الشعارات الرنانة .. لن تمد العالم بالطاقة
في ظل التحرك الدولي اللافت والزخم الإعلامي القوي حول تغير المناخ، تظهر على السطح تساؤلات مشروعة حول هذه القضية وحول التعاطي معها. هل يقف العالم فعلا على حافة الهاوية بسبب تغير المناخ؟ هل وضع الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط في قفص الاتهام هو الحل؟ وهل تقويض صناعة المنبع تصب في مصلحة العالم واقتصادياته؟ كيف تتعاطى الدول مع هذا التوجه وتتعامل معه؟ أرى أن هناك تباينا كبيرا في التعاطي الدولي والإعلامي حول آثار تغير المناخ في البيئة، فهناك من يحذر بشدة أنها الفرصة الأخيرة لإنقاذ العالم من تبعاته، وأن مدنا حول العالم ستختفي بسبب ارتفاع منسوب المياه الناجمة عن الاحتباس الحراري، ما يعني انهيار النظام البيئي للمحيطات خلال العقد الحالي كما يرى بعضهم. بل ذهبت بعض الدراسات الاستشرافية إلى أن 73 في المائة من الأنواع البيولوجية مهددة بعواقب كارثية إذا ما استمر ارتفاع درجات الحرارة على هذا النحو.
في المقابل هناك من ينظر إلى قضية تغير المناخ برمتها أنها ليست إلا مؤامرة تستهدف منتجي الوقود الأحفوري فقط، وليس لها أي أساس علمي، وتنطلق من أجندات سياسية واقتصادية تخدم بعض الدول.
هذا التباين الكبير في الطرح حول هذه القضية التي أشغلت العالم، وأصبحت حديث جميع وسائل الإعلام والمؤتمرات الدولية بل مجالس الأفراد، هذا التباين الواضح في رأيي أثار الشك والريبة في أذهان شريحة من المتلقين، فأصبحوا ينظرون إلى القضية أنها ملف آخر من الصراعات الدولية الذي تحركه المصالح الشخصية اقتصاديا وسياسيا! بين هذا التباين الجلي في التعاطي مع هذه القضية، وبين الأصوات المفرطة والمفرّطة فيها، نجد هناك أصواتا معتدلة تتعامل مع هذا الملف بمسؤولية والتزام بعيدا عن الشعارات الرنانة وأصابع الاتهام وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
تعي المملكة يقينا أن ديمومة الإمدادات وموثوقيتها هي جوهر أمن الطاقة العالمي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال المساس به أو تقويضه تحت أي ذريعة، أو تحت مظلة أي قرارات تخدم أجندات معينة وإن كانت مدفوعة بنيات حسنة تهدف إلى حماية البيئة كما يعتقدون. عليه تدرك السعودية وتعمل بكل توازن على التنويع بين مصادر الطاقة ورفع كفاءة إنتاجها واستهلاكها دون تهميش أو التقليل من دور الوقود الأحفوري.
الجدير بالذكر أن الظروف الطبيعية والفنية التي تؤثر في إمدادات الوقود الأحفوري تنسحب أيضا على طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية وغيرها، وعليه تنويع مصادر الطاقة هو الخيار الاستراتيجي الأمثل لحماية الأمن الطاقي العالمي، لا بتقويض صناعة المنبع ووقف الاستثمارات الجديدة في أنشطة التنقيب! العلاقة بين مصادر الطاقة هي علاقة تكاملية، وستبقى كذلك في اعتقادي إلى أمد بعيد، وتغييب هذه الحقيقة أو التغافل عنها لخدمة أجندات معينة سيؤدي مستقبلا لا قدر الله إلى شح في الطاقة وارتفاع لأسعار منتجاتها إلى أرقام ستفاجئ بعض منظري حماية البيئة.
القضايا المحورية التي تؤثر في العالم بأسره بصورة مباشرة وغير مباشرة وعلى رأسها الطاقة شريان الحياة وقلب التطور النابض هي مسؤولية الجميع دون استثناء من منتجين ومستهلكين قولا وفعلا، فالشعارات الرنانة لن تمد العالم بالطاقة، ولن تحافظ على إمدادات موثوقة لها.