مدى جاذبية الاستثمار في مجال اللحوم والألبان النباتية

مدى جاذبية الاستثمار في مجال اللحوم والألبان النباتية
مدى جاذبية الاستثمار في مجال اللحوم والألبان النباتية
مدى جاذبية الاستثمار في مجال اللحوم والألبان النباتية
مدى جاذبية الاستثمار في مجال اللحوم والألبان النباتية
مدى جاذبية الاستثمار في مجال اللحوم والألبان النباتية

ازدادت شعبية بدائل المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان في الأعوام الماضية، نتيجة تزايد الوعي بالاهتمام بصحة الإنسان، وكذلك من منطلقات دعم الاستدامة البيئية والرشاقة، إلى جانب الوعي المتزايد بأهمية الحفاظ على البيئة والرفق بالحيوان. هذه الثورة - إن صحت التسمية - هي امتداد تاريخي للوعي بمخاطر الدهون والكولسترول على صحة الإنسان، والتأثيرات السلبية لمادتي الجلوتين واللاكتوز لدى بعض الناس.
وكما هو معروف فإن من طبيعة الأنظمة الرأسمالية الحديثة البحث المتواصل عن الحلول المناسبة لسد احتياجات الناس وتلبية رغباتهم، وهذا ما رأيناه عقب الأزمة المالية 2008، حيث بدأ كثير من رواد الأعمال والمبتكرين في إعادة اختراع طرق الإنتاج والتصنيع لكثير من المنتجات التقليدية، في ضوء ما طرأ من مستجدات على مستوى البيئة والصحة وأساليب الحياة.
في هذا التقرير نلقي الضوء على قطاع المنتجات الغذائية النباتية البديلة للحوم والألبان، ونستعرض واقع بعض الشركات المدرجة أسهمها في الأسواق الأمريكية، ونتطرق إلى مستقبلها ومستقبل القطاع بشكل عام.

جيل الشباب يتجه إلى الحليب النباتي

يعد الجيل "زد" Generation Z، وهم مواليد 1997 إلى 2012، من أكبر المهتمين بالبدائل النباتية للحليب واللحوم، وهم الشريحة الكبرى في شراء هذه المنتجات، وهذا ملحوظ كذلك هنا في المملكة بين الشباب. وبالمناسبة، التصنيف المتبع لدى كثير من الباحثين وخبراء التسويق ووسائل الإعلام هو أن المولودين بين 1946 إلى 1964 هم جيل طفرة المواليد، وجيل "إكس" هم المولودون بين 1965 إلى 1980، وجيل الألفية هم مواليد 1981 إلى 1996. وتستخدم هذه التقسيمات لدراسة سلوك أفراد كل جيل ورغباتهم وعاداتهم وتصرفاتهم الاقتصادية.
الانجذاب نحو المنتجات النباتية ليس فقط من قبل الأشخاص النباتيين، الذين يشكلون في أمريكا فقط 2 في المائة من السكان، بحسب استفتاء لمؤسسة "هاريس"، بل إن نحو 53 في المائة من الأسر في أمريكا لديهم منتجات نباتية. هذه النتيجة تشير إلى اتساع شريحة المستهلكين للمنتجات النباتية لتتجاوز أولئك المستهلكين التقليديين الذين كانوا يقومون بذلك لأسباب دينية أو أخلاقية أو صحية بحتة. كما أن الاحصائيات تؤكد أنه على الرغم من صغر حجم سوق المنتجات النباتية البديلة مقارنة بسوق المواد الغذائية بشكل عام، إلا أن نسبة النمو لهذه الصناعة تعد كبيرة جدا.

الحليب النباتي وأهم الشركات المصنعة له

أهم أسباب تجنب البعض حليب البقر يعود إلى وجود مادة اللاكتوز، وهي المادة السكرية الموجودة في حليب البقر، التي يصعب على بعض الأجسام هضمها بسبب نقص لديهم في هورمون "اللاكتيس"، وهؤلاء يشكلون نحو 65 في المائة من الناس. ولهذا السبب قامت شركات الألبان التقليدية بإنتاج حليب أبقار يتم تسويقه على أنه خال من اللاكتوز، على الرغم من أنه في الحقيقة حليب أبقار عادي، لكن تمت إضافة هورمون "اللاكتيس" إليه، لمساعدة الجسم على عملية هضم اللاكتوز.
لذا ظهرت هناك بدائل نباتية للحليب مشتقة من عدة مصادر نباتية، أشهرها الشوفان واللوز والصويا والجوز والأرز بشكل أقل.

كيف يتم استخراج الحليب النباتي؟

تختلف طريقة تحضير الحليب من نوع إلى آخر، لكن جميعها يعتمد على تنقيع المادة في الماء البارد لعدة ساعات، ثم تصفيتها من الماء وخلطها جيدا إلى أن تصبح متجانسة الشكل. بعض المصانع تضيف إليها نكهات مثل الفانيليا أو الكراميل أو الشوكولا أو مجرد السكر، وذلك من أجل تحسين الطعم. ولأنه من الصعب تعويض جميع العناصر الغذائية الموجودة في الحليب الطبيعي، يلجأ بعض المصانع إلى إضافة بعض الفيتامينات مثل فيتامين "أ" و"د"، وبعض المكملات الغذائية مثل الكالسيوم. وأهم فيتامين موجود بشكل طبيعي وبكثرة في هذه المنتجات هو فيتامين E المضاد للأكسدة، وهذا كذلك أحد أهم عوامل الجذب.
أكثر أنواع الحليب النباتي استهلاكا هو اللوز ومن ثم الشوفان، وكلاهما يتمتع بنسبة قليلة من السعرات الحرارية وقليل من البروتينات وقليل من الكربوهيدرات.

أبرز شركات الحليب النباتي

حليب اللوز هو الأكثر شهرة بين المستهلكين، وينتج من قبل شركات جديدة متخصصة إلى جانب شركات الأغذية التقليدية التي دخلت هذا المجال بسبب تنامي شعبيته، ومنها شركة دانون الفرنسية التي تنتج عدة أنواع من الحليب النباتي بعلامات تجارية Alpro وSilk. وشركة دانون مدرجة خارج المنصة كشركة أجنبية في أمريكا، وقيمتها السوقية نحو 45 مليار دولار، ومبيعاتها السنوية في حدود 24 مليار دولار.
بحسب Grand View Research من المتوقع أن تتجاوز مبيعات حليب اللوز 13 مليار دولار 2025، كما تشير بعض التقارير إلى أن بعض المزارعين في ولاية كاليفورنيا الأمريكية تحولوا إلى زراعة اللوز بسبب تنامي الطلب عليه.
شركة SunOpta متخصصة في الأغذية العضوية الصحية المعتمدة على الفواكه ومتخصصة في المشروبات النباتية، وهي شركة تأسست 1973 ومدرجة في الأسواق منذ فترة طويلة. مبيعاتها قبل 2020 كانت تتجاوز مليار دولار، لكنها انخفضت إلى 790 مليون دولار 2020، وعلى الرغم من ذلك ارتفع سعر السهم لأكثر من ست مرات عن العام الماضي، ولا يزال مكرر الربحية معقولا جدا عند 17 مرة. (انظر الرسم البياني).
هذا فيما يخص حليب اللوز، أما حليب الشوفان فهو من اختصاص شركة أوتلي Oatly التي تم إدراج أسهمها قبل شهرين في بورصة ناسداك بسعر 20 دولارا، وهي الآن بسعر نحو 23 دولارا، (انظر الرسم البياني). هي شركة سويدية متخصصة في إنتاج حليب الشوفان، أو رقائق الذرة، وهو منافس لحليب اللوز ويختلف في بعض خصائصه. فمثلا بعض الأشخاص الذين لديهم حساسية ضد المكسرات يفضلون حليب الشوفان عن حليب اللوز، إلا أن حليب اللوز يتمتع بسعرات حرارية ودهون أقل من حليب الشوفان، وذلك بسبب طبيعة اللوز من جهة ومن جهة أخرى بسبب عدم استخدام كميات كبيرة من اللوز في إنتاج الحليب، فيكون معظم المشروب عبارة عن ماء، ولذلك تجد أن تماسك هذا الحليب أخف بكثير من حليب الشوفان.

ماذا عن اللحوم النباتية؟

ليس من الصعب علينا تخيل إنتاج حليب بديلا لحليب الأبقار من بعض المنتجات النباتية كاللوز والشوفان، لكن كيف يمكن إنتاج لحوم بديلة للحوم الأبقار؟
شركات اللحوم النباتية تعتمد على البقوليات، مثل البازلاء والفاصولياء واللوبياء والفول إلى جانب الأرز الأسمر كمادة رئيسة للمنتج وكمصادر بديلة للبروتين في هذه اللحوم، وتستخدم زبدة الجوز كبديل للدهون. هذه الشركات وجدت فرصة للاستجابة لمتطلبات شرائح كثيرة من المجتمعات، بالذات الجيل "زد"، في الاستدامة البيئية والصحة والرشاقة، فلجأت إلى المنتجات النباتية التي تتميز عن المنتجات الحيوانية بعدة أشياء تطرقنا إليها أعلاه، من ضمنها أن تربية الحيوانات تستهلك كميات كبيرة من المياه والطاقة بشكل أكبر بكثير من زراعة هذه المنتجات النباتية.
التحدي الكبير الذي واجه الشركات التي حاولت سابقا إنتاج لحوم نباتية، ومنها الهامبرجر النباتي الذي يباع من أعوام طويلة في المطاعم، هو أن الشكل والطعم غير مثالي، ولا يمكن أن يضاهي اللحوم الطبيعية. لذا لجأ بعض العلماء إلى عدة طرق لتغيير هذه الصورة النمطية عن اللحوم النباتية، فاكتشفوا طرقا عديدة لتجميل الشكل بتخشين الخلطة وإضافة كرات زبدة الجوز لتظهر بشكل حبيبات الدهون التي عادة تظهر في لحم الهامبرجر وفي كرات اللحم المستخدمة في وجبات الباستا.
كذلك تم استخدام عصارة البنجر التي تتميز باللون الأحمر البرتقالي لتشبه بذلك حمرة الدم في اللحوم، وتم إجراء عدة محاولات وتجارب علمية للتحكم في سرعة خروج العصارة ومدى تماسكها، وتمت إضافة مواد طبيعية لتغيير لون العصارة عندما ترتفع حرارتها لتصبح بنية اللون. ومن خلال علم الروائح استطاعوا إضافة مواد تعطي روائح قريبة جدا لرائحة اللحوم، بحيث أصبح الآن من الصعب جدا التفريق بين اللحم النباتي واللحم الطبيعي من حيث الشكل واللون والرائحة والطعم، بل حتى إن القيمة الغذائية أصبحت متقاربة، مع فارق عدم وجود دهون وكوليسترول.

Beyond Meat شركة لحوم نباتية

من أكبر شركات اللحوم النباتية، هناك شركة "بيوند ميت" التي تأسست 2009 واستمرت في تطوير منتجاتها وتحسينها إلى أن تم طرحها في السوق المالية 2019، (انظر الرسم البياني). طرحت الشركة بسعر 42 دولارا واعتمدت على حملة تسويقية ضخمة من قبل بعض نجوم هوليوود وغيرهم من المؤثرين وسرعان ما ارتفع سعرها إلى أن بلغ نحو 240 دولارا خلال أقل من ثلاثة أشهر، بقيمة سوقية حاليا تبلغ 8.9 مليار دولار. انتشرت منتجات الشركة لأكثر من 80 دولة حول العالم، وبحسب الشركة فإن عدد المحال والمطاعم التي تقدم لحومها يزيد على 122 ألف جهة.
أعلنت الشركة هذا الأسبوع تقديم شرائح دجاج طرية، إضافة إلى لحم الهامبرجر المشهور لديها، وتؤكد الشركة دائما أنها لا تتعامل مع أي مواد معدلة جينيا GMO، ونسبة الدهون أقل بكثير من المنتجات الحيوانية. وتتميز منتجات الشركة بجودة الشكل والطعم والقيمة الغذائية، حيث كما ذكرنا تتم إضافة منكهات طبيعية وعصارة كل من التفاح والبنجر لتحسين الطعم، وتضاف عناصر غذائية طبيعية لعدم وجودها في الخامة الرئيسة المكونة من البقوليات والأرز الأسمر، وذلك لرفع نسبة الكالسيوم والحديد وكلوريد البوتاسيوم في اللحوم. ولكي تتماسك اللحمة مع بعض تضاف بعض الكربوهيدرات المستخلصة من نشاء البطاطا وبعض الألياف.

شركة الأغذية المستحيلة Impossible Foods

تأسست شركة الأغذية المستحيلة في 2011 وهي منافسة لشركة "بيوند ميت" ومتوقع أن تدرج قريبا في إحدى الأسواق المالية الأمريكية، بقيمة قد تتجاوز عشرة مليارات دولار، فتكون ربما أكبر من "بيوند ميت" التي سبقتها في الطرح، وأكبر من قيمتها العام الماضي عندما تم تمويلها بصفقة خاصة بمبلغ أربعة مليارات دولار. ومن المتوقع أن تطرح الشركة من خلال شركة استحواذ خاصة SPAC، كما هو شائع في الطروحات الأولية في العامين الماضيين.
مؤسس الشركة عالم في مجال الكيمياء الحيوية ترك عمله في جامعة ستانفورد الشهيرة ليتفرغ لتطوير وتحسين اللحوم النباتية، وبالفعل حققت منتجات الشركة نجاحات كبيرة حيث تقدم لحومها في مطاعم برجر كينج، بينما تقدم لحوم "بيوند ميت" في مطاعم ماكدونالدز. مؤسس الشركة لديه خطط لطرح شرائح لحم "ستيك"، وليس فقط لحوم الهامبرجر، وإن نجح في ذلك فستكون ثورة كبيرة في عالم اللحوم وستحقق نتائج مالية عالية للشركة في الأعوام المقبلة.

ماذا عن آراء المشككين والمعارضين للحوم النباتية؟

الاستثمار الناجح ليس بالضرورة لمنتج مفضل لدى المستثمر، بل العبرة دائما بنجاح المنتج في السوق. وعلى الرغم من قلة عدد المهتمين بالمنتجات النباتية بشكل عام، وباللحوم النباتية بشكل خاص، حيث كما ذكرنا يقدر عدد الناس النباتيين في الولايات المتحدة بنحو 2 في المائة، إلا أن هناك شرائح أخرى من المستهلكين ممن يفضل هذه المنتجات لأسباب صحية وبيئية وإنسانية. ولذلك، وعلى الرغم من المشككين يجب علينا أخذ الشرائح المستهلكة لهذه المنتجات في الحسبان.
من أكبر الانتقادات الموجهة إلى اللحوم النباتية أنها معالجة بشكل مكثف، تصعب استساغتها من قبل البعض، على الرغم من أن جميع مكوناتها طبيعية وصحية. لكن ربما التهديد الأكبر لهذه الشركات احتمال وجود بدائل للحوم النباتية من خلال لحوم طبيعية تصنع في المختبرات، بحيث يمكن التحكم في نسبة الدهون والكوليسترول فيها، وفي الوقت نفسه المحافظة على البيئة نتيجة عدم الحاجة إلى تربية الحيوانات بهدف أكل لحومها. كيف يتم ذلك؟
هناك عدد كبير من الشركات والمراكز البحثية التي تعمل في مجال استزراع اللحوم، وبالفعل تم بنهاية العام الماضي تقديم هذا النوع من اللحوم في أحد المطاعم في سنغافورة. طريقة إنتاج هذه الحوم تتم بأخذ عدد قليل من الخلايا الجذعية من أبقار حقيقية، وجعلها تكبر وتتكاثر خلال أسابيع قليلة داخل المختبر، ومن ثم يضاف إليها بعض التركيبات الغذائية المشتقة من الصويا لإعطائها الشكل المناسب. في حال نجاح هذا النوع من اللحوم فستكون له تأثيرات مدمرة في قطاع اللحوم النباتية.
التهديد الأكبر لهذه المنتجات التي تقدم من شركات غذائية جديدة هي أن الشركات الغذائية الكبرى ليست واقفة مكتوفة الأيدي، فهي بدورها تراقب هذه التطورات باهتمام كبير، ومن الممكن دخولها المجال بقوة والاستفادة من قدراتها التصنيعية والتوسعية والعلامات التجارية الخاصة بها. فهناك شركات كبرى مثل General Mills المتخصصة في الأغذية المعلبة التي تتجاوز مبيعاتها السنوية 18 مليار دولار، وهناك شركات اللحوم العالمية مثل "تايسون فودز" التي تتجاوز مبيعاتها السنوية 43 مليار دولار، ولديها اهتمام باللحوم البديلة والصحية.
هناك كذلك شركات صغيرة منافسة ومتخصصة في مجال المنتجات النباتية أو المكملة لها، منها شركة Lifeway البالغة قيمتها السوقية أقل من مائة مليون دولار، التي تنتج مشروبات مخمرة من الفطر الهندي كبديل للزبادي. أما شركة SMPL واسمها "شركة الأغذية الجيدة ببساطة" فهي شركة تقدم بدائل صحية وعضوية لكثير من الحلويات والمشروبات، ولديها تصاعد كبير في المبيعات، حيث قفزت من 430 مليون دولار 2018 إلى 968 مليار دولار في 2020.

خاتمة

استعرضنا في هذا التقرير مجال المنتجات الغذائية البديلة للحوم والألبان، وذكرنا أن هناك توجها عالميا بقيادة جيل الشباب نحو المنتجات الصديقة للبيئة، التي تحتوي على كميات قليلة من الدهون والكوليسترول. فبدأنا نشاهد على رفوف مراكز التسوق الغذائية منتجات كثيرة لبدائل الحليب الطبيعي التي تستخرج من الشوفان واللوز والصويا، وغيرها. كذلك ظهرت بدائل للحوم تقدم حاليا من شركتين متنافستين، الأولى مدرجة في السوق المالية، والأخرى على وشك الإدراج.
مستقبل هذه المنتجات غير مؤكد بالطبع، لكن من الواضح أن هناك سوقا واعدة للمنتجات الصحية، وحدة التنافس تتزايد، ولا سيما إمكانية استزراع اللحوم الطبيعية في المختبرات.

الأكثر قراءة