مزيج الطاقة .. تكامل لا تفاضل
قد يعتقد البعض بسبب الزخم الإعلامي أن النفط ليس إلا مصدرا للطاقة وحسب، وهذا بلا شك اعتقاد غير صحيح، حيث إن للنفط استخدامات متعددة وتطبيقات مختلفة وكثيرة جدا، بل إن جل المنتجات التي من حولنا يدخل النفط في تكوينها لا يسع المقال لذكرها.
ذكرت سابقا أن النفط سيبقى مصدرا رئيسا للطاقة، ورغم التطور المطرد في صناعة الطاقة المتجددة الذي انعكس إيجابا على كفاءتها وتكلفتها وبالتالي الطلب عليها، إلا أن مستقبل الطاقة وأمن الطاقة العالمي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتمد على مصدر واحد، أو يتم استشرافه بعين واحدة لا تنظر إلا للمصالح الشخصية، فمستقبل الطاقة أكبر وأهم من تلك الشعارات الرنانة والأجندات التي ستصطدم بالواقع.
الحملات الإعلامية الممنهجة المتتالية على النفط ووضعه في قفص الاتهام لن تقوض صناعته، ولن تأذن بأفول نجمه مهما بلغت قوتها في اعتقادي، وهذا ينطبق على الفحم على المدى المتوسط على أقل تقدير، هذا لا يعني أنه ليس للإعلام تأثير قوي في الرأي العام، وتمرير رسائل مضللة أحيانا، وترسيخ صور ذهنية غير موضوعية وغير صحيحة أحيانا أخرى.
لا يعتريني شك أبدا أن هناك من غير المختصين والمهتمين بقطاع الطاقة قد تأثروا فعلا بهكذا طرح، ولا تثريب عليهم في ذلك، ولست متفاجئا أن يعتقد البعض أن الفحم لم يعد مصدرا من مصادر الطاقة، وأصبح من الماضي. بعيدا عن قضايا المناخ حديث الساحة، وبعيدا عن المماحكات السياسية والاقتصادية حول الطاقة ومستقبلها من بعض الدول وبعض بيوت الخبرة والجهات العالمية المختصة في هذا القطاع، بعيدا عن كل ذلك، هل سيقصي مصدرا من مصادر الطاقة المصادر الأخرى؟ وهل من الممكن ذلك، أم أن ذلك ضرب من ضروب الخيال والأماني؟ رغم أن هناك تطورا تقنيا جليا للعيان في الطاقة المتجددة خلال الأعوام القليلة السابقة أدى إلى تغيرات جذرية في مخرجات الدراسات الاستشرافية السابقة لحصتها بين مصادر الطاقة العالمية، حيث إنها ارتفعت في عام 2040 من 8 في المائة إلى نحو 23 في المائة، أي بارتفاع يصل إلى 187.
وهذا بلا شك مؤشر مهم لتطور هذا النوع من الطاقة من حيث الكفاءة والتكلفة، وهما من أهم عناصر جذب المستثمرين في هذا القطاع والمستهلكين على حد سواء. رغم كل ذلك لكن هل يعني ذلك أن التوسع في صناعة الطاقة المتجددة سيهدد مستقبل مصادر الطاقة الأخرى ومنها بلا شك الوقود الأحفوري؟ في رأيي أن العالم ينمو بصورة متسارعة جدا في جميع المجالات، وهذا النمو يعني بالضرورة نموا في الطلب على الطاقة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل حقيقة أن جميع مصادر الطاقة مهمة، بل تطويرها وعمل كل ما يلزم لرفع كفاءة استخراجها واستهلاكها.
مزيج الطاقة ضرورة للحفاظ على المصادر الناضبة منها، وللحفاظ على أمن الطاقة العالمي والمستقبل المحفوف بمخاطر شح الطاقة وانعكاساته الكارثية لا قدر الله. العلاقة بين مصادر الطاقة هي علاقة تكاملية إن نظرنا لها بصورة شمولية، وهذا لا يلغي أن هناك تنافسا طبيعيا بين منتجيها، بعيدا عن الإعلام الموجه والأجندات التي لن تذهب بعيدا.