الرياض مع "خير جليس" تسجل فصلا جديدا في عالم الثقافة والنشر
رحلة شيقة تلك التي بدأها معرض الرياض الدولي للكتاب، وانتهت سريعا كالشهاب الخاطف، ففي عشرة أيام سجلت الرحلة فصلا جديدا في عالم الكتاب ومعارض الكتب العالمية، بعد أن حضرت الثقافة بكل مكوناتها وعلى اتساع نطاقها، تمثل 16 قطاعا ثقافيا تعمل على إبرازها وزارة الثقافة، بقيادة أميرها، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، الذي زف البشرى بإعفاء دور النشر المشاركة من قيمة إيجار الأجنحة في المعرض، دعما وتخفيفا لآثار جائحة كورونا في صناعة النشر.
تلك التسهيلات سبقتها حزمة غير مسبوقة شملت تحمل كامل تكاليف الشحن، وتوفير متجر إلكتروني لمن لا يتمكن من الحضور، ونقاط بيع إلكترونية لجميع الناشرين، ليأتي المعرض في حلته الجديدة فريدا عما سبقه من معارض، والأكبر في تاريخ معارض المملكة، استضافت من خلاله هيئة الأدب والنشر والترجمة أكثر من ألف دار نشر عربية وعالمية من 30 دولة، في جعبتها نحو مليون عنوان من الكتب. وترصد "الاقتصادية" في السطور التالية ملامح وعناوين مهمة من التجربة الاستثنائية لـ"كتاب الرياض".
الموسيقى للمرة الأولى
في مشهد لم يكن مألوفا في السابق، حضرت الموسيقى بقوة في معرض الرياض للكتاب، واستمع الزوار لأشهر المعزوفات والإيقاعات السعودية والعربية والعالمية، عبر الحفلات الغنائية، والمنصات الموسيقية التي يعزف فيها سعوديون على الآلات النفخية والإيقاعية والوترية، وهي المرة الأولى التي تحضر فيه الموسيقى في تاريخ معارض الكتب السعودية.
وضم المعرض فعاليات موسيقية لفنانين سعوديين وعراقيين، حيث يستضيف المعرض فناني العراق ومثقفيه كون بلادهم تحل ضيف شرف المعرض هذا العام، ضمن وفد كبير ترأسه وزير الثقافة والسياحة والآثار في جمهورية العراق الدكتور حسن ناظم.
وأعد المعرض السعودي لزواره، الذين غابوا عنه العام الماضي بفعل جائحة كورونا، جادة للثقافة، وهو ممر في أحد الأسواق التجارية الشهيرة المحيطة بالمعرض في "واجهة الرياض" شمال العاصمة، يحتضن 16 منصة تفاعلية تعبر عن القطاعات الثقافية كلها ومن بينها الموسيقى، كمكون ثقافي سعودي مهم تشرف عليه هيئة الموسيقى.
وتحدث موسيقيون مشاركون لـ"الاقتصادية" عن صقل خبراتهم لدى جمعية الثقافة والفنون، وعزفوا على آلات إيقاعية من الرق والطبلة والأساس والطار، وتواجدت فرقة ثانية تعزف على الآلات الوترية مثل القانون والعود والكمان، وفرقة ثالثة عزفت على الآلات النفخية مثل الناي، السكسفون، الكلارنيت، وتعزف للجمهور إيقاعات سعودية وخليجية وشرقية، وموسيقى عالمية في أجواء مسائية مبهجة.
ومثلما حضرت الموسيقى، حضر الطهي بعروضه الحية، في بادرة غير مسبوقة للمعرض، إلى جانب أركان مزجت التقنية بالثقافة، وجناح متكامل للأطفال، تهيئ مجتمعة رحلة عائلية رفقة خير جليس.
10 % ما يباع من المطبوع
على مدى يومين، حضرت "الاقتصادية" في مؤتمر الناشرين الذي صاحب معرض الكتاب ويقام للمرة الأولى في المملكة، وفيه كشف الناشرون السعوديون والعالميون مجموعة من الأرقام التي تلخص واقع النشر، وتطرح همومه وتحدياته.
ومن جملة هذه التحديات، معوقات التوزيع وحقوق الملكية الفكرية والترجمة، وحتى الطباعة، التي تشهد منافسة مع الكتاب الإلكتروني، في وقت أكد فيه ناشرون أن من كل 100 كتاب يطبع، يباع منها عشرة نسخ فقط.
وحول هذه المعادلة بين الطباعة والبيع، أكد الناشر السعودي صافي الصافي أن من بين 100 كتاب يطبع يتم بيع عشرة كتب فقط، كنسبة سائدة، وهذا أمر طبيعي، في حين شهد مؤتمر الناشرين تصريحا لافتا للمتحدث الإعلامي للهيئة السعودية للملكية الفكرية ياسر حكمي، الذي أكد أن الهيئة أتلفت 3.5 مليون مصنف منتهك لحقوق الحماية الفكرية، توزعت بين مواد مكتوبة ومرئية وسمعية.
وكان رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان قد افتتح المؤتمر مشددا على أن صناعة النشر يجب أن تمارس بشكل تكاملي بين كل دول المنطقة، وأن تكون معارض الكتب أدوات التأثير الكبرى بوصفها منظومة متكاملة لا متنافسة بين دول المنطقة، والمستفيد منها هم الناشرون والمستثمرون والمتلقون والقطاعات غير الربحية.
