لا عودة للوراء .. تشكيل اقتصاد عالمي أفضل «2 من 2»
بحث صندوق النقد والبنك الدوليان بعمق أخيرا في كيفية تسبب الأزمة في الإضرار بإتاحة الفرص، كما ألقيا الضوء على السياسات التي يمكن أن تفيد في هذا الصدد. ففي كثير من الدول على سبيل المثال يمكن تحسين تصميم القواعد المنظمة لسوق العمل عن طريق حماية العاملين من خلال شبكات أمان اجتماعي أقوى بدلا من محاولة حماية وظائف محددة قد تؤول إلى الزوال.
وبوسع الدول اتباع سياسات لتحسين التحصيل التعليمي، على غرار برنامج المساعدات المالية للأسر Bolsa Família في البرازيل، الذي يتيح إعانات نقدية للأسر التي تعول أطفالا ملتحقين بالتعليم.
ومما يفيد الشباب إلى حد كبير أيضا تيسير بدء مشاريع الأعمال وتخفيض تكلفته، مثلما يفعل الأردن، وكذلك البرامج المصممة جيدا التي تتيح التدريب على الوظائف وتساعد الشباب على البحث عن عمل. وفي كثير من الدول هناك فرصة لدعم أجور القطاع الخاص بما يحفز أصحاب الأعمال على تشغيل الشباب العاطلين عن العمل وتدريبهم.
وبشأن إتاحة الفرص يمكن للسياسات التي تركز على الناس أن تعزز الإنتاجية، خاصة إذا كانت الاستثمارات تعزز قدرات العاملين في وظائف القطاع غير الرسمي والوظائف ذات المهارات المحدودة. فهؤلاء العاملون يواجهون بالفعل تدني الأجور، وانخفاض الأمن الوظيفي، ومحدودية القدرة على الادخار لأيام العسر. وحين وقعت الجائحة، تعذر على معظمهم العمل من بعد وكانوا يعيشون تحت وطأة شبكات الأمان الاجتماعي الضعيفة، والمساكن المزدحمة، والفرص المحدودة للحصول على رعاية صحية جيدة.
وكما هو الحال مع الفئات الأخرى المعرضة للمخاطر، إذا استثمر كل بلد في تحقيق الإمكانات الكاملة لهؤلاء العاملين، فستعم الفائدة على المجتمع كله. وهناك فرصة هائلة لإتاحة التدريب التحويلي وتعليم المهارات الجديدة، خاصة بالنسبة للعمل الذي يجب أن نقوم به من أجل إنقاذ الكرة الأرضية. ولنفكر هنا في إعادة زراعة الغابات وحفظ الطبيعة وجعل المباني أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
أو لنفكر في زيادة فرص الحصول على خدمات الإنترنت والخدمات المالية. فنحو 1,7 مليار بالغ لا يتعاملون مع البنوك حتى الآن، ونحو ضعف هذا العدد لا يستخدمون شبكة الإنترنت. ويتطلب إصلاح هذا القصور وجود البنية التحتية المادية لأبراج شبكات الإنترنت وكابلات الألياف البصرية، إضافة إلى قوانين لحماية الخصوصية وحماية المستهلكين. كذلك يتطلب الشمول المالي تحركا من الحكومة لتحسين المعرفة المالية وإزالة الحواجز القانونية أمام الملكية وتوفير أداة لإثبات الهوية - حتى يستطيع الناس فتح حسابات مصرفية والحصول على الخدمات المالية الرقمية. إننا نعلم المطلوب، فكيف لنا أن ندفع تكلفته؟ إن رفع كفاءة الإنفاق من شأنه تحسين النتائج لمصلحة الناس حتى دون التوسع في مخصصات الموازنة القائمة.
فرغم التحديات الكبيرة، حققت ليبريا وملاوي ونيبال وجزر سليمان زيادة كبيرة في إيراداتها الضريبية على مدار عقد في الماضي القريب بين سبع و20 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي. وفي كثير من الدول يتيح سد الثغرات ورفع كفاءة النظم الضريبية فرصا للتقدم.
وبالنسبة للدول النامية منخفضة الدخل، ستظل المنح والإقراض الميسر ضروريين لدعم الاستثمارات بهدف رفع مهارات الأفراد وتعزيز الإنتاجية. وبالنسبة للدول ذات مستويات المديونية المتوسطة، قد يكون الاقتراض خيارا ممكنا، خاصة إذا كان بمقدورها الاستفادة من أوضاع التمويل التي تتسم بانخفاض التكلفة نسبيا. وقد استكملت مصر أخيرا إصدارين للسندات بقيمة كلية قدرها 5,8 مليار دولار، منها إصدار لسند أخضر بقيمة 750 مليون دولار وهو الأول في الشرق الأوسط يركز على مشاريع مكافحة التلوث والطاقة المتجددة.
ويركز الصندوق على العمل مع دوله الأعضاء لمساعدتها على بلورة سياسات من أجل الناس وامتلاك القدرة على تحمل تكلفتها. ومن خلال مشورتنا الاقتصادية ومساعداتنا في مجال بناء القدرات، ندعم زيادة الإنفاق الاجتماعي وتحسين جودته، وتعبئة الإيرادات المحلية، وإيجاد نظم ضريبية أكثر كفاءة وتصاعدية.
كذلك قدمنا التمويل بسرعة وحجم غير مسبوقين: أكثر من 100 مليار دولار لـ 81 بلدا، منها 48 بلدا منخفض الدخل. وننظر الآن في الخيارات الممكنة لزيادة تطويع أدواتنا الإقراضية حتى نتمكن من مواصلة خدمة دولنا الأعضاء في الفترة المقبلة. وإذ يشرع الاقتصاد العالمي في رحلة صعود طويلة من أغوار الأزمة، هناك شيء واحد لا ينقصه الوضوح وهو أننا لن نعود من حيث أتينا. وإذا كنا بصدد التغلب على الأزمة وصياغة شكل التعافي، فعلينا أن نمضي قدما مدركين الغاية التي نعمل من أجلها وعازمين على التضامن مع الناس كافة. ومعا، يمكننا بناء عالم أكثر رخاء وأشد صلابة.