بهذا الشكل، بل هناك من يعتقد أنه كان الوقت المناسب لبيعه على المكشوف! وعلى الرغم من ذلك فقد كان أداء "موديرنا" لأول 30 يوما ارتفاعا بنسبة 6.53 في المائة، وبعد 60 يوما كان الأداء 8.84 في المائة، ثم أخذ السهم بالانخفاض في الشهر الماضي ليحقق السهم انخفاضا بنسبة 2.37 في المائة منذ شرائه قبل ثلاثة أشهر.
أما بقية الأسهم صاحبة الأعلى ارتفاعا هذا العام فهي كما في الجدول تشمل ثلاث شركات في مجال أشباه الموصلات والألواح والشرائح الإلكترونية بارتفاعات أكثر من 40 في المائة، إلى جانب شركة جوجل وشركة eBay للبيع والشراء الإلكتروني.
ماذا عن البيع على المكشوف للأسهم المنخفضة؟
هذا الأسلوب كذلك مخيف لكثير من الناس لأنه يفترض أن الأسهم التي واجهت انخفاضا في أسعارها في الفترة الماضية ستواصل الهبوط، الذي يصعب على بعض المستثمرين الأخذ به، لأن هنا دائما الشعور بأن السهم منخفض السعر لا بد أن يرتفع قريبا! للمعلومية، البيع على المكشوف يعني بيع سهم غير مملوك الآن ومن ثم شراؤه لاحقا بسعر أقل.
في هذه التجربة كانت المحفظة رقم 5 هي للبيع على المكشوف للأسهم التي أسعارها كانت منخفضة جدا، وكانت النتيجة سيئة لأول 30 يوما، ثم تحسن أداؤها بعد 60 يوما بارتفاع بلغ 4.20 في المائة، وأنهت هذه المحفظة فترة 90 يوما بارتفاع بنسبة 1.35 في المائة. من هذه التجربة البسيطة نرى أن هذا الأسلوب، الذي يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة ويخالف الفكر البديهي، إن صح التعبير، قد حقق نتائج لا بأس بها.
ماذا عن أسلوب شراء الأسهم منخفضة السعر؟
الأسلوب التقليدي السائد لدى كثير من الناس، عطفا على التجارب الحياتية الأخرى، هو أن الشيء عندما ينخفض سعره يكون مغر للشراء، ولكن من هذه التجربة البسيطة تبين أن هذا الأسلوب غير مجد، حيث كان الأداء لأول 30 يوما جيدا بارتفاع 3.71 في المائة، ولكن بعد مضي 30 يوما أخرى تلاشى هذا الارتفاع ومن ثم انخفض أداء المحفظة دون ذلك بنسبة 2.39 في المائة، وبنهاية الـ90 يوما كان الأداء أقل من نصف نقطة مئوية.
ماذا عن أساليب الانتقاء المبني على مؤشرات مالية؟
غني عن القول إن هناك مئات من الأساليب الانتقائية التي تعتمد على المؤشرات المالية للأداء، بدءا بالأرباح والعائد على حقوق المساهمين إلى طرق تتعلق بتحليل التدفقات النقدية، إلى جانب كم هائل من المركبات والنسب المالية. ولكن في تجربتنا هذه أخذنا بأسلوب الشراء بحسب قوة مبيعات الشركة، وتم ذلك بحساب حصة السهم الواحد من المبيعات، أي قسمة المبيعات على عدد الأسهم.
جاءت نتيجة هذه المحفظة متواضعة إلى حد كبير، وقد حققت انخفاضا كبيرا بعد 60 يوما بنسبة 6.69 في المائة.
خاتمة
هذه ليست دراسة علمية ولكنها أعطت بعض التصورات عن كيفية انتقاء الأسهم، وبالذات بينت أن الأسلوب الذي يهابه كثير من المستثمرين هو في الواقع الأسلوب الأفضل للأداء. هذا الأسلوب هو شراء الأسهم التي لديها ارتفاعات كبيرة في السعر، وقد وجدنا ذلك في شراء عشر شركات من 100 شركة في مؤشر ناسداك-100، وهي الأسهم التي لديها أعلى ارتفاع في أسعارها. وكانت هذه المحفظة هي المحفظة صاحبة أفضل أداء خلال فترة الرصد.
كذلك وجدنا أن التخوف من بيع الأسهم الضعيفة على المكشوف غير صحيح في كل الأحوال، وأن هذا التخوف ربما ليس بعقلاني، حيث غالبا الذي يحصل في الواقع هو أن السهم الرديء يواصل أداءه السيئ!
سنقوم لاحقا بمواصلة رصد أداء هذه المحافظ لنتعلم منها أكثر وأكثر، مع الأخذ في الاعتبار أن الأساليب تتغير مع التغيرات الاقتصادية الكبرى، بمعنى أن هناك أوقاتا يتبين من خلالها أن هناك هجرة للأموال من الأسهم إلى وسائل أخرى، وهي ليست سهلة الاكتشاف، ولكنها بالضرورة تتطلب تغييرا في استراتيجيات الانتقاء.