ارتفاع التكاليف
وفي تحليل لتحديات عالم النشر، قال مدير النشر بشركة العبيكان محمد الفريح إن قطاع النشر السعودي يعاني ارتفاع تكاليف رأس المال والتشغيل، وعدم وجود منتجات فريدة، والمخاطر من حيث المنافسة بالسعر وليس بالجودة، وبطء اتخاذ القرار في القطاع العام.
وكان ناشرون عرب ودوليون تحدثوا عن نسبة الكتب الإلكترونية في المملكة، وعن زيادة حجم استهلاك النشر الإلكتروني عالميا باطراد، حيث تشير الإحصائيات أن 70 في المائة من الناس حول العالم يستخدمون أجهزة إلكترونية، كما يتفوق الكتاب الإلكتروني على نظيره الورقي، حيث كشفت نجاة ميلاد، مديرة إحدى دور النشر الفرنسية، عن اختراع فرنسي جديد من شأنه أن يغير مجرى وصول المعرفة للناس حول العالم، وقالت إن الاختراع عبارة عن روبوت مطبعة يجمع كل مراحل الطباعة، ومرتبط بالإنترنت ويحمل قاعدة بيانات لكل الكتب الإلكترونية، لكل الناشرين في العالم وبكل اللغات.
وأشارت إلى أن القارئ عبر هذا الروبوت (بحجم متر مربع) سيطبع كتابه بنفسه، ويوضع في الأماكن العامة مثل الفنادق والمكتبات والمطاعم ومحطات القطار وغيرها.
وحول قطاع النشر السعودي، بين مالك إحدى دور النشر خالد بامحمد أن نسبة الكتب الإلكترونية في السعودية لا تتجاوز 6 في المائة، مقارنة بـ30 في المائة في بعض دول العالم.
وأكدت بدورها نور الحسن، المدير التنفيذي لأحد دور الترجمة، أن صناعة النشر جاهزة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذا النوع من الذكاء لن يستغني عن الإنسان، بدليل أن 2020 شهد زيادة بمعدل 22 في المائة في عدد المترجمين.
الختام بالألعاب النارية وموسيقى الأوسكار
الدقائق الأخيرة لمعرض الرياض شهدت إطلاق الألعاب النارية، التي أضاءت سماء الرياض ابتهاجا بنجاح المعرض ولقاء القارئ مع الكتاب، وشهد المعرض أيضا في آخر أيامه عرضا عالميا للمؤلف والمنتج الموسيقي الألماني هانز زمر، الحاصل على جائزة الأوسكار عن أفضل موسيقى تصويرية لفيلم "الأسد الملك"، وأربع جوائز غرامي وثلاث جوائز بريت كلاسيكية وجائزتي جولدن جلوب، تميزت تجربته بتوظيف التقنية مع الأوركسترا التقليدية، والموسيقى السينمائية التي يعشقها الكثيرون ممن ضجت بهم قاعة المسرح بجامعة الأميرة نورة.
وكانت قد سبقتها مجموعة من الأمسيات، للموسيقار عمر خيرت، والفنانين عبدالرحمن محمد، ونصير شمة وسعدون جابر، إلى جانب مسرحية الكنز، ومسرحية غنائية لأميرات ديزني بطابع عالمي، لتصف هذه القوالب الإبداعية شعار المعرض "وجهة جديدة .. فصل جديد".
مناطق القراءة تغص بالزوار
خصص معرض الرياض للمرة الأولى مناطق للقراءة، يتمكن من خلالها الزوار من الجلوس ومطالعة الكتب التي اقتنوها من دور النشر، وسط أجواء وجلسات مريحة.
وحول الجلسات، أوضحت الزائرة نهلة عثمان لـ"الاقتصادية" أنها لمست تطويرا كبيرا في المعرض لهذا العام، فمناطق القراءة بجلساتها تجديد فريد في تصميم المعرض، لم يكن متاحا في السابق، ويتيح للقارئ الاطلاع على كتبه، وأخذ قسط من الراحة لحين انتهاء عائلته وأصدقائه من جولتهم المعرفية.
وأضافت أن هذه الخطوة تتجاوز المعنى الاقتصادي لمعرض الرياض للكتاب إلى المعنى والروح الثقافية التي تسعى الهيئة إلى غرسها، فالكتاب يصل مداه وتأثير الثقافي إلى آفاق أخرى ترتقي بفكر الإنسان وسلوكه وتعامله مع الآخرين.
من جهته، علق الزائر حسن عطية اليامي أن مناطق القراءة أتاحت له التعرف على أحد أندية القراءة، التي تسعى إلى تبادل المعرفة والخبرات والكتب بين أفراد النادي، وتقديم ملخصات للكتب المفيدة وتوصيات بما يجب اقتناؤه في كل تخصص.
وتابع في حديثه أن معرض الرياض أضاف أجهزة للعصائر المفيدة، ومقاهي بين دور النشر التي يصل عددها إلى ألف دار نشر، بالاستفادة من المساحات الشاسعة للمعرض بمقره الجديد في واجهة الرياض، مشيدا بجهود هيئة النشر والأدب والترجمة التي خرجت بمعرض يتجاوز التوقعات ويليق بثقافة المملكة ويمثلها خير تمثيل.