معالجة الأزمة المناخية .. دول الخليج العربي مؤهلة لتحقيق الريادة العالمية في إزالة الكربون من قطاع الطاقة
يسبب الانتعاش الاقتصادي الذي يشهده العالم اليوم عقب نجاحه بتخطي أحلك أيام أزمة "كوفيد-19" زيادة الطلب على الطاقة الكهربائية . لذلك لم يكن غريباً رؤية الدعوات - والالتزام – من حكومات العالم ومؤسسات المجتمع المدني والشركات خلال مشاركتها في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المنعقد حالياً في جلاسكو /COP26/ لاتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة للتصدي لأزمة تغير المناخ.
إلا أن جهود التصدي لتحديات تغير المناخ لن تكون مجدية دون توجيه تركيز خاص على قطاع الطاقة، فهو المتسبب بنحو 40% من إجمالي الانبعاثات الكربونية حول العالم، ومن المرجح ارتفاع هذه النسبة نظراً لسببين رئيسيين. أولهما برره تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة مؤخراً، وأشار إلى عجز 785 مليون شخص حول العالم عن الوصول إلى مصادر موثوقة للطاقة الكهربائية.
فتفعيل وتعزيز النمو الاقتصادي سيكون بعيد المنال بغياب مصادر الطاقة الكهربائية الكافية. والسبب الثاني هو إدراك العالم أن تحويل العمليات التشغيلية نحو الاعتماد على الكهرباء هو أكثر المسارات كفاءة لإزالة الكربون من الاقتصاد، خصوصاً في القطاعات التي تتسبب بمعدلات عالية من الانبعاثات الكربونية على غرار النقل، والصناعات الثقيلة، والتدفئة، لذلك نجد العديد من القطاعات تتجه للتحول نحو استخدام الكهرباء في عملياتها في المستقبل.
وبالتالي فإن الحفاظ على مكاسب العمل المناخي في ضوء زيادة الاعتماد على الطاقة الكهربائية يفرض تحويل مصادر الطاقة التي تدعم تلك القطاعات نحو نموذج توليد خالٍ من الكربون.
وأكد سكوت سترازيك الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك للطاقة": "تحتاج الدول الحريصة على تطوير قطاعات الطاقة فيها إلى ضمان توافر الطاقة وبتكلفة معقولة في آن معاً، تزامناً مع التحول إلى أنظمة توليد أكثر استدامة؛ وأقل تسبباً بالانبعاثات الكربونية. إلا أن تحقيق ذلك يتطلب استخدام مجموعة متنوعة من تقنيات توليد الطاقة، مع توجيه تركيز خاص نحو تقنيات الطاقة المتجددة وطاقة الغاز الطبيعي".
تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي التي تشمل البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بإمكانات وفيرة ومكانة مميزة تمهد طريقها نحو تحقيق الريادة العالمية وتولي دور محوري في التصدي لقضية ثلاثية المحاور في قطاع الطاقة.
فقد أوضحت دراسة جديدة لشركة "جنرال إلكتريك" حملت عنوان "مسارات سريعة لإزالة الكربون من قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي" كيف يمكن لدول الخليج العربي إدخال تقنيات الطاقة المتجددة وطاقة الغاز في مسار استراتيجي عاجل، تزامناً مع تقليل الاعتماد على الوقود السائل.
وناقشت الندوة الإلكترونية التي انعقدت برعاية "جنرال إلكتريك" بعنوان "ندوة مسارات الطاقة: نحو مستقبل منخفض الكربون في دول مجلس التعاون الخليجي" هذه الحلول الموجهة لإزالة الكربون من قطاع الطاقة، وتناولها المتحدثون خلال الندوة بالتفصيل وهم: الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة في السعودية؛ وجان ماري دوجر، رئيس مجلس الطاقة العالمي؛ وسكوت سترازيك، الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال إلكتريك للطاقة"؛ ولينا عثمان، الرئيس الإقليمي للتمويل المستدام لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في ستاندرد تشارترد؛ وكريغ أوكونور، مسؤول الطاقة المتجددة والصادرات البيئية في البنك الأمريكي "إكسيم".
الاستجابة لأزمة ملحة
تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي من بين أعلى الدول في معدلات استهلاك الفرد للطاقة الكهربائية حول العالم، بنسبة تتراوح بين 103% و430% وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 3.5 ميجاواط ساعي للفرد الواحد. ويرجع هذا المعدل المرتفع إلى عدد من العوامل، وتشمل الحاجة لاستخدام الطاقة الكهربائية لأغراض التبريد وتحلية مياه البحر، مع امتلاك الوقود السائل لحصة كبيرة من مزيج الطاقة، ووجود قطاعات تستهلك الطاقة بكثافة على غرار المصاهر والبتروكيماويات والإسمنت في هذه المنطقة، إلى جانب عوامل أخرى.
وإضافة لذلك، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو السنوي الإجمالي لذروة الطلب على الطاقة بنسبة 7.5%، من 122 جيجاواط حالياً ليتجاوز 250 جيجاواط بحلول العام 2030. ويقود هذا الارتفاع إلى تحدٍ إضافي يتمثل في ضرورة الحد من الانبعاثات الكربونية، مع تزايد الحاجة لزيادة توليد الطاقة الكهربائية خلال السنوات المقبلة.
تلتزم المنطقة باستشراف مستقبل أكثر نظافة لقطاع الطاقة، وهو ما بدا جلياً في إعلان العديد من دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً عن أهداف مناخية جديدة، ومنها الحياد المناخي في الإمارات بحلول 2050، والحياد الصفري بحلول 2060 في السعودية والبحرين.
ولاشك أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب ضخ المزيد من الاستثمارات في الطاقة المتجددة التي ارتفع معدل نموها السنوي المركب سريعاً بنسبة 69% خلال الفترة الممتدة من 2015 ولغاية 2020 في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن استطاعة توليد الطاقة من المصادر المتجددة بقيت منخفضة نسبياً بإجمالي 2.4 جيجاواط بنهاية تلك الفترة.
ويبدو أن انخفاض التكاليف والتطور التقني هي عوامل تعزز من جدوى نشر حلول الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع في المنطقة، لذلك فإن هذا التقدم المحرز هو أمر حاسم لقطاع الطاقة في هذه الدول.
وعلى أي حال، ونظراً لأن حلول تخزين الطاقة بالبطاريات لا تزال غير قادرة على منافسة التكلفة المعادلة لأساس التخزين لمدة تزيد عن 8 ساعات، فإن مصادر الطاقة المتجددة لوحدها غير كافية. ولذلك يمكن للتوربينات الغازية لعب دور حيوي لتأمين استقرار شبكات الطاقة الكهربائية المتصلة بمصادر التوليد المتجددة، حيث تدعم مرونتها زيادة الطاقة الواردة إلى الشبكة أو تقليلها حسب الحاجة لمعالجة قضية عدم استقرار وتيرة التوليد من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما أن الطاقة الغازية هي الأقل تسبباً بالانبعاثات الكربونية من أنواع الوقود الأحفوري التقليدي.
ويشرح سكوت سترازيك بقوله: "شكل الوقود السائل نحو ثلث قدرات توليد الطاقة الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي في إحصائية تعود للعام 2019، لذلك فإن التحول من استخدام هذا الوقود نحو مزيج يجمع بين الطاقة المتجددة وطاقة الغاز يمكن أن يقود إلى هبوط سريع وكبير في الانبعاثات الكربونية، دون المساس بكفاءة توليد الطاقة وموثوقيتها".
وعلى سبيل المثال، فإن الطاقة التي تولدها التوربينات الغازية من طراز H-class عالية الكفاءة والتي تعمل بالدورة المركبة تقود إلى تقليص ما يصل إلى ثلثي كثافة الانبعاثات الكربونية لكل ميجاواط من الطاقة الكهربائية المولدة مقارنة بمحطات توليد الطاقة البخارية بالوقود السائل.
يعتبر التحول بعمل التوربينات الغازية من الدورة البسيطة إلى المركبة وتحديث أصول توليد الطاقة الحالية، من أهم الإجراءات المتاحة لتعزيز قدرات توليد الطاقة الكهربائية دون زيادة الانبعاثات الكربونية. وتقدر شركة "جنرال إلكتريك" أن قدرات التوليد بالدورة البسيطة في دول مجلس التعاون الخليجي تصل إلى 57 جيجاواط في الوقت الراهن.
لذلك فإن تحويل 25% فقط من هذه الأصول للعمل بالدورة المركبة سيجنب المنطقة 30 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، أو ما يعادل إزالة 7.5 مليون سيارة عن الطرقات. ويستغرق مثل هذا التحول مدة زمنية لا تتجاوز 16 شهراً، في حين يزيد من قدرات الطاقة الكهربائية بنسبة تصل إلى 50% دون التسبب بأي انبعاثات كربونية إضافية.
ويمكن لتحديثات التوربينات الغازية على غرار حلول مسار الغاز المتقدم من "جنرال إلكتريك" تحسين قدرات التوربينات الغازية على توليد الطاقة وتعزيز كفاءتها ومرونتها وتوافرها عند الطلب، مع الحد من الأثر البيئي.
