5 قصص قصيرة تجسد «الوهم» في رواية

5 قصص قصيرة تجسد «الوهم» في رواية
الكاتبة نرمين الخنسا
5 قصص قصيرة تجسد «الوهم» في رواية
غلاف القصص.

"وهم".. هو نفق مظلم مليء بالأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تتحول في برهة عند الواهم إلى حقائق يبني عليها تفاصيل حياته، ولقد تباحث الفلاسفة والعلماء في الوهم. فبحسب نيتشه "هو كل ما أنتجه الإنسان من معارف ناتجة عن رغبته اللا شعورية في البقاء، بحيث تقدم له الأوهام على أنها حقائق، ويكون مصدرها الفكر"، وهذا ما حاولت نرمين الخنسا، الكاتبة اللبنانية ورئيسة اللجنة الثقافية في النادي الثقافي العربي وعضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين، تجسيده في خمس قصص قصيرة، كل قصة تحمل بين ثناياها وهما يتطابق مع حالات نعيشها بشكل يومي.

بورتريه .. وهم الموت

في قصة "بورتريه" تبحث رنا الفنانة والرسامة التشكيلية عن اهتمام من أقرب الناس اليها بأعمالها الفنية، تنقب عن إطراء من خطيبها حول رسوماتها، لكنها عبثا تحاول. زارت في يوم من الأيام معرضا للمصورين الفوتوغرافيين فاستوقفها ركن يحوي مجموعة صور في معظمها "بورتريه" بالأبيض والأسود، وقد انحصرت بمجملها في وجوه مسنين هزمهم العمر وعبث الزمن بهم وبتفاصيل ملامحهم. شاءت الصدف أن تتعرف على كريم صاحب تلك الصور، وتطورت العلاقة إلى أن أصبحت متيمة به، لكن الوهم كان حاضرا بقوة في هذه العلاقة، فهي موجودة وكريم كذلك، لكن الشخصية الحقيقية لصاحب الصور كانت الوهم، فتمزقت الصورة وضاعت في حبال المجهول.

صاحبة الفستان الأحمر تعيش في الخيال

بدأت بعدها الكاتبة نرمين الخنسا بقصة "الفستان الأحمر". البطلة في هذه القصة امرأة تدعى هيام، تزوجت برجل يدعى أمين يكبرها بـ35 عاما، إرضاء لوالدها وزوجته. "عاشت حياة مستورة معه لكنها دائما كانت كفتاة حالمة تبحث عن شاب تعيش معه مراهقتها.. كانت كل يوم بعد وجبة الغداء تسترخي بهدوء على الكرسي، تغمض عينيها وتغوص في أعماق ذاتها، يتسع فضاء السكون داخلها، تركب قطار ذكرياتها، تسافر إلى ماض قريب، تنبش ركامه، تلملم ما سلم منه من لحظات دافئة، تخبئها في عبء عمرها الثلاثيني وتهرب بها سريعا إلى سفح حاضرها. تلتقط أنفاسها تعود للغوص مجددا خلف لحظة رسمت لحياتها مسارا مختلفا، قادها نحو واقع لم تستطع يوما التعايش أو التماهي معه، ولم تقو مرة على الفرار منه أو التفلت من قيوده"، لكن تلك اللحظات كانت وهما، فأين هو ذاك الرجل الذي كانت تسافر معه نحو الفضاء الرومانسي؟!

ورد .. أقرب إلى الحقيقة

بعد أوهام رنا وهيام، جاءت الشاعرة ورد لتكون قصتها أقرب قصة إلى الواقع، حيث نجدها يوميا عند مئات المتزوجات، فالشاعرة ورد تعرفت إلى عازف يدعى مجد، وعاشت معه قصة حب رغم أنه متزوج، وبعد أن انصهرت ورد في العلاقة وبدأت تتضايق من زوجته وضع هو حدا لتلك الأوهام، فكتبت له إهداء على روايتها قالت فيه "الأحاسيس ليست لكي نعتقها ونحفظها في الأقبية الباردة"، ليأخذ منها القلم، ويقول "لا تكتمل العبارة إلا بوضع نقطة في آخر السطر، اسمحي لي أن أضعها أنا"، وكانت هذه نقطة النهاية.

