سباق محتدم بين الشركات للانضمام لنادي التريليون دولار .. المؤسسات المالية في مواجهة «التكنولوجيا»

سباق محتدم بين الشركات للانضمام لنادي التريليون دولار .. المؤسسات المالية في مواجهة «التكنولوجيا»
"كويشو موتاي" الصينية تتمتع بعلاقات قوية مع الأسواق الصينية.
سباق محتدم بين الشركات للانضمام لنادي التريليون دولار .. المؤسسات المالية في مواجهة «التكنولوجيا»
تعد "تسلا" للطاقة واحدة من أكبر الموردين العالميين لأنظمة تخزين بطاريات الطاقة.

ما الشركة المقبلة، التي يمكن أن تصل قيمتها إلى تريليون دولار؟ يحتل هذا السؤال أهمية كبيرة بين المستثمرين والمضاربين في مجال الأسهم في الاقتصادات الكبرى، فمعرفة الإجابة عليه قد تمكنك من تحقيق ثروة هائلة إذا أسرعت بالاستثمار عبر شراء أسهم تلك الشركة التي يتوقع أن تصل قيمتها إلى تريليون دولار خلال الفترة المقبلة، لهذا السبب يوجد حاليا جدل بين الخبراء حول تقديراتهم للشركة أو الشركات، التي ستصل قيمتها السوقية إلى هذا الرقم.
ولكن ما التريليون دولار؟ أولا المؤكد أنه رقم كبير للغاية، وغير متداول كثيرا في علم الاقتصاد أو في عالم المال والأعمال "المعتادة"، وفي الحقيقية فإنه مخصص أكثر لقياس المدخلات والمخرجات الاقتصادية المتعلقة بالدول أكثر منه بالشركات أو المؤسسات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال الميزانية الأمريكية في الأول من تموز (يوليو) الماضي بلغت 6.8 تريليون دولار وإيرادات الحكومة الأمريكية 3.8 تريليون دولار والعجز المالي الأمريكي ثلاثة تريليونات دولار وإجمالي الدين الأمريكي 23 تريليون دولار، ولكن على أي حال وبفعل التضخم، فإن الأرقام، التي كانت تدخل في نطاق الخيال في أوائل القرن الماضي باتت اليوم معتادة إلى حد كبير، لكن هذا لا ينفي أن بعض الأرقام لا تزال كبيرة جدا وغير معتادة لمعظم البشر.
الأمر لا يقف عند مسألة معنى التريليون دولار، بل يمتد أيضا إلى العملة التي يتم بها التقييم وهي الدولار الأمريكي باعتباره العملة العالمية، ولأن التقييم يتم بالدولار، فإنه يبدو أحيانا كثيرة تقييما أمريكيا أكثر منه تقييما عالميا، فلو كان تقييم شركة من الشركات بالجنيه الاسترليني مثلا، فإن الأمر سيكون أصعب عليها لأن تصل إلى التريليون استرليني، لأن سعر صرف الاسترليني أكثر ارتفاعا من الدولار.
فكرة كيفية تقييم الشركة ذاته محل جدل أيضا، إذ يتم التقييم غالبا من منطلق القيمة السوقية للشركة، وتحسب على أساس عدد أسهم الشركة مضروبة في قيمة السهم الواحد لحظة التقييم، وهذا يعني أن قيمة الشركة، وفقا لهذا المعيار ستكون متذبذبة، فإذا كان عدد أسهمها غالبا ما يكون ثابتا، فإن قيمة السهم تتغير بين دقيقة وأخرى في البورصة، وهذا ما حدث مع شركة فيسبوك إذا تجاوزت قيمتها التريليون دولار ثم تراجعت عنه ثم تجاوزته مجددا.
على أي حال، يصعب التنبؤ الدقيق والقاطع بما الشركة المقبلة التي ستنضم إلى نادي الشركات التريليونية؟ وهل سيكون لديها القدرة على مواصلة الصعود إلى أرقام أعلى أم ستواصل النمو ولكن بشكل ضعيف أم ستتراجع في وقت لاحق؟ أول شركة دخلت التاريخ باعتبارها أول من حطم رقم المليار دولار هي شركة يو إس ستيل، وكان ذلك في مطلع القرن الـ20، وبلغت هذا الرقم نتيجة الاندماجات في سوق الصلب، اليوم تبلغ قيمتها ستة مليارات دولار، فعمليات التقييم تخضع لمختلف أنواع عدم اليقين، فجائحة فيروسية جديدة يمكن أن تجعل الاقتصاد العالمي يتراجع من جديد، لتختفي معه طموحات بعض الشركات للوصول إلى عتبة التريليون.
مع هذا، فإنه باستخدام معدلات النمو في الأعوام العشرة الماضية، وفحص أبرز القطاعات الاقتصادية التي يمكن أن تحقق الشركات العاملة فيها نتائج باهرة، فإنه يمكن أن نكون خريطة طريق للشركات التي يرجح أن تنال عضوية نادي أصحاب التريليون دولار قريبا.
قبل التطرق للبحث في قائمة القادمين الجدد، ويجدر الإشارة إلى أن قائمة الشركات، التي تبلغ قيمتها أو تتجاوز التريليون دولار هي قائمة صغيرة جدا، وفي الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم لا يوجد سوى خمس شركات أمريكية يمكنها الادعاء بأنها وصلت إلى هذا الإنجاز (شركة أرامكو السعودية تقدر قيمتها بنحو تريليوني دولار أمريكي لكنها غير متداولة في البورصات الأمريكية حتى الآن).
بالطبع تحتل شركة أبل رأس القائمة، فهي الشركة الأكثر قيمة في الولايات المتحدة والعالم، وكانت أول شركة دولية تتخطى قيمتها عتبة التريليون دولار، وتقدر قيمتها السوقية بنحو 2.5 تريليون دولار، كما أن الشركة ضمن مجموعة الشركات، التي تألقت بشدة خلال فترة جائحة كورونا، بسبب الإقبال الشديد من المستهلكين على اقتناء منتجاتها التكنولوجية، تليها شركة مايكرسوفت بقيمة 2.2 تريليون دولار، ثم أمازون عملاق التجارة الإلكترونية بـ 1.74 تريليون دولار، ثم شركة "ألفا بت" وهي الشركة الأم لشركة جوجل بقيمة 1.67 تريليون، أما شركة فيسبوك فقد تجاوزت قيمتها التريليون دولار أيضا.
لكن ما أبرز الشركات المرشحة للانضمام إلى نادي النخبة التريليونية العام المقبل؟ تختلف الإجابات والتقييمات بهذا الشأن، ولكن عددا من الخبراء الاستثماريين يعتقدون أن القادم الجديد لن يكون شركة أمريكية تلك المرة.
يقول لـ"الاقتصادية"، آر. دي بول الخبير الاستثماري "شركة تينسنت الصينية التي أسست 1998 المرشح الأبرز لنيل عضوية النادي التريليوني العام المقبل، فالقيمة السوقية لها تراوحت بين 740 و742 مليار دولار أمريكي في شهر تموز (يونيو) الماضي، ولأنها شركة قابضة متعددة الجنسيات في مجال التكنولوجيا، ولديها عديد من الشركات الفرعية التابعة لها، وتسوق عالميا مختلف الخدمات والمنتجات المتعلقة بالإنترنت، بما في ذلك الترفيه والذكاء الصناعي وغيرها من التقنيات.
وتعد آفاق النمو بالنسبة لها عريضة الاتساع، وقد أسهمت كل من منصة تينسنت كيو كيو وهي منصة مراسلة فورية شهيرة في الصين، أطلقت 1999، وكذلك منصة تينسنت لألعاب الفيديو والمسؤولة عن بعض أشهر الألعاب في عالم الفيديو، وتحقق واحدا من أعلى الأرباح على الإطلاق، وكذلك نظام باي باي، وهو نظام دفع عبر الإنترنت مشابه لنظام باي بال، يجعل أنشطة الشركة الصينية شديدة التنوع والتكامل في الوقت ذاته، ما يعزز قدرتها على النمو.
وفي الواقع، فإن الشركة الصينية كادت أن تلتحق في شهر شباط (فبراير) الماضي بركب نادي التريليون دولار قبل شركة فيسبوك الأمريكية، حيث وصلت قيمتها السوقية حينها إلى 961 مليار دولار، لكن الحملة، التي شنتها السلطات الصينية على شركة علي بابا للتجارة الإلكترونية، دفعت بالمسؤولين عن الشركة إلى أن يكونوا أكثر حذرا في توسيع أنشطتهم الاستثمارية تفاديا للدخول في صدام مكلف مع قادة الحزب الشيوعي الصيني.
ومن المؤكد أن الجميع لا يتفق مع فكرة أن شركة صينية في مجال التكنولوجيا ستكون العضو المقبل في نادي شركات التريليون دولار، ربما تكون أول شركة صينية ستدخل النادي، ولكن من غير المؤكد أنها ستسبق شركة فيزا الأمريكية للمدفوعات المالية إلكترونيا، فشركة فيزا ترتبط ارتباطا وثيقا بالانتعاش الاقتصادي، نظرا لأنها تحصل على جزء كبير من المعاملات، التي تتم عبر شبكة المدفوعات الإلكترونية العالمية.
بدوره، يقول لـ"الاقتصادية"، ولينج سميث من شركة كابيتال للأبحاث "مع انخفاض استخدام النقد في العالم خاصة في الاقتصادات المتقدمة، وسواء كان هناك انتعاش اقتصادي أو تحديات كالتي نجمت عن جائحة كورونا، فالحاجة ماسة دائما لبطاقات الدفع الائتماني، خاصة مع التحول في أنشطة المستهلكين الشرائية إلى التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، حيث تغيب المدفوعات المالية المباشرة".
وأضاف: "نظرا لأن شركة فيزا هي المهيمن الأكبر على سوق الدفع بالبطاقات الائتمانية، ففي بلد مثل المملكة المتحدة وأيرلندا تهيمن على 80 في المائة من السوق، والعام الماضي أجري نحو 188 مليار معاملة شراء في جميع أنحاء العالم باستخدام بطاقات الدفع فيزا، وهي أكبر شبكات البطاقات الائتمانية الأمريكية".
وأفاد: "حتى أيلول (سبتمبر) 2020 كان هناك 343 مليون بطاقة ائتمان فيزا متداولة في الولايات المتحدة و798 مليون بطاقة فيزا متداولة خارج الولايات المتحدة، كل هذا يجعلها المرشح الأبرز للانضمام إلى نادي التريليون قريبا".
إذن، فإن التقييمات بشأن القادم الجديد من الشركات ذات القيمة التريليونية لا يقف عند حدود ما إذا كانت صينية أم أمريكية، وإنما يمتد أيضا إلى منافسة بين شركات التكنولوجيا والمؤسسات المالية.
في هذا السياق، يرى الدكتور بانكرست بلاك ويل أستاذ التحليل المالي في جامعة لندن أن السباق ربما يكون في مصلحة الشركات التكنولوجية في الوقت الراهن، وفي هذا السياق، يرشح شركة تسلا الأمريكية، التي أسسها إيلون ماسك وتشتهر يتصنيع السيارات الكهربائية، وتحتكر في الوقت الحالي نحو 74 في المائة من سوق السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.
ويوضح لـ"الاقتصادية": "على الرغم من السيارات الكهربائية تعد رأس حربة شركة تسلا، ومصدر العائد الأكبر، فإنها أيضا تبحث عن حلول مستدامة لقضايا أخرى مثل الطاقة النظيفة عبر الألواح الشمسية، وتعد "تسلا" للطاقة واحدة من أكبر الموردين العالميين لأنظمة تخزين بطاريات الطاقة، ويمكن للشركة أن تبلغ قيمتها التسويقية نحو تريليون دولار بحلول العام المقبل أو الذي يليه بسبب الزيادة المتواصلة في الطلب العالمي على السيارات الكهربائية".
المنافسة المحتدمة بين شركات التكنولوجيا والمؤسسات المالية للوصول إلى التريليون دولار لا ينفي أن بعض الخبراء يعتقدون أن الأسواق قد تشهد مفاجئة من العيار الثقيل بأن يحصل على بطاقة العضوية شركات تستثمر في الأساس في مجالات أخرى.
الدكتورة مارجريت ريتشارد أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة بروملي ترى أن هناك شركتين في مجالين مختلفين يحظيان بفرص جيدة للغاية، لأن يسبقا الجميع في رحلة التريليون دولار.
وتقول لـ"الاقتصادية": "إنهما شركة صينية وأخرى أمريكية الأولى تعمل في مجال المشروبات الغازية والأخرى في مجال الترفيه، فشركة كويشو موتاي الصينية يمكن أن تكسر حاجز التريليون بحلول 2024، وهي مملوكة جزئيا للحكومة الصينية وتتخصص في صناعة المشروبات، ومشروباتها ذائعة الانتشار في الصين والعديد من الأقطار، التي تتمتع بعلاقات قوية مع الأسواق الصينية".
وأضافت: "الشركة الصينية تعد أكبر شركة مشروبات في العالم، أما الشركة الأخرى فهي شركة نتفليكس للترفيه وشهدت نموا مذهلا خلال فترة جائحة كورونا، ولديها حاليا 209 ملايين مشترك، و40 في المائة مما تقوم ببثه من إنتاجها الخاص، ويرجح أنها أكبر شركة ترفيه حاليا في العالم، ويمكن أن تصبح ضمن النخبة التريليونية بحلول 2024".

الأكثر قراءة