رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المخاوف الهندية من عودة طالبان

كان لعودة حركة طالبان إلى السلطة في كابل بالطريقة السريعة والفوضوية التي شاهدها الملايين عبر الفضائيات، بعد إزاحتها عن الحكم بالقوة المسلحة عام 2001، صدى في مختلف عواصم العالم بسبب ما هو معروف عن هذه الحركة من استهتار بالشرائع الدولية ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها، فضلا عن ارتباطاتها الموثقة بالتنظيمات الجهادية الإرهابية. على أن حديثنا هنا يقتصر على صدى سقوط حكومة أفغانستان الشرعية في نيودلهي تحديدا، نظرا لما للحدث من تداعيات سلبية على الأمن القومي الهندي، خصوصا في ضوء علاقات طالبان المعروفة بباكستان، فضلا عن علاقتها الأيديولوجية الوثيقة مع التنظيمات الجهادية الكشميرية.
وإذا كان الانتصار الطالباني قد قرع أجراس الإنذار في عواصم إقليمية ودولية كثيرة، فإن دويه كان مسموعا في الهند أكثر من أي مكان آخر، لأن الأخيرة كانت مطمئنة إلى وقت قريب بأن ما استثمرته في أفغانستان من جهود وأموال خلال العقدين الماضيين لن يذهب سدى، وأنها تمكنت من إيجاد موطئ قدم ثابت لها في هذا البلد المتأزم، حيث تستطيع من خلاله مواجهة غريمتها الباكستانية صاحبة النفوذ التقليدي المستند إلى الروابط الدينية والقبلية والثقافية في بلاد الأفغان. لكن ما حدث هذا الشهر يبدو أنه أسدل الستار على الأحلام الهندية تماما، لا سيما بعد أن نفى محمد سهيل شاهين المتحدث الإعلامي باسم طالبان وجود أي اتصالات سرية بين حركته ومسؤولين هنود.
إن الوضع في أفغانستان مع عودة طالبان يسوده عدم اليقين من زاوية نمط الحكم الذي سيسود وعلاقات البلاد مع العالم الخارجي ومصير ما حققته من انفتاح وتقدم اقتصادي واجتماعي وثقافي في ظل الحكومة السابقة. وبمعنى آخر فإن العالم في مرحلة ترقب لما ستقرره طالبان. والهند، التي أغلقت سفارتها وكل قنصلياتها في أفغانستان وأجلت رعاياها منها كافة، لا شك أنها في صدر قائمة المراقبين والمنتظرين، وإن كانت تشك كثيرا في صدور قرار طالباني باستمرار التعاون معها، ومد يد الصداقة إليها، خصوصا أن الهند منحت حق اللجوء السياسي للعشرات من المشرعين والوزراء الذين عملوا في ظل الحكومة الشرعية ممن فروا من كابل على عجل خوفا من انتقام طالبان منهم.
والمعلوم أن نيودلهي، لأسبابها الاستراتيجية الخاصة، وثقت علاقاتها مع حكومة كابل بعيد سقوط إمارة الملا عمر الطالبانية عام 2001، ولعبت دورا إيجابيا في عملية بناء الدولة المدنية الأفغانية من خلال حزمة من المعونات التنموية في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات والسدود والتكنولوجيا، بلغت قيمتها الإجمالية نحو ثلاثة مليارات دولار وشملت أكثر من 400 مشروع، فضلا عن عملية تسهيل التبادل التجاري الواسع، بلغت قيمة التبادل التجاري في الفترة 2019 ـ 2020 مثلا أكثر من مليار دولار. ومن هنا يشعر المسؤولون الهنود بالمرارة لأن كل جهودهم ضاعت سدى، ووقعت ثمارها في أيدي جماعة تكن لهم العداء المرير. ولعل ما يشعرهم بالمرارة أكثر هو أن حليفتهم الأمريكية التي لطالما طمأنتهم بأن كل الأمور في أفغانستان تسير بخير وأنه لا داعي للقلق من الاستثمار فيها، هي التي أسهمت في وصول الأوضاع الأفغانية إلى هذا المنعطف. تماما مثلما طمأنتهم حليفتهم السوفياتية السابقة بأنهم باقون في أفغانستان ولن ينجح المجاهدون في زحزحتهم، فإذا بالأمور تجري خلاف التطمينات.
الأمر الآخر المقلق لحكومة ناريندرا مودي رئيس الوزراء أن المعارضة الهندية قد تستغل ما لحق بالاستثمار الهندي الكبير في أفغانستان من خسائر كورقة انتخابية ضدها، خصوصا أن مودي ووزراءه ورموز حزبه كثيرا ما تحدثوا بفخر عما تقوم به حكومتهم في أفغانستان من مشاريع تنموية.
ومما يجدر بنا الإشارة إليه في هذا السياق أن سوبرامنيام جايشنكار وزير الخارجية الهندي عدد في مؤتمر عقده في جنيف حول أفغانستان في العام الماضي المشاريع الهندية في أفغانستان مشيرا إلى سد شتوت في منطقة كابل والهادف إلى توفير مياه صالحة للشرب لنحو مليوني نسمة، وسد سلمى لتوليد طاقة كهربائية بقدرة 42 ميجاوات، وسد الصداقة في ولاية هرات للري وتوليد الطاقة الكهرومائية، والطريق السريع بطول 218 كلم بالقرب من الحدود الأفغانية الإيرانية، ومبنى البرلمان الأفغاني بتكلفة 90 مليون دولار، وترميم قصر النجوم الأثري، وإعادة تأهيل عشرات المستشفيات والمراكز الصحية وتزويدها بعربات الإسعاف، وتزويد وزارة المواصلات الأفغانية بمئات من حافلات النقل العام، وتزويد الجيش الأفغاني مجانا بعشرات المروحيات وطائرات النقل والتموين.
والحقيقة أن استثمارات الهند في أفغانستان من الناحية المادية قد تعوض، لكن ما لا يمكنها تعويضه هو خسارتها حليفا استراتيجيا مهما في جنوب آسيا كانت تعول عليه كثيرا من النواحي الأمنية والاستراتيجية. والحقيقة الأخرى أن خيارات الهند في هذه البلاد غير المستقرة باتت جدا محدودة، بمعنى أنها تفتقر إلى عامل التأثير في الأوضاع الحالية، خصوصا في ظل عدم وجود حدود مشتركة لها مع أفغانستان، وبالتالي فليس أمامها سوى أن تتمنى تشكيل حكومة أفغانية ائتلافية لا تكون خاضعة لهيمنة طالبان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي