كيف نتعلم الدروس من التجارب الاقتصادية الأمريكية؟ «2 من 2»
رغم أن تغيير الهيكلة الاقتصادية لزيادة الأجور إلا أن الوضع هذا قد يتسبب في تجاوز التضخم الكلي لهدف البنك المركزي، وقد يكون مرغوبا فيه من حيث إتاحته لتعديل الأجور النسبية في مختلف القطاعات. كذلك، كتب ديفيد أوتور من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أخيرا أن نقص العمالة في الولايات المتحدة التي يشكو منها عديد من أرباب العمل - الوظائف الشاغرة بسبب عدم وجود عدد كاف من العمال المستعدين لقبول الوظائف المعروضة - هو في الواقع أمر جيد. ويقول إن المشكلة تكمن في أن الاقتصاد الأمريكي ينتج كثيرا من الوظائف السيئة بأجور منخفضة ومزايا قليلة. وإذا كان الوباء قد جعل العمال الآن أكثر تطلبا وانتقاء، فأرباب العمل هم من يتعين عليهم التكيف. وفي النهاية لا يتطلب كل من الإنصاف والإنتاجية مزيدا من الوظائف فحسب، بل يتطلب وظائف عالية الجودة.
وتتمثل إحدى مزايا كتابات الاقتصاديين الأكاديميين في أنها توضح الطبيعة العرضية لأولويات السياسة الحالية في الولايات المتحدة. وتوضح دراسة جاكسون هول، على سبيل المثال، أن التضخم المؤقت هو حل مقبول فقط في ظل ظروف معينة: عندما يكون التعديل القطاعي مدفوعا بالتغيرات في طلب المستهلك، وعندما لا يمكن للأجور أن تنخفض، وفي حال لا يعيق الحافز النقدي التغيير الهيكلي عن طريق زيادة الربحية إلى حد كبير في القطاعات التي تحتاج إلى تقليص. وبالمقابل، فإن الأجور في الدول النامية مرنة للغاية في العمالة غير الرسمية، كما أن التوسع في القطاعات الحديثة تعيقه قيود جانب العرض. وفي ظل هذه الظروف، فإن احتمال أن تكون الحوافز النقدية أو المالية فعالة ضئيلا جدا.
ومع ذلك، هناك خطر يتمثل في إساءة فهم الدول الأخرى للتغييرات في الولايات المتحدة، وأن صانعي السياسات في أماكن أخرى سيقلدون تقليدا أعمى العلاجات الأمريكية دون الالتفات إلى خصوصيات ظروفهم الخاصة. خصوصا يتعين على الدول النامية التي تفتقر إلى الحيز المالي، وتضطر إلى الاقتراض بالعملات الأجنبية أن تحذر من الاعتماد المفرط على تحفيز الاقتصاد الكلي.
وتكمن المشكلة الحقيقية التي يعانيها عديد من الدول النامية اليوم في أن نموذج التصنيع التقليدي الموجه نحو التصدير قد استنفد قوته. وتتطلب عملية توليد وظائف جيدة ومنتجة نموذجا تنمويا مختلفا، يركز على الخدمات، والسوق المحلية، وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى. ولا يمكن حل إخفاقات السوق أو الحكومة التي تمنع التوسع في فرص العمل الأكثر إنتاجية في الخدمات إلا من خلال العلاجات الهيكلية.
إننا نرحب بإعادة النظر في السياسة الاقتصادية في أروقة البيروقراطية الاقتصادية في واشنطن. لكن الدرس الحقيقي الذي يجب أن تستخلصه الدول الأخرى منها هو أن علم الاقتصاد، بصفته علما اجتماعيا يدعم نصائح سياسية مختلفة لظروف مختلفة. ومثلما تنتج الظروف المتغيرة والتفضيلات السياسية في الولايات المتحدة علاجات جديدة، من الأفضل للدول الأخرى أن تستهدف مشكلاتها وقيودها الخاصة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.