رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تحول منهج سياسة النمو «1من 2»

لطالما اعتمدت سياسة التنمية على نوعين من النهوج. ويستهدف الأول الفقراء بصورة مباشرة، ويسعى إلى التخفيف من فقر فرادى الأسر المعيشية من خلال دعم الدخل، والتدخلات في مجالي الصحة والتعليم، وتحسين فرص الحصول على الائتمان. ويركز النهج الثاني على تعزيز الفرص الاقتصادية ورفع الإنتاجية الإجمالية - من خلال اعتماد سياسات الاقتصاد الكلي والتجارة أو القيام بإصلاحات قانونية وتنظيمية على المستوى الاقتصادي. ويمكنك أن تسمي النهج الأول سياسة اجتماعية والثاني سياسة تنموية.
ويعد هذان النوعان من السياسات مكملان بصورة عامة. فالنمو الإجمالي قد لا يساعد الجميع دائما، خاصة الفقراء منهم. ومن ثم، ستكون برامج مكافحة الفقر ضرورية حتى عندما تؤدي سياسة النمو وظيفتها بالصورة الصحيحة. ولكن، أحيانا، ينظر إلى السياسات الاجتماعية وسياسات النمو على أنها بدائل.
فعلى سبيل المثال، مكن الاستخدام المتزايد لتجارب السياسات العشوائية المحللين من تطوير أدلة سببية بشأن السياسات الاجتماعية - مثل المنح النقدية أو التدخلات في مجالي التعليم والصحة - بطرق نادرا ما تكون ممكنة مع سياسات الاقتصاد الكلي أو السياسات الشاملة للاقتصاد ككل. وقد أدى هذا بدوره إلى قيام عديد من الأكاديميين والممارسين بتقليل الأهمية العملية لسياسة النمو مقارنة بالسياسة الاجتماعية.
وهذا خطأ، لأن المحددات الحقيقية للفقر قد تكون على مسافة ما من الأسر والمجتمعات الفقيرة. وتتطلب التنمية الاقتصادية وظائف منتجة غير زراعية. وقد تؤدي زيادة فرص العمل في المدن وتشجيع الهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية إلى زيادة الدخل بفاعلية أكبر من مساعدة الناس على أن يصبحوا مزارعين أفضل أو تزويدهم بمنح نقدية.
وفي الواقع، جرت العادة أن يكون التصنيع ضروريا للحد من الفقر. صحيح أنه غالبا ما تستغرق فوائد النمو الاقتصادي القائم على التصنيع وقتا طويلا لتصل إلى الفئات الفقيرة من المجتمع. فخلال الثورة الصناعية في بريطانيا، تحسنت الظروف المعيشية لعمال المدن ببطء شديد، هذا إن حدث تحسن أصلا، لما يقرب من قرن إلى أن أدى ظهور النقابات العمالية والتغييرات المؤسسية الأخرى إلى تصحيح اختلال توازن القوى مع أرباب العمل. ولكن التصنيع السريع الموجه نحو التصدير الذي شهدته أخيرا نمور شرق آسيا والصين قد اختصر هذه العملية، وأنتج معجزات للحد من الفقر إلى جانب معجزات لتحقيق النمو.
وهناك بوادر تدل بوضوح على أننا ندخل الآن حقبة جديدة لن يكون فيها التصنيع فعالا في توزيع فوائد مكاسب الإنتاجية على مستوى الاقتصاد. فقد أدت الاتجاهات العالمية في مجال الابتكار إلى الحد بصورة كبيرة من قدرة الصناعات التحويلية على استيعاب العمال ذوي المهارات المتدنية. وقد انخفضت حصة العمالة في القيمة المضافة بسرعة في هذه الصناعات، ولا سيما بالنسبة لتلك الفئة من العمال.
ورغم أن العولمة أدت إلى تسريع انتقال التصنيع من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات النامية، فقد تبين أن سلاسل القيمة العالمية كانت في أفضل الأحوال وسيلة ضعيفة لإيجاد وظائف جيدة، لأنها تنقل التقنيات كثيفة المهارات ورأس المال، ولأن نموذج أعمالها يعتمد على المدخلات المستوردة وعدم التكامل مع الاقتصاد المحلي... يتبع.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي