رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لماذا قرر زعيم اليابان عدم الاستمرار في الحكم؟

يقول الدكتور محمود الشتيوي إن "ثقافة الاستقالة هي من مظاهر المجتمع المدني المتحضر، وهي ممارسة سلوكية إيجابية تهدف إلى تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية لتصويب وضع قائم في أي مؤسسة بسبب فشل مسؤولها الأول وطاقمه في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، أو لعدم قدرته على قيادتها وتطوير برامجها". ويقول الإعلامي الإماراتي سامي الريامي: "ثقافة تقديم الاستقالة تحملا للمسؤولية سمة رئيسة تميز المجتمعات المتقدمة فكريا، وهي تجسد التطور الكبير في الإدارة، وتكرس كيفية وأهمية احترام المناصب والمال العام، وضرورة الإيمان بأهمية الرأي العام واحترامه، كما أنها خير تجسيد للجملة الشهيرة التي نسمعها دائما في مجتمعنا، لكنها لا تعكس كثيرا من الواقع، وهي "المسؤولية تكليف لا تشريف".
ولا نبالغ لو قلنا، إن أكثر تجليات ثقافة الاستقالات نجدها في اليابان، حيث يدرس الفرد الياباني منذ نعومة أظفاره مادة الأخلاق التي تنمي فيه الوعي بالأمانة وتحمل المسؤولية وقيم الانضباط وأداء الواجب وإتقان العمل والحفاظ على المال العام. ومن ينقب في أخبار هذه البلاد يجد أمثلة لا حصر لها عن وزراء وزعماء تقدموا باستقالاتهم لأسباب تبدو واهية في أعرافنا مثل تلقي أموال لدعم حملاتهم الانتخابية، أو حصولهم على هدايا عينية من أنصارهم، أو تسبب وزاراتهم في تأخر قطار عن موعده، أو تسرب مواد غذائية ملوثة إلى الأسواق، أو تعطل أجهزة حيوية عن العمل في المشافي، أو انقطاع الطاقة في مواسم اشتداد الحرارة، أو حصولهم على تذكرة سفر مجانية، وغيرها.
ومن الأسباب الأخرى التي دفعت زعماء اليابان في أكثر من مرة إلى الاستقالة شعورهم بعدم قدرتهم على قيادة البلاد لاعتبارات متعلقة بصحتهم. وقد رأينا كيف أن رئيس الوزراء السابق شينزو آبي قدم استقالته من منصبه طوعا في آب (أغسطس) 2020 معللا السبب بالمرض، وهو في عز مجده وقوته وشعبيته. وقبل ذلك فعلها رئيس وزراء ياباني آخر هو جونيتشيرو كويزومي ذو الكاريزما والشعبية العارمة الذي ترك السلطة طوعا في 2009 لشعوره أنه أعطى كل ما عنده.
وأخيرا سار على دربهما رئيس الوزراء الحالي "يوشيهيدي سوجا"، الذي خلف شينزو آبي في قيادة اليابان قبل أقل من عام، حيث أعلن سوجا، أنه لأسباب صحية، لن يترشح لقيادة الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في الانتخابات الداخلية المقرر إجراؤها في 29 أيلول (سبتمبر) الجاري "ما يعني خروجه من السلطة تلقائيا"، وأنه سيكرس جهده لمحاربة جائحة كورونا التي تسببت طريقة إدارته لها في انخفاض شعبيته من 70 في المائة إلى أقل من 30 في المائة. وبهذا صدقت توقعاتنا التي ذكرناها في مقالات سابقة من أن الرجل، رغم كل مؤهلاته وخبرته الطويلة في دهاليز الحزب الحاكم، يفتقر إلى كاريزما وحيوية سلفه، وبالتالي لن يطول به المقام زعيما لليابان.
وهكذا، فإن استقالة سوجا شرعت الأبواب أمام تنافس شخصيات كثيرة تطمح إلى خلافته، وبالتالي قيادة الحزب الحاكم في الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) أو خلال تشرين الثاني (نوفمبر) المقبلين. غير أن هناك من يزعم أن سوجا عائد للسلطة بعد أن يجري تسويات وتحالفات داخل الغرف المغلقة لحزبه، خاصة مع رجل الحزب القوي توشيري نيكاي الذي يوصف بـ"صانع الملوك". كما أن أحد التقارير زعم أن سوجا تعرض لضغوط من داخل حزبه وحكومته بقيادة نائبه تارو آسو كي يستقيل تمهيدا لاختيار شخصية بديلة تتمتع بشعبية وجماهيرية أوسع تقود الحزب في الانتخابات العامة المقبلة. وهذا تحديدا ما ألمح إليه أحد أعضاء مجلس الشيوخ الياباني حينما قال ما مفاده أنه من غير الممكن الفوز في الانتخابات مع زعيم لا يحظى بشعبية كبيرة لأنه حينذاك "سيجرنا جميعا إلى الهاوية".
لكن ما السبب في انحدار شعبية سوجا التي تبدو أنها وراء قراره بترك السلطة لغيره؟.
طبقا للصحف ووسائل الإعلام اليابانية، فإن الأمر لا يتعلق فقط بكونه من ساسة الحزب الحاكم الذين ليس لديهم فصيلهم الخاص الداعم بسبب انحداره من عائلة زراعية غير نخبوية، وإنما أيضا لارتكابه جملة من الأخطاء خلال عام واحد من وجوده في الحكم. من هذه الأخطاء استبعاده لعديد من الأكاديميين من عضوية مجلس استشاري حكومي ممن لم تعجبه آراؤهم، وفشله في الوفاء بوعده حول تحديث وإصلاح البيروقراطية الحكومية، وعدم نجاح حملته لإنقاذ قطاع الخدمات من تداعيات جائحة كورونا التي انطلقت تحت شعار "سافر واخرج لتناول الطعام"، حيث تبين أن الحملة أسهمت في ازدياد الإصابات، والتباطؤ في عمليات تطعيم المواطنين مع تشديد أوامر التعافي في المنزل بدلا من زيارة المنشآت الطبية، وأخيرا عدم استجابته لمطالب شعبية بتأجيل دورة الأولمبياد الصيفية التي استضافتها طوكيو هذا العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي