لماذا تفزع البورصات العالمية من أكتوبر كل عام؟

لماذا تفزع البورصات العالمية من أكتوبر كل عام؟
الأجواء المحيطة بشهر أكتوبر توفر مشاعر غير مريحة بالنسبة للمستثمرين.
لماذا تفزع البورصات العالمية من أكتوبر كل عام؟

إذا كنت أحد المستثمرين في البورصات العالمية أو الأمريكية تحديدا، وفي الوقت ذاته من المغرمين بمشاهدة أفلام الرعب، واعتبرت فرضا أن العام- أي عام- ما هو إلا فيلم رعب طويل، فإن ذروة الفيلم ولحظة الرهبة الحقيقية بالنسبة لك كمستثمر هي شهر تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام. إنه شهر الخوف والقلق بامتياز بالنسبة لأي مستثمر في سوق الأسهم العالمية عامة والأمريكية خاصة.
الوضع لم يختلف هذا العام، فقد افتتح الشهر على تراجع في أسعار الأسهم الجمعة الماضي، معززا معه مشاعر عدم اليقين والقلق التي تسود لدى قطاع واسع من المستثمرين، مخاوف تمتد حاليا من ارتفاع معدلات التضخم إلى احتمال الانهيار الوشيك لعملاق التطوير العقاري الصيني المثقل بالديون إيفرجراند، والآن يضاف إليها رعب انهيار سوق الأسهم، بسبب افتقاده الجاذبية القادرة على استقطاب المستثمرين إليه، وكأي فيلم ناجح تتصاعد فيه المشاهد تدريجيا لتصل إلى ذروتها الطبيعية، كان أيلول (سبتمبر) شهرا صعبا بالنسبة للأسهم العالمية، وتمهيدا للمخاوف، التي تسود دائما مع حلول تشرين الأول (أكتوبر).
ففي الشهر الماضي، برز عدد من المؤشرات الاقتصادية السلبية، كان في مقدمتها ارتفاع التضخم مدفوعا بالاختناقات الراهنة في سلاسل التوريد، وزيادة أسعار الطاقة بعد أن تجاوز سعر برميل خام برنت عتبة الـ 80 دولارا لأول مرة منذ ثلاثة أعوام.
التضخم يؤدي إلى ارتفاع عائد السندات، حيث يطلب المستثمرون بعائدات أعلى، ومع ارتفاع عوائد السندات تبدو عوائد الأسهم، ولا سيما أسهم شركات التكنولوجيا القاطرة، التي تجذب سوق الأسهم العالمية حاليا أقل جاذبية، وهذا ما حدث في الشهر الماضي، فقد انخفض مؤشر S&P 500، الذي يرصد أداء أكبر 500 شركة مسجلة في بورصات الولايات المتحدة 4.8 في المائة، أكبر انخفاض شهري له منذ آذار (مارس) 2020.
وليكتمل المشهد ويضاعف من لحظة التوتر السنوي، التي تنتاب المستثمرين مع مقدم تشرين الأول (أكتوبر)، كانت الأسواق قلقة بشأن سقف الديون الأمريكية، والذي يجب رفعه لتجنب تخلف العملاق الأمريكي سيد الدولار عن سداد ديونه.
لكن من أين جاءت دورة التوتر السنوي، التي تنتاب المستثمرين مع حلول تشرين الأول (أكتوبر). توتر وقلق بات بمقتضاهما مصطلح "تأثير تشرين الأول (أكتوبر)" مصطلحا راسخا بين المحللين الماليين في البورصات العالمية؟ هل هناك حقا حقائق اقتصادية علمية تعزز القناعة السائدة بضرورة القلق والحذر من هذا الشهر سنويا؟ أم أنه شعور مبالغ فيه ومخاوف غير مبررة كالرهاب، الذي يصيب بعضا من القطط السوداء، أو تشاؤم الآخرين من الرقم 13، إلى الحد الذي دفع بعض الفنادق إلى ألا يكون لديها غرف تحمل هذا الرقم؟
الدكتور اندروا باتيل، أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة ليدز يوضح لـ"الاقتصادية" جذور مخاوف المستثمرين من تشرين الأول (أكتوبر) بالقول "تشرين الأول (أكتوبر) شهر فريد من نوعه في الغرب، فهو شهر انتقالي يتحول فيه الخريف وبلا هوادة نحو الشتاء، ولأن الظلام يحل مبكرا فيه نسبيا، فإنه يصنع مشاعر مقبضة للنفس بعض الشيء، وهو الشهر الوحيد في العام، الذي يوجد فيه عيد ما يعرف بـ"الهالوين"، وهو عيد مليء بمظاهر الرعب وإخافة المحتفلين لبعضهم بعضا وابتزاز الحلوى بتهديدات الأذى".
ويستدرك قائلا "تلك الأجواء المحيطة بتشرين الأول (أكتوبر) توفر مشاعر غير مريحة مع الشهر عامة، بالنسبة للمستثمرين فإن الشهر يرتبط أيضا بتراجعات مالية وانهيارات في سوق الأسهم أعطت للشهر اسما سيئا لما يزيد على القرن الآن".
ذعر البنوك أو ما يعرف أيضا بذعر المصرفيين وقع في 1907 وتحديدا في الـ14 من تشرين الأول (أكتوبر)، أما في 1929 فهناك ثلاثة أيام في تشرين الأول (أكتوبر) تعرف بـ"الثلاثاء الأسود" و"الخميس الأسود"، وكذلك "الإثنين الأسود"، وكان الشهر بداية للكساد الكبير، الذي استمر لأعوام طوال خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وفي 1987 وتحديدا في 19 تشرين الأول (أكتوبر) انخفض مؤشر داو جونز 22.6 في المائة في يوم واحد، ويمكن القول بأنه أسوأ تراجع في يوم واحد تعرض له المؤشر، ولأن 19 تشرين الأول (أكتوبر) كان يوافق الإثنين، فإنه يعرف أيضا باسم "الإثنين الأسود".
ويضيف الدكتور اندروا باتيل قائلا "مؤيدو فكرة تأثير تشرين الأول (أكتوبر)، يشيرون إلى أنه الشهر، الذي حدثت فيه بعض من أسوأ الانهيارات في تاريخ سوق الأسهم، لكن الأدلة الإحصائية لا تدعم القناعة السائدة لدى البعض بانخفاض تداول الأسهم في تشرين الأول (أكتوبر) دائما، إلا أن التوقعات النفسية لتأثير الشهر لا تزال قائمة".
يشير عديد من الدراسات إلى أن هناك مبالغة، فيما يعرف بـ"تأثير تشرين الأول (أكتوبر)"، والتركيز على الأيام ليس له دلالة إحصائية، وفي الواقع، فإن الأرقام تشير إلى أن أيلول (سبتمبر) يشهد هبوطا في أداء البورصات أكثر من تشرين الأول (أكتوبر)، ومن ثم فإن الشهر يكون عادة نهاية لمرحلة هبوط موجودة في الأسواق، وليس بداية للهبوط، وإذا كان المستثمرون ينظرون إلى الشهر من منظور سلبي، فإنه يصنع بذلك فرصا طيبة لشراء الأسهم، حيث الأسعار متراجعة.
ولكن ما الذي حدث في تشرين الأول (أكتوبر) الأعوام الثلاثة 1907 و1929 و1987، وتشير كتب التاريخ الاقتصادي إلى أن ذعر البنوك في تشرين الأول (أكتوبر) 1907 كان أزمة مصرفية ومالية قصيرة الأمد في الولايات المتحدة الأمريكية استمرت لأسابيع معدودة، لكنها تركت بصمة هائلة على النظام المالي الأمريكي، وأسفرت في نهاية المطاف عن تأسيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
تلك الأزمة لم تكن إلا نتاج انهيار استثمارات المضاربين عالية الاستدانة، تلك الاستثمارات، التي تمت دون أن يكون لها أسس اقتصادية سليمة، روجت لها سياسة التمويل السهلة، التي اتبعتها وزارة الخزانة الأمريكية لأعوام، ولم يكن لدى الولايات المتحدة حينها بنك مركزي، وكانت وزارة المالية الأمريكية قد انخرطت في الأعوام السابقة لذعر البنوك في عملية شراء واسعة النطاق للسندات الحكومية (يتكرر المشهد حاليا عبر سياسة التيسير الكمي)، وألغت المتطلبات بأن تحتفظ البنوك باحتياطيات مقابل ودائعها الحكومية، ما أدى إلى التوسع في المعروض من النقود والائتمان في جميع أنحاء الولايات المتحدة وزيادة المضاربة في سوق الأسهم.
شجعت تلك السياسة البنوك والشركات الائتمانية في نيويورك على تمويل الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر، والإفراط في عملية الإقراض والتمويل أسفر مع مرور الوقت عن نقص في السيولة، خاصة مع سحب البنوك الصغيرة في الولايات ودائعها من بنوك نيويورك.
ولكن لا يعرب عديد من محافظي البنوك المركزية والخبراء الاقتصاديين في الوقت الحالي عن تذمرهم من السياسات الأمريكية والدولية الراهنة، التي تتسم بسهولة الاستدانة وانخفاض أسعار الفائدة.
الدكتورة كريستين ماك دين، أستاذة مادة النقود والبنوك في جامعة أدنبرة ترى أن المشهد الاقتصادي الأمريكي وطبيعة الاقتصاد الدولي مختلفة تماما عما كان عليه الوضع 1907. وتقول لـ"الاقتصادية"، "في ذلك الوقت لم يكن لدى الولايات المتحدة بنك مركزي، الذي بات يعرف لاحقا باسم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فعندما حدثت الأزمة أو الذعر بين البنوك تدخل كبار الممولين مثل بنك جي بي مورجان ووضعوا أموالهم على الطاولة لإنقاذ بنوك "وول ستريت" والمؤسسات المالية الأخرى، ونتيجة ذلك وضع أسس النظام الاحتياطي الفيدرالي".
وتضيف: "ذعر المصرفيين 1907 كشف عن ثغرات هائلة في النظام المالي الأمريكي، فقانون البنوك الوطني الأمريكي الصادر 1864 لم يشمل جميع البنوك، ولم يكن هناك بنك مركزي يضبط الإيقاع المصرفي، ولهذا كان لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ثلاثة أغراض عند تأسيسه، العمل كملاذ أخير في عملية الإقراض، العمل كوكيل مالي للحكومة الأمريكية، العمل كغرفة مقاصة".
وحول أزمة 1907 وتشرين الأول (أكتوبر) تقول، نعم الأزمة وقعت في تشرين الأول (أكتوبر) لكن العوامل المحفزة حدثت قبل ذلك، وفي الحقيقية، فإن الأزمة كان يتوقع أن تنفجر في مارس من ذات العام، ولكن الأمر تطلب بعض الوقت لتتقلص ثقة المستثمرين في الشركات الائتمانية، ووصل الأمر إلى الذروة في ذات الشهر.
مرة أخرى يكرر التاريخ نفسه وفي تشرين الأول (أكتوبر) أيضا، ففي الخميس الموافق 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1929 بدأ المستثمرون القلقون في بيع الأسهم المبالغ في تقييمها بشكل جماعي، وفي يوم واحد تم تداول 12.9 مليون سهم، رقم لم يحدث من قبل في البورصة الأمريكية، وكان كفيلا بانهيارها، خرجت العناوين الرئيسة للصحافة الأمريكية والعالمية في اليوم التالي متشحة بالسواد، وتحمل عنوان "الخميس الأسود"، خمسة أيام وتحديدا في الثلاثاء الموافق 29 تشرين الأول (أكتوبر).
وتم تداول نحو 16 مليون سهم بعد موجة جديدة من الذعر اجتاحت "وول ستريت"، وخسرت السوق في هذا اليوم 14 مليار دولار، وانتهى "الثلاثاء الأسود" والملايين من أسهم الشركات الأمريكية بلا قيمة، أما المستثمرون، الذين اشتروا الأسهم عبر الاقتراض، فإن الأمر لم يقف عند حدود القضاء عليهم ماليا، بل أقدم بعضهم على إنهاء حياته انتحارا هربا من الإفلاس.
