رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنظيم الخدمات ومكامن الفشل

تحدثنا في مقال سابق عن تنظيم الخدمات وماهيته والمأمول منه، وكيف أن منظم الخدمات أو هيئة تنظيم الخدمات Services Regulatory Authority يقع في متسلسلة القطاع الذي يبدأ بالمشرع ثم المنظم ومقدمي الخدمة وأخيرا العملاء. إن تنظيم الخدمات لهو الشغل الشاغل للصناعات والمستهلكين والمواطنين والحكومات على حد سواء. فالمشرع يطرح أنظمة وقوانين لصناعة ما، ليقوم المنظم بدور الرقابة والتأكد من انضباط مقدم الخدمة من خلال سن لوائح تنظيمية ورخص ومعايير أداء وغيرها، وكذلك حفظا لحقوق المستهلكين ومقدمي الخدمة الآخرين وبما يخدم المصلحة العامة والصناعة عموما. وللتذكير فإن أهم الصناعات التي تشمل الخدمات التنظيمية على سبيل المثال لا الحصر، هي الكهرباء والماء والصرف الصحي والمخلفات والاتصالات والبريد والبيئة والغاز والغذاء والدواء والنقل والطيران المدني والموانئ والخدمات المصرفية والبنكية وغيرها. يأتي السؤال الذي قد يدور في أذهان البعض حول إمكانية فشل تنظيم الخدمات أو الفشل التنظيمي Regulatory Failure ومتى يحدث ولماذا. لو نظرنا إلى الأزمات المالية وإخفاق الأسواق أو البنوك مثل فشل بنك هاليفاكس الاسكتلندي "وإنقاذه لاحقا من قبل بنك لويدز" الذي كان أكبر حدث في المملكة المتحدة للأزمة المالية، كان يعزى السبب إلى سوء التنظيم من قبل هيئة الخدمات المالية. وذكرت التقارير اللاحقة عام 2015 أن الهيئة كانت تثق كثيرا بإدارة الشركات أو البنوك، حتى إن الرأي العام داخل الهيئة التنظيمية يشير إلى أن "التنفيذ ضد كبار المصرفيين أصبح مستحيلا عمليا".
يرتكز فشل تنظيم الخدمات عموما على سوء إدارة المخاطر للصناعة المعنية وقدرة المنظم على تحمل المسؤولية. إن عدم تدخل المنظم في الوقت المناسب لإنقاذ الصناعة من خطر صريح سواء على مقدم الخدمة أو المستهلكين أو غيرهما يعد فشلا، وفي بعض الأحيان عدم إعطاء المنظم الأداة القانونية والتنظيمية في التشريع من أجل التدخل أو الرقابة الصريحة، ما يؤدي إلى توقف المنظم في إبداء رأيه التنظيمي وغياب الصلاحيات والمسؤولية للقيام بواجباته على أكمل وجه. وقد يعزى السبب إلى الحيرة التنظيمية من جراء تداخل أكثر من منظم في الصناعة وعدم المواءمة بين التشريعات في الصناعة، ما يخلف أثرا سلبيا على المرخص لهم من خلال تداخل معايير أداء لكل منظم أو الأدوات التنظيمية، ما يجعل المرخص لهم في حيرة من أمرهم. وما بين الإخفاق التنظيمي والتنظيم الجيد بون شاسع من جراء المشكلات الناشئة عن سوء التنظيم أو حتى الإفراط فيه. وربما يقع فشل تنظيم الخدمات في تعقيدات البيئة السياسية حول عدم قيام المنظم بدوره الحقيقي والمنصوص عليه في النظام بسبب غياب الاستقلالية المطلوبة أو تعارض المصالح أو غياب الشفافية أو عدم القدرة على المرونة وقابلية التكيف مع متغيرات جديدة. مع الإحاطة أن مفهوم الاستقلالية قد أدت في بعض الأحيان إلى وجود