تخطي الفجوات وإزالة العقبات أمام التعافي «2 من 3»
دخل كثير من الدول الجائحة بقدر يسير للغاية من الذخيرة المالية. والآن أصبح لديها حيز أقل في موازناتها ــ وقدرة محدودة للغاية على إصدار سندات دين جديدة بشروط مواتية. وباختصار، إنها تواجه أوقاتا عصيبة وباتت على الجانب السلبي من فجوة تمويل المالية العامة. وبشأن إجراء قوي على صعيد السياسات ــ التطعيم والمعايرة وتعجيل الوتيرة إذن، كيف يمكننا إخراج هذا "الحصى" من أحذيتنا وتخطي هذه الفجوات والعقبات التي تعوق التعافي؟
الجواب هو: التطعيم، والمعايرة، وتعجيل الوتيرة.
أولا، تطعيم العالم بأسره.
لا يزال بوسعنا أن نحقق الهدف الذي وضعه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية معا ــ للوصول إلى تطعيم 40 في المائة على الأقل من سكان كل دولة بنهاية هذا العام و70 في المائة بحلول النصف الأول من 2022. لكننا في حاجة إلى دفعة أقوى.
يجب علينا زيادة الجرعات التي تصل إلى العالم النامي بصورة كبيرة. ويجب على الدول الأغنى أن تفي بالتعهدات التي قطعتها وتقديم المنح على الفور. ويجب علينا أن نعمل معا لتعزيز إنتاج اللقاحات وإمكانات توزيعه، ورفع القيود التجارية على المواد الطبية. وإضافة إلى اللقاحات، يجب علينا سد فجوة مقدارها 20 مليار دولار في تمويل المنح لأغراض إجراء الفحوص ورصد المخالطين والعلاجات.
وإذا لم نفعل، ستظل أجزاء كبيرة من العالم دون تطعيم، وستتواصل فصول المأساة الإنسانية. وذلك الأمر من شأنه تعطيل التعافي. فمن الممكن أن نرى ارتفاع الخسائر في إجمالي الناتج المحلي العالمي لتصل إلى 5.3 تريليون دولار على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
ثانيا، معايرة السياسات حسب ظروف كل دولة.
فكلما طال أمد بقاء الجائحة بيننا، طال أمد الفجوات بين الدول، وازدادت صعوبة تحديد الاختيارات على مستوى السياسات وتعددت أشكالها.
ولننظر إلى التضخم والسياسة النقدية. رغم أن البنوك المركزية يمكن ألا تلقي بالا بشكل عام للضغوط التضخمية المؤقتة وتتجنب تشديد سياستها حتى تتضح ديناميكية الأسعار الأساسية، فينبغي لها أن تكون مستعدة لاتخاذ إجراء سريع إذا تعزز التعافي بوتيرة أسرع من المتوقعة، أو أصبحت المخاطر من ارتفاع توقعات التضخم واقعا ملموسا. بعض الدول التي تواجه بالفعل ارتفاعا في توقعات التضخم وضغوطا سعرية أطول أمدا اضطرت إلى أن تلجأ إلى التشديد ــ وهو اختيار صعب وسط توقف واستئناف التعافي. ويجب ألا ننسى مراقبة المخاطر المالية ــ بما فيها المبالغة في تقييم الأصول ــ التي تختلف اختلافا شاسعا عبر الدول.
ومعايرة السياسات تعني كذلك توخي العناية في مواءمة التدابير على مستوى المالية العامة. فكلما طال أمد الجائحة، أصبحت القيود المالية أشد، ما يدفع إلى مواجهة مفاضلات صعبة بين توفير الإمدادات الحيوية للناس، وتقديم دعم قصير الأجل للاقتصاد، والمضي قدما في تحقيق الأهداف الهيكلية طويلة الأجل. والدول منخفضة الدخل تواجه تحديات جسيمة: في ظل احتياجاتها التمويلية الضخمة، وارتفاع أعباء ديونها، ثم ــ أخيرا ــ الارتفاع الحاد في تكاليف خدمة الدين. وستحتاج إلى تعبئة مزيد من الإيرادات، ومزيد من التمويل بشروط ميسرة، ومزيد من المساعدة في التعامل مع مشكلات الدين. ولمواجهة هذه التحديات، تحتاج الحكومات إلى ضمان مصداقية السياسات: إلى أطر سليمة في الأجل المتوسط لضمان إحداث التوازن الصحيح بين تقديم الدعم الآن وتخفيض الدين مع مرور الوقت ــ لاكتساب ثقة المواطنين والأسواق.
وبينما تصارع الدول الحاجة إلى تطعيم سكانها ومعايرة سياساتها، يجب عليها كذلك أن تنظر إلى المستقبل ــ ليكون أكثر اخضرارا وذكاء وإنصافا. وينقلني هذا إلى الضرورة الحتمية الثالثة على مستوى السياسات: "تعجيل وتيرة" الإصلاحات اللازمة لتحقيق التحول في الاقتصادات.
وسط كل التغيرات التي ستجتاح العالم في الأعوام ــ والعقود ــ المقبلة، نرى ثلاث قضايا ذات أولوية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي: تغير المناخ، والتغير التكنولوجي، والاحتواء.
ونحن نعلم أن مكافحة تغير المناخ مطلب حيوي من أجل حماية كوكبنا ولتحقيق الرخاء. إن التحذيرات شديدة اللهجة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي صدر أخيرا بشأنه لا تدع لنا مجالا للشك في أننا يجب أن نتحرك الآن.
وسيساعد هذا الأمر على ضمان تحقيق تحول يعود بالمنفعة على الجميع ــ ويتسم بالإنصاف. ويتيح التحول إلى اقتصاد متعاف كذلك فرصا هائلة: التحول إلى المصادر المتجددة، وشبكات الكهرباء الجديدة، وكفاءة الطاقة، والنقل . وإذا فعلنا ذلك بمزيج من سياسات التوريد، سيكون بإمكاننا زيادة إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة قدرها 2 في المائة تقريبا خلال العقد الجاري ــ وإيجاد 30 مليون وظيفة جديدة. وبطبيعة الحال، التمويل من القطاع الخاص سيكون أساسيا ــ ما يقتضي بذل جهود عالمية أقوى لتحسين البيانات والإفصاحات والتصنيفات... يتبع.