بحلول نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 1929 انهارت سوق الأوراق المالية، ما أدى إلى محو 40 في المائة من قيمة أسهم الشركات الأمريكية، كان الانهيار يعني إصابة الاقتصاد الأمريكي بالشلل، لأنه لم يقتصر على قيام المستثمرين الأفراد بوضع أموالهم في الأسهم، بل قامت الشركات بالاستثمار في البورصة أيضا، عندما انهارت سوق الأوراق المالية، لم يفقد الأفراد أموالهم فحسب، بل فقدت الشركات أموالها أيضا، وخسر المستهلكون أموالهم بسبب أن البنوك استثمرت تلك الأموال دون إذنهم أو علمهم
الباحث في الاقتصاد الأمريكي ارثر جونير يلخص للاقتصادية أسباب الانهيار الاقتصادي في تشرين الأول (أكتوبر) 1929 قائلا: "إدارات الشركات حافظت على الأسعار مرتفعة لتضخيم الأرباح مع إبقاء الأجور وأسعار المواد الخام المحلية ثابتة، والنتيجة أن الطبقة العاملة والفلاحين لم يستفيدوا ماديا من زيادة أرباح الشركات، لهذا تراجع مستوى القدرة الشرائية للقطاع الأكبر في المجتمع، ولم يكن لدى المستهلكين نقود كافية للقيام بشراء ما تنتجه المصانع والمزارع، باختصار لم يكن هناك توزيع عادل للدخل قادر على الحفاظ على الازدهار الاقتصادي المتحقق".
وقبل تشرين الأول (أكتوبر) 1929 كان هناك استثمارات كثيفة وبمعدلات عالية زادت من القدرة الإنتاجية للمصانع، ومن ثم تشبع الاقتصاد، ولم تساعد السياسات الحكومية حينها على زيادة القدرة الشرائية لدى المواطنين، ما أدى إلى تكدس ضخم للمنتجات.
الأرباح الضخمة، التي حققتها الشركات قبل الكساد الكبير لم تجد قنوات لتصريفها، ولم يكن هناك من وسيلة لذلك غير المضاربة، ومن ثم شهدت البورصة منافسة عنيفة لشراء الأسهم بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية.
عندما وقع "الخميس الأسود" أراد رجال الأعمال إنقاذ أنفسهم، فقتلوا النظام ذاته، ففقدان الثقة أخطر ما يتعرض له النظام الاقتصادي، وهذا ما حدث، فقد رجال الأعمال الثقة بالنظام، فأرادوا الفرار منه، وإنقاذ أنفسهم بكسر القيود، التي تربطهم به وهي الأسهم، فجعلوا الأمر أسوأ، وفقدت البورصة والنظام الرأسمالي القدرة على التعافي ولم يكن هناك من بديل غير انهيار
السياسات الضريبية، التي ساعدت على زيادة الادخار، والسياسات النقدية المرتبكة، والسياسات المتساهلة مع الاحتكارات أسهمت في التركيز الاقتصادي، وجمود الأسواق، كل هذا صنع أرضية للكساد الكبير، ولأن النظام العالمي كان يعتمد على الذهب، عبر تبادل ثابت لأسعار صرف العملات، فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة امتد إلى باقي أنحاء العالم، ليصبح الكساد الأمريكي كسادا عالميا.
ورغم هذا يؤكد إرثر جونير أن وقوع الأزمة في تشرين الأول (أكتوبر) لا يعني كثيرا، لأن الانهيار بدأ فعليا في فبراير 1929 عندما رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، وحظر الاقتراض لشراء الأسهم، لكن طبيعة عمل الميكنزمات الاقتصادية يتطلب بعض الوقت لتظهر النتائج.
يستخدم تعبير "الإثنين الأسود" في أغلب الأحيان للإشارة إلى ثاني أكبر انخفاض في النسبة المئوية ليوم واحد في تاريخ سوق الأسهم الأمريكية، والذي حدث في 19 تشرين الأول (أكتوبر) 1987، ففي هذا اليوم انخفض مؤشر داو جونز بنحو 23 في المائة، أما مؤشر S&P500 فتراجع بما يزيد على 20 في المائة قليلا، واستغرق الأمر عامين حتى يستعيد مؤشر داو جونز خسائره.
وكانت سوق الأسهم سوقا صاعدة جذابة، وذات بريق خاص قادر على استقطاب رؤوس الأموال لمدة خمسة أعوام متتالية، ومنذ بداية العام حتى لحظة الانهيار ارتفعت سوق الأسهم بما يوازي 43 في المائة، ووصل إلى ذروته في أغسطس، وعلى الرغم من أن الأسواق ظلت بعد الذروة، التي وصلتها في أغسطس تحقق نطاق تداول منخفض حتى 2 تشرين الأول (أكتوبر)، فإن الثقة بقدرة الأسواق على استعادة عافيتها كانت تسود لدى المستثمرين، لكنها تبخرت بعد الثاني من تشرين الأول (أكتوبر)، حيث بدأ الانخفاض السريع، وخلال الأسبوعين السابقين للإثنين الأسود بلغت خسائر سوق الأسهم الأمريكية 15 في المائة، مرة أخرى يرى الخبراء الاقتصاديون أن الأزمة تقع عند فقدان المستثمرين الثقة بالنظام.
وتشير الدكتورة مارجريت جورج، أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة لندن إلى النتائج، التي خلصت إليها لجنة الأوراق المالية والبورصات حول أسباب تلك الأزمة الاقتصادية تعلق قائلة: "كانت فترة الثمانينيات من القرن الماضي فترة فضائح متعلقة بعمليات الاندماج والاستحواذ، وكان الكونجرس يرغب في تمرير قانون لتنظيم الأسواق، واحتوى هذا القانون على اقتراح إلغاء الخصم الضريبي للقروض المستخدمة لتمويل عمليات الاستحواذ على الشركات".
وأضافت: "قدم هذا القانون لأول مرة للكونجرس في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1987 وتم تمريرة 15 تشرين الأول (أكتوبر)، في تلك الأيام الثلاثة، وعلى الرغم من رفع فقرة الخصم الضريبي ساد شعور بالقلق، وانخفضت أسعار الأسهم 10 في المائة، أكبر انخفاض في ثلاثة أيام في نصف قرن، وكانت الأسهم الأكثر انخفاضا هي أسهم الشركات التي كان من الممكن أن تكون المتضرر الأكبر من هذا التشريع".
لكن كثيرا من الأدبيات الاقتصادية تحمل وزير الخزانة حينها جيمس بيكر مسؤولية الأزمة بإعلانه في 16 تشرين الأول (أكتوبر) أنه سيترك قيمة الدولار تنخفض، على أمل أن يجعل الأسهم أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، لكن ما حدث هو العكس، إذ عد حاملو الأسهم أن ذلك مؤشر على هشاشة الاقتصاد الأمريكي فأسرعوا بالتخلص مما لديهم من أسهم.
لكن بفضل الضخ المالي، الذي قام به الاحتياطي الفيدرالي للبنوك الأمريكية استقرت الأسواق، ورغم التحسن النسبي في وضع مؤشرات البورصة الأمريكية، فإن تلك الأزمة كانت تدريبا أوليا على أزمة المدخرات والقروض، التي صفعت الاقتصاد الأمريكي بعد عامين والركود الذي أصاب الاقتصاد الدولي 1990-1991.
على أي حال التحليلات الاقتصادية لا تدعم فكرة "تأثير تشرين الأول (أكتوبر)"، فجميع العوائد الشهرية لتشرين الأول (أكتوبر) على مدار قرن لا تساند المخاوف السائدة تجاه هذا الشهر، أو النظر إليه باعتباره شهرا خاسرا في المتوسط، نعم.. بعض الأحداث الاقتصادية الكبرى والمؤلمة وقعت فيه، بحيث تركت ندبات في الذاكرة، لكن الأسواق انهارت أيضا في أشهر أخرى غير تشرين الأول (أكتوبر).
ويتمتع المستثمرون اليوم بذاكرة أفضل، ورغم الانهيارات والأزمات المالية والاقتصادية العديدة، التي حدثت، تبقى انهيارات تشرين الأول (أكتوبر) في الذاكرة، لأنها نالت لقب "الخميس الأسود" و"الثلاثاء الأسود" و"الإثنين الأسود"، لهذا تبقى عالقة في الذاكرة بصورة أقوى، فبنك ليمان برارز انهار الإثنين 15 سبتمبر 2008، مفجرا أزمة مالية عالمية استمرت عقدا كاملا من الزمان دون خروج كامل منها، لكن وسائل الإعلام لم تتعامل معه بصفتها يوما أسود.
اليوم يسعى "وول ستريت" وبعض وسائل الإعلام الأكثر رزانة وعلمية في الخروج من أساطير الفزع المرتبطة بتشرين الأول (أكتوبر) لإعادة الطمأنينة للمستثمرين بأن الكوارث الاقتصادية تحدث عند فقدان الثقة بالمنظومة القائمة، سواء حدث ذلك في تشرين الأول (أكتوبر) أو أي شهر آخر.

الأكثر قراءة