أم توفيق والباب المشقوق

فتحت الكاتبة نرمين الخنسا الباب المشقوق في قصتها الرابعة، حيث خصت بها أم توفيق بحكاية ألقت الضوء من خلالها على المسنين وهجرة أبنائهم لهم. أم توفيق هي امرأة عجوز هجرها أولادها إلى بلجيكا، وفي كل يوم كانت تتأمل عودتهم، وعاشت على تلك الأوهام إلى أن ماتت وحيدة. تقول أم توفيق لخطيبة حفيدها عندما التقتها "هني ليش قاطعوني وحرموني من شوفتهم من سنين وسنين، نسيو انو عندهم أم؟"، وعلى أمل أن يعودوا كانت تعيش أم توفيق حتى إنها اشترت لهم كل مستلزمات المنزل، ظنا منها أنهم سيعودون، لكنها رحلت قبل أن تحقق حلمها.

الخوف من الموت

في القصة الخامسة والأخيرة التي تحمل عنوان "خمسة وأربعون" تحكي نرمين قصة فراس الذي اعتقد أنه سيموت في عامه الـ45، هذا الاعتقاد غير مجرى حياته، انفصل عن خطيبته وقبل ليال قليلة جهز نفسه، "لم يعد هناك من تاريخ في هذا الدفتر سوى الليلة، الليلة ينتهي مشواري في هذه الحياة، أودع العالم وأنا أحتفي بانتهاء عامي الـ45، استحممت وحلقت ذقني، وها أنا متمدد في سريري أسمع الموسيقى وأنتظر بكل هدوء الطائر الأسود الكبير"، فهل الوهم تحول إلى حقيقة عند فراس؟

النهايات الحزينة

لقد بدا واضحا في القصص الخمس النهايات الحزينة، وبحسب رأي الكاتبة ترمين الخنسا "إن النهايات في الفن القصصي والروائي لها صلات مباشرة وغير مباشرة بخطوط البدايات، وبتفاصيل الحكايات، وأضافت في حديث خاص لصحيفة الاقتصادية"، "إن خيوط مجموعتي القصصية "وهم" متعلقة بالحالات الوهمية، لذلك تنفصل عن الحالات الواقعية، بوجه من الوجوه. وعندما يحدث ارتطام الوهم بجدار الواقع، يكون الحزن هو النتيجة الحتمية للواهم".

الابتعاد عن التقليد

عن مواجهة رنا لكريم في قصة "بورتريه" تقول الخنسا "إن جمالية الفن الروائي تكمن في أن الأحداث تكون مفتوحة على احتمالات غير تقليدية، وعلى استنتاجات متعددة تحفز المتلقي كي يستنتج بذهنه النهاية التي يبحث عنها. فلو واجهت رنا كريم باكتشافها أنه يعيش في شخصية أخيه التوأم الذي مات، وأنه يتوهم سلوكه ويمتهن مهنته، لكانت نهاية القصة تقليدية لا تحمل أبعادا رمزية وعاطفية مرتجاة. لهذا السبب ارتأيت ألا تواجه رنا كريم، كي تبقى نهاية القصة قابلة للفرضيات التي تفصل بين الحقيقة والوهم".

حبيب من الخيال

عن قصة "الفستان الأحمر" تقول الخنسا "إن هيام عاشت وهم الحب وخيانة الزوج مع الجار. ولا شك أن تلك الحالة ناجمة عن حاجة عاطفية لم تجدها عند أحد ولا سيما عند زوجها العجوز. لذلك وبشكل لا إرادي استولدت لنفسها حبيبا من الخيال أقامت معه علاقة عاطفية وهمية، أسعدتها وأبعدتها لأشهر طويلة عن واقعها المرير".
وفي ردها على سؤال حول أفكار القصص قالت الخنسا "إن قصصي أستلهمها دوما من المجتمع اللبناني وعاداته ومن مجريات الأحداث التي تمر بالدولة، وهي أحداث متتالية تحمل دوما معها متغيرات مختلفة".

فن الرواية .. عالميا وعربيا

تطرقنا خلال الحديث مع الكاتبة عن رؤيتها لفن الرواية في العالم، حيث أكدت أن الفن الروائي أخذ مكانة عالمية عالية بدءا من القرن الـ20 إلى يومنا هذا، وقد تمكن هذا الفن من منافسة الفلسفة والشعر والمسرح، ولا يزال هو المنافس الأول لكل الفنون".
وفي ختام اللقاء تحدثت عن الروائيين العرب قائلة "إن معظم الروائيين العرب قدموا لمجتمعاتهم ولشعوب العالم، أعمالا رائدة، عكست الحضارة العربية وقضايا التاريخ والتراث والعادات والمعتقدات، انعكاسا بليغا، وجعلت البلاد الأجنبية تسارع إلى ترجمة هذه الأعمال إلى لغات مختلفة، وبالنسبة إلي لقد كنت دوما ولم أزل معجبة بالروائي الكبير نجيب محفوظ".

الأكثر قراءة