فجوة في عملية التواصل بين المنظمين والمرخص لهم والدوائر الحكومية. وكل ما ذكر أعلاه يشكل مخاطر على الصناعة قد يكون تأثير بعضها بسيطا وقابلا للمعالجة الفورية بيد أن بعضها قد يوجد مخاطر شديدة على الصناعة والاقتصاد والمستهلك. ولا شك أن وجود المنظم مهم في جذب الاستثمار والتنافسية والخصخصة وثقة المستهلك ووجود لاعبين جدد في الصناعة، ولذلك تعد إدارة المخاطر ضرورة قصوى في النمو الاقتصادي وشيوع الهدوء التنظيمي. ومن المحتمل أن يؤدي التركيز على أحد المخاطر إلى تقليل الاهتمام بالعواقب المحتملة الناجمة عن تحقق خطر آخر، ما قد يؤدي إلى فشل السوق وإخفاق التنظيم، فعلى سبيل المثال، الإفراط بالمخاطرة في القطاع المالي، بسبب الضمانات الحكومية ذات التسعير الخاطئ أو التركيز التنظيمي على مخاطر المؤسسات الفردية بدلا من المخاطر النظامية. ومن مظاهر فشل تنظيم الخدمات هو الاستئثار التنظيمي Regulatory Capture ويعد هذا الفشل من أخطرها، لأن المنظم يعمل لمصلحة فئة معينة من المرخص لهم على حساب المصلحة العامة حتى من غير قصد، وبالتالي هيمنة البعض، ما يضعف أداء الصناعة. وعندما يحدث الاستئثار التنظيمي فإن أهداف ومصالح الشركات تأخذ أولوية تتجاوز المصلحة العامة، ما يؤدي إلى خسائر جمة على الصناعة. أشار روبرت بالدوين ومارتن كييف ومارتن لودج في كتابهم "فهم التنظيم" إلى واحد أو أكثر من الاختبارات الخمسة الرئيسة لمعرفة حالة التنظيم على النحو التالي: هل عمل المنظم مدعوم من النظام التشريعي؟ هل يوجد مخطط مناسب للمساءلة؟ هل الإجراءات التنظيمية عادلة ومفتوحة ويمكن الوصول إليها؟ هل يعمل المنظم بالخبرة الكافية؟ هل العمل أم النظام فعال؟ وقد يضاف لها محاور أخرى حسب طبيعة البلد والتكوين التشريعي.
إن على هيئات التنظيم معرفة أين الخطأ ولماذا وقع من أساسه مع إنشاء عمليات تنظيمية من أجل مراقبة أدق ومرونة أفضل للتكيف، والدراية أن الهيئة تسير دائما في منحنى تعلم لكن يجب أن يكون بذكاء؟. ومن المهم توثيق المواقف مع كل المرخص لهم والأطراف الأخرى وإنشاء سجل مخاطر وتحديثه تباعا. من أهم الوصفات التي تؤدي إلى التحسين التنظيمي: التنسيق والتواصل، التعلم والإصلاح التنظيمي، والحلول النوعية. ترتبط مشكلات الإفراط في التنظيم أو قلته غالبا مع أوجه القصور في التنسيق والتواصل بين المنظم وغيره، وعليه يرحب عديد من الأطراف بالتواصل الفعال سواء المرخص لهم أم الدوائر الحكومية، ومن أجل حصول المنظم على المعلومات الضرورية. ويستخدم التعلم والإصلاح التنظيمي على نطاق واسع عند الإخفاقات التنظيمية. ولأن طبيعة التغير التنظيمي نادرا ما تتبع الخطوط المطلوبة وظيفيا، نراها تتبع المنطق المناسب حسب الموقف والخبرة وبالتالي بناء منحنى تعلم للمنظم. وأخيرا، من أجل إصلاح التنظيم الحالي وتحسين أدواته الرقابية فلا بد من إيجاد الحلول النوعية مع تفادي اللجوء نحو الإفراط التنظيمي على المرخص لهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي