الترجمة تقتل المشاعر
اللغة سر من أسرار الكون أودعه الله فينا، نستخدمها في كل لحظة من لحظات حياتنا. كم هائل من الأحرف والكلمات والعبارات التي تشكل شخصياتنا وتؤثر في أرواحنا وتعبر عن مشاعرنا!
فكل لغة تتكون من آلاف المفردات التي تعبر عن مشاعر مستخدميها. فحين يقول الإنسان مثلا، "أنا حزين"، تعبر تلك الكلمة عن مشاعر الحزن التي يعانيها في تلك اللحظة، ولكن هل يمكن أن تعبر ترجمة كلمة "حزن" الإنجليزية والتركية والصينية عن حالة الحزن ذاتها لدى كل الناطقين بتلك اللغات؟
هذا التساؤل وغيره كثير دفع علماء الأنثروبولوجيا والوراثة والبيولوجيا العصبية إلى البدء في تقصي أصل اللغات، والكيفية التي تنوعت بها، وأثر كل لغة أو مفردة في مشاعر الشعوب التي تتحدث بها.
في نهاية عام 2019 نشرت مجلة "ساينس" نتائج بحث ضخم حلل فيه الباحثون الكلمات التي تصف المشاعر في 2474 لغة منطوقة تنتمي لـ20 عائلة لغوية رئيسة، عبر استخدام مبدأ "التضافر اللغوي".
أظهرت التحليلات أن هناك تباينا كبيرا في معاني الكلمات الدالة على العاطفة في اللغات المنطوقة يقل كلما زاد القرب الجغرافي. وخلصوا إلى أن الكلمات - حتى إن كان لها المعاني ذاتها- لا يمكن أن تعكس الحالة النفسية أو المزاجية على نحو متماثل بين الثقافات والشعوب المختلفة، فالكلمات المتشابهة تنشط من الناحية الفسيولوجية والبيولوجية مناطق مختلفة في الدماغ، وتحفز المشاعر في اتجاه معين، كما أن الطريقة التي يعبر بها البشر عن عواطفهم، مثل الخوف والفرح والحزن، قد تختلف عبر المتحدثين باللغات المختلفة.
وهنا يتضح دور العائلات اللغوية فكل "عائلة" لغوية تصف المشاعر بكلمات تقترب معا في معناها، مثلا كلمة المفاجأة في اللغات "الأسترونية" التي يتحدث بها 350 مليون شخص في منطقة شرق آسيا ومدغشقر، تعني "الخوف" في حين ترتبط تلك الكلمة في لغات" تاي كاداي" التي يتحدث بها سكان الصين وفيتنام بالأمل أو العوز، كما أن كلمة "لوف" في الإنجليزية يقابلها معان كثيرة مختلفة بالعربية، كالحب والعشق والوله والتيه، وبالتالي لا يمكن ترجمة تلك الكلمة إلى المرادف العربي "حب"!
تقول الأستاذة آصفة ماجد، إن "البحث المنشور أثبت أن المعاني المتشابهة في القواميس بين اللغات لها خصوصية في وقعها على المشاعر بالنسبة إلى المجموعات السكانية التي تتحدث تلك اللغة، وبالتالي لا يمكن على الإطلاق اعتماد الترجمة لفهم تأثيرها في المشاعر في المجموعة التي تتحدث لغة مغايرة".