السعودية تغلق طرحها الرابع من الصكوك الدولارية بعد غياب 25 شهرا
أغلقت السعودية أمس طرحها الرابع الدولي من الصكوك الدولارية في الأسواق الناشئة، وذلك بعد طرحها شريحة وحيدة من الصكوك وأضافت معها سندات ثلاثينية.
جاء الإصدار في ظل ارتفاع أسعار النفط وبعد تعديل وكالة التصنيف "موديز"، النظرة المستقبلية للسعودية إلى "مستقرة" من "سلبية".
وأشارت وثيقة صادرة من البنوك المرتبة للإصدار إلى أن الحجم المتوقع للطرح يراوح ما بين 2.5 إلى ثلاثة مليارات دولار، وذلك بحسب ما نقلته "رويترز"، وبلغ حجم الطلبات حتى ساعة إعداد هذا التقرير 11.5 مليار دولار "حيث إن حجم الطلبات النهائي قد يزيد عن هذا الرقم".
وخلال الجولة الثانية من تقليص الأسعار الاسترشادية، حددت السعودية الهامش الائتماني لصكوك ذات أجل تسعة أعوام ونصف بقيمة إجمالية ما بين 1.5 إلى 2.0 مليار دولار، عند 90 - 95 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية.
والأمر نفسه مع سندات لأجل 30 عاما بقيمة مليار دولار مع عائد بين 3.35 و3.40 في المائة، إلا أن تلك النطاقات التسعيرية لا تعد نهائية وينتظر أن تكشف السعودية في الساعات المقبلة عن التسعير النهائي الخاص بالشريحتين.
واختارت أكبر اقتصادات الشرق الأوسط صكوكا بأجل استحقاق تسعة أعوام ونصف وسندات ثلاثينية، وبذلك تستكمل السعودية بهذا الإصدار ملف استدانتها الخارجية لهذا العام.
ويأتي الرجوع السعودي لأسواق الدين الإسلامية الدولية بعد غياب دام 25 شهرا عن آخر طرح من الصكوك الدولارية.
وأظهر رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، أن السعودية رفعت عدد إصداراتها من الصكوك الدولارية إلى خمسة بدلا من أربعة، كما أظهر أن هذه المرة الأولى التي تستعين بها السعودية بأجل استحقاق جديد، حيث تعودت أسواق السندات الإسلامية على آجال مثل خمسة أعوام وعشرة أعوام مع إصدارات السعودية من الصكوك الدولارية.
وطرحت السعودية أول صكوك لها في أبريل 2017، وجاء الطرح الثاني في سبتمبر 2018، والطرح الثالث في أكتوبر 2019.
ومع الإصدار، تبدأ إصدارات الدين السعودية باستعادة نشاطها، وذلك بعد إعلان بنك الاحتياطي الفيدرالي بدء خفض مشتريات الأصول هذا الشهر، حيث يتوقع جدول مزدحم من إصدارات الدين بعد انتظار فترة طويلة لحين تحسن أوضاع السوق.
وبحسب بيانات "الاقتصادية"، فإن الارتفاع السريع لعوائد الخزانة أسهم في هبوط إجمالي إصدارات الدين الخليجية بأكثر من النصف في آخر شهرين، وذلك بعد أن بلغت 9.7 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي، عندما بلغت 20.9 مليار دولار، بانخفاض 53.3 في المائة.
ومعظم من توجه لسوق الدخل الثابت في الشهرين الماضيين من المصدرين الخليجيين كانوا من أصحاب التصنيفات الائتمانية المرتفعة، وقبل الإصدار السعودي الذي تم إغلاقه البارحة، فإن الإصدارات السعودية قد توارت عن الأنظار لأكثر من شهرين، وذلك بعد تفضيل جهات الإصدار الانتظار لحين استقرار عوائد الخزانة وتقييم خيارات التمويل المتوافرة.
