الحقبة الاستعمارية وحقوق الناس
عندما أقرا في الحقبة التاريخية للاستعمار الغربي، الذي فرض على كثير من أنحاء العالم، خاصة في دول آسيا وإفريقيا، أجد فيها كثيرا من الممارسات المشينة، الخارجة عما يمكن أن يقبله العقل السوي، أو تقره الثقافة المتحضرة، والمبادئ والقوانين التي جاءت بها الشرائع السماوية، أو سنتها المجالس التشريعية، وبما يتناسب مع الفطرة السوية.
أبرز الدول الاستعمارية الأوروبية، بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال. هذه الدول مارست أبشع الممارسات في حق شعوب الدول التي خضعت لاستعمارها، فبدءا بمسخ الهوية، واستبدال اللغة الأصلية بلغة المستعمر، من خلال فرضها لغة رسمية يتم استخدامها في الحياة اليومية. ولعل ما حدث في الدول الإفريقية، كالنيجر ومالي وتشاد والجزائر، التي خضعت للاحتلال الفرنسي، أبرز دليل، حيث لا تزال اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في بعضها، كما أن أنظمة الدولة وقوانينها تأخذ بما فرضه المستعمر، حتى تمكنت من إيجاد أجيال تفكر بالنيابة عنها بعد رحيله العسكري، ليبقى فكره، وثقافته، ولغته، ومناهجه التعليمية، التي تؤصل في نفوس أبناء الدول الخاضعة له.
أما استغلال موارد هذه الدول الطبيعية، وحرمان مواطنيها منها، فلا تزال عملية النهب للمعادن، واليورانيم، والألماس، والذهب، والحديد، تجري ليل نهار بتسخير أبناء الوطن في التنقيب عنها مقابل أجور زهيدة، مع تعرضهم للمخاطر والأمراض جراء عملهم في هذه الأماكن. ومن أبشع ما شاهدته، أفلاما حقيقية صورت أثناء حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث يطلق الجنود الفرنسيون النار على الناس العزل، وكأنهم يقنصون طيورا، وهم في خيامهم، أو يسيرون في الشوارع. كما لا ننسى ما أحدثه الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام من سرقة لآثارها، وذاكرتها التاريخية، لتعرضه فرنسا في متاحفها، أما دعم الأقليات في بلاد الشام على حساب الأكثرية، وتمكين أبناء الاقليات ليكونوا في دفة قيادة بلاد الشام، فأمر مشاهد منذ ذلك التاريخ حتى الوقت الراهن.
الاحتلال البريطاني للهند تميز بالبشاعة، وامتهان حقوق الإنسان، مع إيجاد تمايز طبقي، وعرقي، وديني في الهند، موظفا قانون "فرق تسد"، الذي تبرع فيه بريطانيا، ولذا ما تعيشه الهند في الوقت الراهن ما هو إلا نتاج تلك الحقبة الاستعمارية الكريهة. ومن أبشع صور انتهاك حقوق الإنسان، التي اطلعت عليها، صورة جندي بريطاني جالس على كرسي واضعا قدميه على طفل هندي. أما الصورة البشعة الأخرى، فهي امرأة هندية أجبرها جندي بريطاني لتحمله على ظهرها. هذه نماذج مما تمكنت تصويره الكاميرات المحدودة في ذلك الوقت، والأقل تقدما من الناحية التقنية. وما خفي أعظم.
بلجيكا، الدولة المستعمرة للكونغو، عانى شعبها أبشع صور التعذيب والإذلال، حيث أجبر سكانها على جمع المطاط والعاج مقابل لا شيء، سوى الطعام، ومن لا يحضر الكمية المحددة يجلد، ويحرم من الطعام، ليتطور العقاب إلى قطع يد الكونغولي الذي لا يتمكن من إحضار الكمية المحددة. ومن يتصفح الكتب والصور الموجودة فيها يقشعر بدنه، وهو يرى أطفالا مقطوعي الأيدي، كما أن من أبشع الصور طفل كنغولي داخل قفص يتفرج عليه أطفال بلجيكيون.
أما الولايات المتحدة، وما فعلته في الهنود الحمر، وما يمارس حاليا في حق الأمريكيين السود من استهداف للقتل، والإهانة، إضافة إلى حالة الاستعباد التي تعرض لها آباؤهم وأجدادهم. أما تحيزها السياسي والدعم العسكري والمالي للكيان الصهيوني في عدوانه، وغطرسته، فالقاصي والداني يعرفه، وسبق هذا ما فعلته في أفغانستان والعراق من قتل وتدمير وانتهاك لحقوق الإنسان، وبما يعجز اللسان والقلم والكاميرا عن تصويره.
عرض هذه النماذج السيئة لانتهاك حقوق الإنسان، ليس هدفا بحق ذاته، بل الهدف الأساس أن يكون لدى الإعلام وغيره جرأة التصريح بتاريخ من يرفعون شعار حقوق الإنسان الكاذب، ومن جعلوا أنفسهم أوصياء عليها كذبا وزورا. لذا، فالتكامل بين الإعلام والمؤسسات السياسية، واستحضارها هذه الحقائق، وإبرازها في المنتديات والاجتماعات الرسمية، سواء من خلال هيئات الأمم المتحدة، أو في الاجتماعات الخاصة. أما ما يوجد في مناهج الدول الغربية من استعلاء وكراهية، وأوصاف قميئة للشعوب من أعراق أخرى، فتتضمنه بحوث ندوة بناء المناهج الأسس، والمنطلقات التي نظمتها كلية التربية في جامعة الملك سعود عام 1424 هـ، لمن يرغب في الرجوع إليها.