رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أفول نجم الانفجار السكاني إلى الأبد

بعد القلق الكبير من الانفجار السكاني الذي ساد العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وصدور كتب كثيرة بعناوين مثيرة ومخيفة تحذر من مخاطر النمو السكاني الجامح، مثل كتاب "القنبلة السكانية"، وظهور مصطلحات، مثل الصراع الديموغرافي ونحوها؛ ما أدى إلى إطلاق برامج تنظيم الأسرة من قبل الأمم المتحدة ومنظمات غير ربحية أخرى، مثل الاتحاد الدولي للوالدية المخططة IPPF في بداية الخمسينيات، وكذلك منظمة العمل السكاني الدولي PAI في منتصف الستينيات من القرن الماضي، إلى جانب عقد مؤتمرات السكان الدولية في بوخارست والمكسيك والقاهرة وغيرها.
بعد هذا القلق والاهتمام الدولي لعقود بدأت نهاية النمو السكاني تلوح في الأفق، فمن المتوقع بناء على تقارير الأمم المتحدة أن يزداد عدد سكان العالم بمقدار ملياري شخص خلال الـ30 عاما المقبلة، من 7.8 مليار في الوقت الحاضر إلى 9.7 مليار في 2050، ثم قد يصل عدد سكان العالم إلى ذروته في نهاية القرن الحالي عند مستوى يقارب 11 مليار نسمة.
لكن استمرار انخفاض الخصوبة بدرجة أكبر من المتوقع، وخاصة في إفريقيا، حدا ببعض الباحثين بجامعة واشنطن، إلى التنبؤ بأن يصل عدد سكان العالم إلى ذروته عند 9.7 مليار نسمة في 2064، ثم سيبدأ رحلة الانخفاض ليصل إلى 8.8 في 2100. وتتفاوت الدول في الوصول إلى ذروتها السكانية، فبعضها على وشك الوصول للذروة، وبعضها شهد الذروة قبل أعوام قليلة وبدأ مسار الانكماش إلى درجة احتمالية فقدان نصف سكانها، مثل اليابان وإسبانيا، وذلك نتيجة انخفاض الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال، في حين هناك دول ستستمر في التزايد السكاني إلى نهاية القرن الحالي وما بعده. اليابان تأتي في مقدمة الدول التي ستفقد نسبة كبيرة من السكان، فقد وصلت إلى الذروة بنحو 128 مليون نسمة في 2017 لتبدأ مرحلة الانكماش بنحو نصف سكانها، أي الوصول إلى 74 مليون نسمة عند نهاية القرن الحالي، وهناك توقعات تشير إلى فقدان نصف السكان أو أكثر. وبالمثل، لقد وصلت إسبانيا إلى الذروة في 2019 بعدد سكان 43 مليونا، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 22 مليون نسمة بنهاية القرن.
ومن اللافت أن هناك توقعات تشير إلى أن دولة التنين ستصل إلى الذروة عند 2030 بحجم سكاني يقدر بنحو 1.46 مليار نسخة، ثم ينخفض بعد ذلك إلى نحو المليار، وهناك تقديرات تؤكد فقدان نحو نصف السكان في 2100.
أما الولايات المتحدة، فهناك تقديرات متفاوتة، بعضها يشير إلى استمرار نمو سكان الولايات المتحدة من 332 مليونا في الوقت الحاضر، إلى 364 مليون نسمة عند 2062، ثم ينخفض إلى 286 مليونا في 2100. وبالمثل من المتوقع أن تصل كندا إلى ذروتها السكانية في 2078 عند 45 مليون نسمة.
ولا شك أن الوصول إلى الذروة سيساعد على تخفيف الضغوط على الموارد الطبيعية، لكنه سيتسبب في ظهور تحديات اقتصادية جديدة ومؤلمة نتيجة شيخوخة السكان وانكماش قوة العمل؛ ما ينعكس على النمو الاقتصادي، وبالتالي احتمال تقليص الخدمات الاجتماعية والصحية المقدمة لكبار السن. في الجانب المقابل، ستستمر معاناة الدول الفقيرة التي تشهد تزايدا سكانيا؛ ما يضع ضغوطا على مواردها الطبيعية وإمكانية توفير مياه شرب نظيفة.
أخيرا، مهما اختلفت التقديرات فإن الأمر المؤكد أن سكان العالم سيصل الذروة قبل نهاية القرن الحالي، وأن الانفجار السكاني لم يعد هاجسا كبيرا على مستوى العالم. والسؤال الكبير: ماذا ستعمل بعض الدول التي ستفقد نصف سكانها؟ هل لديها سياسات "سحرية" محفزة لمزيد من الإنجاب أم ستضطر إلى فتح باب الهجرة من الدول الأخرى؟ وماذا سيحدث بعد ذلك للهوية السكانية في تلك الدول؟ أم أن الحلول ستكون في الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي؟ ثم هل نحن أمام عالم يتجه إلى الدولة الكونية التي تذوب فيها الفروقات بين البشر أم أن كوارث ستحدث لإعادة ترتيب المعادلة السكانية؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي