أرباح قياسية تتنظر صناعة التعدين .. 2.42 تريليون دولار قيمة السوق في 2025
أرهق وباء كورونا الاقتصاد العالمي، وعرضه لخسائر ضخمة، ونتيجة تفشيه منيت قطاعات اقتصادية استراتيجية بخسائر مليارية.
مع ذلك فإن أكبر 40 شركة تعدين في العالم، أفلحت في الخروج من عاصفة كورونا في وضع مالي وتشغيلي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه ممتاز،
كشفت الإحصاءات الصادرة عن صناعة التعدين الدولية في عام 2020 أرقاما تعد حقا لافتة، حتى بالمقارنة بعام 2019 وهو من الأعوام التي أدت فيها صناعة التعدين بشكل جيد، إذ ارتفعت الأرباح الصافية بنحو 15 في المائة.
كما زادت المدفوعات النقدية المباشرة بنحو 40 في المائة، وزادت أيضا القيمة السوقية بنحو الثلثين.
هذا كله ولم يأت الأفضل بعد، إذ يتوقع الخبراء تحقيق صناعة التعدين هذا العام معدلات أرباح قياسية، ربما تكون ثاني أعلى معدلات أرباح تحققها خلال العقدين الماضيين.
لكن هذا النجاح الباهر له ثمنه. فعلى أكبر 40 شركة تعدين في العالم أن تجيب على أسئلة يتعلق أغلبها بالمستقبل، فمع كل تلك الأرباح المحققة والأوضاع التشغيلية الإيجابية، بات عليها أن توضح للعالم استراتيجيتها المستقبلية في كيفية التعامل مع تحول الاقتصاد العالمي إلى مزيد من التركيز على قضايا البيئة، ومكافحة التلوث والاحتباس الحراري.
مع الأخذ في الحسبان أن عمليات التعدين في الأغلب ما يوجه إليها سهام النقد العنيف بأنها أحد أبرز الصناعات الملوثة للبيئة، وتحمل المسؤولية عن ارتفاع منسوب الاحتباس الحراري.
تلك التساؤلات وإجابات شركات التعدين العالمية، يجب أن تأخذ في الحسبان أيضا أن أكبر عشرة اقتصادات في العالم تعهدت بإجراءات مستقبلية جذرية لحماية البيئة ومكافحة التغير المناخي.
يقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور أرثر دين أستاذ علم المعادن في جامعة جلاسكو، "وفقا لوكالة الطاقة الدولية فإن حاجة قطاع الطاقة إلى المعادن المهمة الضرورية لتقنيات الطاقة النظيفة ستصل إلى ستة أضعاف ما هي عليه الآن بحلول عام 2040، وهذا يكشف عن مستقبل واعد ومربح لشركات التعدين، وعلى الرغم من تعهدات كبرى الشركات بالتفاعل الإيجابي مع الاتجاه العالمي لحماية البيئة، والمساهمة الضريبية الكبرى لتلك الشركات، فإن عليهم اتخاذ مزيد من الإجراءات للتحلي بالشفافية بشأن المدفوعات".
ويضيف "كما أن الأرباح الضخمة التي تحققت خاصة في العامين الماضيين، والوضع المالي الإيجابي يجعلهم في وضع أفضل للتسريع في اتجاه إجراء تحويلات جذرية في الصناعة، تجعلها أكثر انسجاما مع الاتجاه البيئي العالمي".
ولكن ماذا تكشف المقاييس المالية للصناعة وقوتها الحقيقية؟ من المتوقع نمو سوق التعدين العالمي من تريليون و642 مليار دولار أمريكي تقريبا العام الماضي إلى تريليون و846 مليار دولار في العام الجاري، ومن ثم إلى تريليونين و428 مليار دولار في عام 2025 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 7 في المائة.
وارتفعت الإيرادات من العام الماضي حتى الآن 4 في المائة ليصل إجمالي إيرادات القطاع إلى 545 مليار دولار، أما صافي الأرباح فبلغ 15 في المائة ووصل إلى 70 مليار دولار.
النحاس هو سيد المعادن في تلك الصناعة حيث يستحوذ على 122 مليار دولار من إيرادات أكبر 40 شركة تعدين عالمية، وسيواصل النحاس وضعه المميز هذا العام وسط تقديرات بعض الخبراء بأن يرتفع 40 في المائة.
يعلق روجر كريس نائب المدير التنفيذي لفرع شركة ريو تنتو للتعدين في المملكة المتحدة قائلا "لا شك أن الصناعة تؤدي دورا جيدا على المستوى الدولي، لكن هذا لا ينفي وجود حالة من عدم اليقين لدى قطاع كبير من رؤساء مجالس الإدارات، فيما يتعلق بالنظم الضريبية، وما لها من تأثير مباشر في مستقبل صناعة التعدين وتحديدا الأرباح، وأخر استطلاع في هذا الشأن كشف أن 39 في المائة من الرؤساء التنفيذيين لشركات التعدين والمعادن يشعرون بقلق إزاء عدم اليقين من السياسات الضريبية، وذلك ضعف النسبة التي كانت موجودة العام الماضي وهي 18 في المائة".
تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر منطقة في سوق التعدين العالمية، حيث استحوذت على 71 في المائة من السوق العالمية العام الماضي. وحققت صناعة التعدين في الصين بمفردها 151 مليار دولار، يليها أستراليا بما قيمته 118 مليار دولار.
بينما احتلت أمريكا الشمالية المرتبة الثانية واستحوذت على 9 في المائة من سوق التعدين العالمية، إذ حققت الولايات المتحدة 35 مليار دولار يليها كندا بفارق بسيط وحققت 34.22 مليار دولار.
تلك النجاحات لا تنفي وجود تحديات كبرى أمام مستقبل الصناعة. وإذا لم تفلح في التغلب عليها عبر استراتيجية عالمية شاملة، فإن أداء القطاع المنتعش حاليا وبقوة في فضاء الأعمال قد يتباطأ وربما يتوقف.
القضايا المتعلقة بتنظيم الصناعة، والمخاطر الجيوسياسية، والقيود القانونية على استخدام الموارد الطبيعية، اوجدت تحديات إضافية. وعلى الرغم من أن نمو الطلب على المعادن سينمو في الأعوام المقبلة، فإن هناك مجموعة من العوامل التي ستشكل نموذج الأعمال في قطاع التعدين والمعادن من الآن حتى نهاية القرن.
من جهته، يرى البروفيسور بريندون كيد أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة مانشستر، أن الطلب على معظم المعادن سيرتفع من أجل تحقيق انتقال اقتصادي للطاقة النظيفة، ونظرا إلى أن أنظمة النقل والطاقة منخفضة الانبعاثات أكثر كثافة لاستخدام المعادن، فإن الانتقال يوفر فرصة كبيرة لقطاع التعدين.
ويضيف "لكن على القطاع أن يخفض أيضا من الانبعاثات الناجمة عن عمليات التعدين ذاتها، ومن ثم سيكون عليه ضخ استثمارات مالية هائلة في الأعوام المقبلة، لتشغيل عملياته بالطاقة المتجددة، وتشغيل أساطيل من الشاحنات التي تعمل بالكهرباء أو الهيدروجين".
ويقول لـ"الاقتصادية"، إنه "إضافة إلى التحدي السابق ستحتاج شركات التعدين إلى المغامرة فيما يعرف بمناطق التعدين (الحدية)، وهي المناطق التي لم تكن مجدية اقتصاديا في السابق حيث إن تكلفة استخراج المعدن منها أعلى من أسعار البيع، فعلى شركات التعدين البحث عن تقنيات جديدة أو أساليب استخراج حديثة للمعادن، ولا شك أن الأتمته والرقمنة والذكاء الاصطناعي والاختراقات التكنولوجية ستتيح ذلك".
لكنه ينبه إلى ضرورة أن ينسجم ذلك مع الاتجاه العالمي للحفاظ على البيئية، خاصة أن التقنيات الجديدة ستكون مغرية للغاية وستفتح طرقا جديدة لشركات التعدين لتحسين تثمين الموارد الحالية أو السماح بالوصول إلى موارد جديدة.
كل هذا لا ينفي أن التمويل وعلى الرغم من ثراء شركات التعدين، سيمثل تحديا لا يمكن الاستهانة به، خاصة إذا أراد القطاع أن يفي بتعهداته الدولية في مجال الحفاظ على البيئة، فبينما تحاول شركات التعدين الحد من المخاطر، وتطوير قدرتها التكنولوجية، فإن نماذج التمويل والإنتاج الجديدة أكثر تعقيدا.
وإذا أخذ في الحسبان أن مشاريع التعدين المقبلة مشاريع كثيفة رأس المال، فإن الاحتياجات الاستثمارية للقطاع سترتفع بشدة.
يضاف إلى ذلك أن تنامي التيارات الشعبوية المعادية للعولمة والتجارة الحرة والداعمة للانغلاق الاقتصادي، يجعل المخاطر الجيوسياسة التي تواجه شركات التعدين أكثر حدة، ويؤثر بشكل مباشر في القطاع.
ويحاول صناع السياسات في الدول المشهورة إنتاج المعادن، سن قوانين ولوائح تعمل على معالجة المعادن قبل تصديرها لزيادة القيمة المضافة وتحقيق معدلات ربحية أعلى.
ويخشى الخبراء أن يشهد قطاع المعادن الحرجة الذي يعد محوريا للصناعات ذات التقنية العالية والموجهة نحو المستقبل مزيدا من التعقيد بسبب توحيد السوق في أيدي عدد قليل من اللاعبين، ما يجعل كثيرا من رؤساء مجالس شركات التعدين أكثر ثقة بأن الاندماج ربما يكون أحد الحلول الأكثر فاعلية لمواجهة التحديات التي ستواجه شركاتهم مستقبلا، سواء تعلق الأمر بالحاجة الكثيفة لرؤوس الأموال أو مواجهة التحديات الجيوسياسية.