ويجري تركيب هذا الحل في قطر ضمن أربعة توربينات غازية من طراز 9F في أحد المصاهر. ومن المرجح أن يساعد في زيادة الطاقة الكهربائية المولدة بما يصل إلى 96.7 ميجاواط بالمجمل مع تقليل الانبعاثات الكربونية بذات المعدل بما يصل إلى 67 ألف طن سنويا.
تطوير الإمكانات للمستقبل
إن التوربينات الغازية ليست مجرد وسيلة للتحول بقطاع الطاقة، بل تعتبر تقنية يتعين استهدافها نظراً لقدرتها على لعب دور حيوي في تأسيس اقتصادات صفرية الانبعاثات الكربونية في المستقبل عبر مسارات توليد الطاقة باستخدام الهيدروجين، وتقنيات استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه. فبناء محطة للطاقة الغازية اليوم لا يعني بالضرورة استمرار الانبعاثات الكربونية عند مستواها الأصلي طيلة حياة المشروع، بل إن هذه الانبعاثات قابلة للتقليص أيضاً باستخدام الوقود المناسب.
وأعلنت دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها السعودية والإمارات وقطر عن إطلاق مشاريع الهيدروجين الأخضر والأزرق. وفي ضوء احتياطاتها الهيدروكربونية الوفيرة، وخزانات النفط والغاز المستخدمة لتخزين الكربون بأمان، ووصولها اليسير إلى البحر، وإمكاناتها الهائلة من الطاقة المتجددة، تتمتع المنطقة بمؤهلات كبيرة لتحقيق الريادة العالمية في إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون والذي يمكن استخدامه بمفرده أو بمزجه مع الغاز الطبيعي لتشغيل محطات الطاقة الجديدة أو المرافق المعدلة.
ويجري استخدام الهيدروجين بالفعل لتوليد الطاقة، حيث يعمل أكثر من 100 توربين غازي من "جنرال إلكتريك" بمزيج الوقود الذي يضم الهيدروجين، بإجمالي ساعات عمل يتجاوز 8 ملايين ساعة حول العالم.
ويتم نشر تقنيات استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه في دول مجلس التعاون الخليجي، وتبرز في قطاعات أكثر من غيرها على غرار قطاع النفط والغاز. ومن خلال إضافة هذه التقنيات إلى محطات توليد الطاقة العاملة بالغاز، يمكن توليد الطاقة حسب الطلب بانبعاثات كربونية منخفضة للغاية.
ويضيف سترازيك: "ينبغي على كلتا التقنيتين التطور لتلبية متطلبات سعة الانتشار والتكلفة المنافسة، الأمر الذي سيساعد في تحقيق أهداف الانبعاثات الكربونية الصفرية. لذلك تستثمر ’جنرال إلكتريك‘ في البحوث والشراكات لتحويل ذلك إلى واقع ملموس".
إلى جانب إعادة تقييم مزيج الوقود المناسب وحلول توليد الطاقة المختلفة، فإن إزالة الكربون من قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي تتطلب تعزيز أنظمة شبكات نقل وتوزيع الطاقة، وإدخال حلول رقمية جديدة لتحسين قدرات الاتصال ومراقبة الشبكات وموثوقيتها ومرونتها مع إضافة مصادر جديدة ومتنوعة لتوليد الطاقة.
وكما أوضحت دراسة "جنرال إلكتريك" البحثية، يتعين صياغة واعتماد المزيد من المحفزات والسياسات لتحسين كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها. كما سيكون الوصول المناسب لقنوات التمويل الكافية عنصراً حاسماً لتفعيل تحول قطاع الطاقة في المنطقة. وسيتطلب ذلك الحصول على تمويل من مصادر أخرى بعيداً عن الحكومة، بما يشمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والمشاريع القائمة على الصكوك، ووكالات ائتمان الصادرات والوسائل الأخرى.
إن تحقيق التوازن بين الطاقة الموثوقة والمستدامة وذات التكلفة المعقولة يتطلب إدخال العديد من التقنيات واستخدام أنواع مختلفة من الوقود وتبني منهجيات العمل المبتكرة. ويوضح سترازيك بأنه يتعين على بلدان العالم تبني التزام مشترك للارتقاء والتحول بقطاع الطاقة باستخدام الحلول المتاحة اليوم وليس تلك التي ننتظرها في المستقبل.
ويختتم سترازيك قائلاً: "من خلال التفاني في العمل اليوم، يمكننا تحقيق الأهداف المناخية العالمية وضمان وصول الطاقة الكهربائية للجميع وتقديم الكهرباء الضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، ليرث أبناؤنا وأجيال المستقبل عالماً في غاية الأمان والاستدامة".