ندرة المياه مصدر قلق في الريف الفرنسي
لطالما كانت التلال البركانية الخصبة المحيطة بفولفيك في وسط فرنسا مصدرا للمياه المعدنية المرغوبة في كل أنحاء العالم، لكنّ سكانا محليين وجيولوجيين يحذرون من أن الشركة الآن سحبت كميات كبيرة من المياه، ما يعرض المنطقة بكاملها للخطر.
وقال بيار غروديكور (69 عاما) مشيرا إلى المياه المتدفقة خارج المنزل الذي وُلد فيه في لي مولان بلان "كانت المياه تصل إلى مستوى الركبتين وكان يمكن المجرى أن يشغل طاحونتين".
وأضاف أن الطواحين اختفت منذ وقت طويل وغالبا ما يكون مجرى النهر جافا.
تقع قريته في منطقة أوفيرن على مسافة قصيرة من مصنع فولفيك للتعبئة التابع لشركة دانون الفرنسية العملاقة للأغذية والمشروبات.
منذ العام 2014، سمحت الحكومة لشركة دانون بتعبئة ما يصل إلى 2,8 مليون متر مكعب من المياه سنويا، أو 2,8 مليار زجاجة سعة لتر واحد.
وهذا الرقم يوازي استخراج ما يقرب من 89 لترا في الثانية من منسوب فولفيك المائي مقارنة ب15,6 لترا فقط عندما بدأت عمليات التعبئة في العام 1965.
لكن في موقع قريب لتربية الأسماك في سان-جونيست-لانفان، وهو معلم مصنّف يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر حيث يتدفق فولفيك بشكل طبيعي، مرت بضعة أشهر لم تتدفق فيها المياه على الإطلاق.
واضطر المالك إدوار دو فيليغوند لإغلاق مصايد الأسماك قبل سنوات قليلة بعدما شكلت الطحالب البطية أغشية خضراء زلقة فوق الأحواض التي أصبحت راكدة بسبب نقص التيار.
وقال فيليغوند الذي يخوض معركة قانونية ضد الشركة المتعددة الجنسيات بالتعاون مع المحامية ووزيرة البيئة السابقة كورين لوباج "دانون تدمر نصبا تاريخيا حتى تتمكن من إرسال زجاجاتها البلاستيكية إلى الجانب الآخر من العالم".
- "تصحّر" - وقال عالم الجيولوجيا روبير دوران لوكالة فرانس برس إن متوسط معدل التدفق في منبع فولفيك انخفض إلى 50 لترا في الثانية، وهو أقل بكثير من مستوى 470 لترا في الثانية الذي تم قياسه عام 1927.
ويؤثر نقص المياه على التنوع البيولوجي في المنطقة من خلال تقليل الرطوبة الطبيعية للتلال الحرجية.
وأوضح كريستيان أمبلار الخبير في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية في كليرمون-فيران، العاصمة التاريخية لأوفيرن "يمكن وصف ذلك بأنه بداية التصحر".
وأشار إلى انخفاض في تعداد أشجار نغت الدبق وطيور حسون الشوك المغردة التي تعشش فيها وطيور الصفير الذهبي.
وقال "التدخل البشري وفولفيك هما المسؤولان الوحيدان" عن ذلك.
من جانبه، أوضح لوران كامبوس-هوغينيه وهو مزارع وعضو في "ووتر" وهي مجموعة مدافعة عن المصالح العامة، إن الجداول حول فولفيك لم تعد تتدفق بقوة كافية لدعم عمليات الري.
وأضاف "لم يكن هناك أي عملية زراعية كبيرة في المنطقة منذ سنوات".
لكن جيروم غرو مدير موقع التعبئة في فولفيك شكك في المزاعم بأن عمليات المصنع تتسبب في تجفيف قاع المياه وقال إن شركة دانون تستثمر بكثافة في حماية المنبع.
وتابع غرو لوكالة فرانس برس "وفرنا 380 مليون لتر بين عامَي 2017 و2020 رغم استقرار المبيعات".
في العام 2014، على سبيل المثال، احتاجت شركة فولفيك إلى سحب لترين لملء زجاجة سعة لتر واحد، مع استخدام الفائض لتنظيف معدات التعقيم والغسل.
وقال "اليوم خفضنا حاجتنا إلى 1,4 لتر فقط لكل لتر معبأ".
- ورطة - والمنتقدون غير مقتنعين بذلك، وهم يقولون إن فولفيك تسحب المياه من عمق يصل إلى 100 متر وأن نضوب النبع لا يمكن أن يعزى إلى الطقس لأن معدل هطول الأمطار بقي ثابتا خلال السنوات الماضية.
قال فرانسوا-دومينيك دو لاروزيير وهو عالم جيولوجي وعضو في مجموعة "بريفا" المحلية للحفاظ على البيئة "يبدو الأمر كما لو كنت تفرغ حوض استحمام من القاع".
وسمحت السلطات أيضا لفولفيك بتوزيع ما يحق لها سبحه من المياه على مدار العام، بما يعني أنها يمكن أن تسحب المزيد من المياه في الصيف عندما يرتفع الطلب والعكس صحيح في الشتاء.
وقال المسؤول الحكومي في المنطقة فيليب شوبان أمام لجنة برلمانية في نيسان/أبريل إن "الظروف البيئية، خصوصا الجفاف، تسببت في انخفاض طبقة المياه الجوفية والذي لا نعتقد أنه يمكن إلقاء اللوم فيه" على عمليات استخراج فولفيك.
إلا أن تصريحاته كانت موضع رفض من كثر في فولفيك حيث علّق إصدار تصاريح البناء في آب/أغسطس الماضي بسبب خطر شح مياه الشرب، رغم أن رئيس البلدية نفى أي دليل على أن عمليات فولفيك هي السبب.
وقال دو لاروزيير "كيف يمكنك إخبار الناس بأنهم لا يستطيعون سقي ثلاث غرسات طماطم في منتصف الصيف عندما يرون شاحنات ممتلئة تغادر هذا المصنع؟".
وختم "دانون توقع نفسها في ورطة، عندما يجف الصنبور، سيكون الأمر مؤلما".