وشهد سبتمبر وأكتوبر من العام الماضي إصدارات سعودية بقيمة 3.03 مليار دولار مقابل عدم وجود أي إصدارات عن الفترة ذاتها من العام الحالي.
وارتفعت في سبتمبر وأكتوبر تكلفة التمويل للمرجع التسعيري الذي تعتمد عليه جهات الإصدار الخليجية بمقدار 51.2 في المائة على أجل استحقاق خمسة أعوام وبـ18.3 في المائة لأجل عشرة أعوام.
واستندت تحليلات "الاقتصادية" حول تقصي إجمالي إصدارات الدين الخليجية إلى منصة bondevalue التي تقدم للمستثمرين ميزة الكشف عن عروض البيع والشراء للسندات التي في محافظهم من أجل التحكم بالقرار الاستثماري الخاص بالورقة المالية.
وكذلك منصة "سي بوندز" Cbonds للبيانات المالية التي يستعين العاملون في أسواق الدخل الثابت بمنصتها من أجل تتبع حركة مؤشرات أسواق الائتمان العالمية، وأخيرا منصة "فاكتست" FactSet للخدمات المالية.
وأعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي، في بيان السياسة النقدية، أنه سيبدأ بخفض برنامج شراء الأصول بمقدار 15 مليار دولار شهريا بداية من وقت لاحق من نوفمبر الجاري.
وأوضح البنك المركزي، أن مشترياته من سندات الخزانة ستصل إلى 70 مليار دولار هذا الشهر و60 مليار دولار في ديسمبر المقبل بدلا من 80 مليار دولار حاليا، كما سيخفض مشتريات السندات المدعومة بالرهن العقاري من 40 مليار دولار حاليا إلى 35 مليار دولار هذا الشهر و30 مليار دولار في ديسمبر المقبل.
وأوضح الاحتياطي الفيدرالي أنه يتوقع استمرار خفض مشتريات الأصول بالوتيرة الشهرية نفسها لاحقا، لكنه أوضح أنه مستعد لتعديلها إذا اقتضت الحاجة.
لا جولة ترويجية
لم تكن السعودية بحاجة إلى عمل جولات ترويجية تمتد عدة أيام في عواصم المال العالمية، فليس من السهولة لدولة أخرى في الأسواق الناشئة أن تقوم بما قامت به السعودية من ناحية طرق باب أسواق الدين العالمية بهذه السرعة.
وباتت المحافظ الدولية على دراية كاملة بالجدارة الائتمانية للمملكة منذ إصدارات أدوات الدين في 2016، وتسهم تلك الاستراتيجية في تجنب حدوث عمليات بيع على الإصدارات الدولارية القائمة للمملكة في حال كان هناك جولة ترويجية، ما قد يؤثر في تسعير أدوات الدين الجديدة.
ويظهر رصد "الاقتصادية"، أن إصدارات الصكوك الدولارية كافة للمملكة تتداول فوق قيمتها الاسمية بالتداولات الثانوية، مع ظهور لتفضيل المستثمرين تجاه الآجال طويلة الأجل.
أهمية مؤشرات القياس
يتم تسعيرمعظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس، وهو عوائد سندات الخزانة الأمريكية أو وبصورة أقل بمؤشرات "متوسط عقود المبادلة"، حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام، أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس"، يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية، قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.
باكورة الإصدارات
جاءت باكورة إصدارات السعودية من الصكوك الدولية للمرة الأولى في أبريل 2017، وكانت قيمة الطرح حينها تسعة مليارات دولار.
وكان ذلك أبرز دخول أولي لدولة لأسواق الصكوك العالمية بسبب ضخامة الإصدار في ذلك الوقت، نظرا إلى هيكلة الصكوك "الهجينة" التي كانت جديدة على المستثمر الدولي بسبب الهيكلة المعقدة التي صاحبت الشريحتين.
