تراثك الرقمي
لولا عنترة ما عرفنا دار محبوبته عبلة، وما كنا لنعرف حي ليلى أيقونة العشق العربي إلا بعد عصماء قيس ابن الملوح، وموضع بكائية امرئ القيس، قل ما شئت عن الدلالة الجغرافية في الذاكرة الشعرية، إذ غدت مقدمات القصائد الجاهلية كأنها جوجل ماب هذا العصر، تكشف عن مسارات الحياة اليومية وخرائط العشاق ومسالك الهائمين بين الأطلال والدروب التي يسلكها الفرسان والصعاليك.
هذا النشاط مهم لإبراز المكان وتثبيت الكاتب للآثار والتراث والمواقف والأحداث، وهذا مستمر، لكن بصورة مختلفة فمن الأطلال للكيبورد، بيد أن الأول أقدر على البقاء من الثاني الذي بات مرهونا بأيدي آخرين، بأيدي سيرفرات وخوادم متى ما انتهت ينتهي معها كل شيء، هذا إذا سلم من التزوير والتشويه، أقول ذلك بعد أن جرت أحاديث مطولة عن المنتديات المزدهرة خلال الـ20 عاما الماضية وما اكتنزت من معارف وتجارب وخبرات ذهبت أدراج السيرفرات.
الأكثر أثرا من ضياع الكتابة والتوثيق في دورة الحياة الرقمية هو انعدام الملكية للإنتاج من جهة، وللمنتج نفسه من جهة أخرى، فالعلم سيكون مادة مغرية للصوص النصوص، والمنتج سيكون عرضة للانتحال أو السرقة، لأن وجوده يتمثل في حساب يتضمن معلومات شخصية وبيانات حساسة يمكن الاستيلاء عليها في أي وقت.
إن الحضور الرقمي ينطوي عليه كثير من الفوائد، لكن ثمة مخاطر كثيرة جدا بوصفها معلومات خاصة بالمستخدم، لذا التفكير للاحتفاظ بالمحتوى وبالحاوي أمر في غاية الأهمية، وإن لم تقم بذلك فسيكون ذكرك في مهب الريح باعتبار أن تدوينك سيكون يوما من الأيام تراثا لك، ولا تريد بالطبع أن يكون تراثك يوما معرضا للعبث أو للبيع.