واستخدمت السعودية في هذا الإصدار هيكلة الصكوك الهجينة التي تتكون من عقدي المرابحة والمضاربة، وهي الهيكلة نفسها التي سبق أن تم استخدامها في الإصدار الأول. وعالميا، فهذه الهيكلة المعقدة لم يتم تبنيها إلا من المصدرين السعوديين.
وسميت الصكوك «الهجينة» بذلك لأنها تحتوي على مزيج من الدين "أي هيكل المرابحة"، والملكية equity "أي هيكل المضاربة".
توزيع فترات خدمة الدين
دائما ما يولي المركز الوطني لإدارة الدين أهمية بارزة لمسألة اختيار آجال الاستحقاق المناسبة مع الطروحات الجديدة، ويرجع سبب ذلك من أجل توزيع استحقاقات المديونية "خدمة الدين" وتجنب تمركزها في أعوام محددة.
ويسهم توزيع فترات خدمة الدين عبر عدد طويل من الأعوام بطريقة لا تتسبب في إحداث ضغط على خزانة الدولة، عندما يحين أجل سداد عدد ضخم من أدوات الدين خلال عام مالي معين.
ومعلوم أن من مكتسبات أسواق الدين السعودية في 2019 كان تمكن المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية، من تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة في السوق المحلية، أصبح التشبث بالإصدارات طويلة الأجل جزءا من السياسة الاستثمارية لبعض المستثمرين. حيث تجلى ذلك من عمليات التخصيص الشهرية التي تميل كفتها نحو الاستحقاقات طويلة الأجل.
وقدم المركز الوطني لإدارة الدين العام تلك الآجال الطويلة للمرة الأولى في 2019 بغرض إطالة منحنى العائد الخاص بالإصدارات الحكومية المقومة بالريال، وكذلك بغرض تنويع خيارات مستثمري الدخل الثابت في المملكة.
جذب الاستثمارات المؤسسية
كما تم مع إصدارات الصكوك السابقة، كررت السعودية ما قامت به سابقا مع إصدارات الصكوك، وذلك عبر زيادة جاذبية الإقبال الأمريكي عبر جذب الاستثمارات المؤسسية من الولايات المتحدة بعدما كشفت نشرة الإصدار عن امتثال أوراق المملكة المالية لـ"مرسوم قانون دود - فرانك" Dodd-Frank Act لتنظيم أسواق المال.
وتنضوي هيكلة الصكوك الهجينة "مضاربة مع مرابحة" ضمن الضوابط المالية التي يشملها قانون «دود - فرانك»، أي أن صكوك المملكة في امتثالها لهذا القانون تشابه الأوراق المالية المدعومة بالأصول المنتشرة في السوق الأمريكية، علما أن السعودية هي أول جهة إصدار في تاريخ أسواق الدين الإسلامية التي امتثلت صكوكها السيادية منذ 2017 لـ"مرسوم قانون دود فرانك"، "وقد تتبع دول عدة السعودية في هذا الامتثال عندما تقرر إصدار صكوك سيادية".
يذكر أن نشرة إصدار الصكوك التي تم عرضها للمستثمرين في 2017، أشارت إلى امتثال صكوك المملكة للقانون المالي الأمريكي الذي يقضي بشراء جهة الإصدار ما لا يقل عن 5 في المائة من الإصدار.
قانون «دود - فرانك»
صدر هذا القانون من طرف باراك أوباما عام 2010 بهدف تجنب أزمة مالية أخرى بعد تلك التي وقعت عام 2008. وبعد مجيء الرئيس الجمهوري دونالد ترمب إلى السلطة، سارع إلى إعادة النظر في مجمل الضوابط المالية التي يشملها قانون "دود - فرانك"، حيث وقع على مرسومين لتعديل إصلاحات رئيسة أدخلتها إدارة أوباما على القواعد المالية بسبب الأزمة العالمية. ويحمل قانون "دود - فرانك" اسمي عضوي الكونجرس الأمريكي: كريستوفر دود وبارني فرانكجرد.
وحدة التقارير الاقتصادية