معضلة الدراما السعودية .. انحسار مشاهديها في بقعة جغرافية معينة

معضلة الدراما السعودية .. انحسار مشاهديها في بقعة جغرافية معينة
المنصات العالمية قد تكون أداة مهمة لتوسيع دائرة الانتشار.
معضلة الدراما السعودية .. انحسار مشاهديها في بقعة جغرافية معينة
جانب من عمل "العاصوف".

انتهى السباق الدرامي الرمضاني سريعا، بحلوه ومره، مخلفا وراءه حديثا مشتعلا حول أزمة الدراما السعودية المتفاقمة، فعلى مدار 30 يوما من أيام شهر رمضان المبارك، وجد المشاهد نفسه أمام مسلسلات كوميدية فشلت في رسم الابتسامة على محياه، وأعمال درامية، ظهر أغلبيتها دون المستوى المأمول، وبحبكات ركيكة فرضتها النصوص الرديئة والأداء المتواضع، في صناعة تضم أطرافا متعددة، مثل المؤلف والمنتج والفنان، الذين يرمون بأصابع الاتهام إلى بعضهم بعضا في هذه الأزمة.
ووسط تراجع في الكم والكيف للمسلسلات السعودية، تزيد من تعقيدات المشهد تداعيات جائحة كورونا، التي أثرت بتبعاتها في السوق الإعلانية والدرامية، وأوقفت عجلة الإنتاج لفترات متقطعة، لكن ذلك لم يكن سببا كافيا يمكنه أن يوقف الدراما الكويتية عن الصدارة الخليجية، والمنافسة على الصدارة العربية.

لائمة على الفنان

ندرة المواهب، وغياب التقييم المتخصص لاختيار نجوم العمل والنص المناسب، وسذاجة الطرح والحبكة، وارتفاع أسعار المسلسلات، وانحسار أغلبية الأعمال الجديدة في شهر رمضان وغيرها، كلها أسباب قد تكون وراء تراجع العمل الدرامي السعودي وانطوائيته على نفسه، لكن تلك الأسباب لا تعدو سوى تحليلات لنقاد ومتابعين للشأن الفني، تحتاج إلى دراسة معمقة للبحث في مسبباتها وطرق الخروج من عنق الزجاجة.
ومما كان دافعا لإثارة الجدل القائم حاليا ما طرحه الكاتب عبدالله بن بخيت، حين ألقى باللائمة على الممثلين، مؤكدا أن أزمة الدراما ليست في النصوص الجيدة أو الإخراج، وذلك خلال مقابلته التلفزيونية في برنامج "الليوان" مع الإعلامي عبدالله المديفر في شهر رمضان.
وتابع في حديثه حول الأزمة بأن "الأسباب تتلخص في عدم وجود ممثلين سعوديين"، مضيفا أن "مما يؤسف له أن التمثيل انطلق في سورية والمملكة قبل 60 عاما، لكننا إلى اليوم نستعين بمخرجين غير سعوديين".
وأثار ابن بخيت الجدل حين قال "إن مصطلح الدراما السعودية لا يصح استخدامه، فلم يمثل السعوديون دراما سوى مسلسل "هوامير الصحراء"، مبينا أن "مسلسلاتنا هي سكتشات متقطعة للتسلية"، ومتسائلا في الوقت ذاته "هل يعقل أن دولة جميع ممثليها كوميديون؟ وإذا ما تناولنا بعض التجارب مثل عبدالمحسن النمر وغيره فقد هاجروا إلى الدراما الكويتية والخليجية لعدم وجود دراما سعودية، حتى إن عددنا الكوميديا جزءا من الدراما فلا يمكن أن نسمي هذه السكتشات كوميديا، إنما مقاطع قصيرة للإضحاك، و90 في المائة من ممثلينا "عيارين" وليسوا ممثلين بالمعنى الحقيقي، فلا قدرة لديهم على النفس الطويل لإنتاج مسلسل خالد مثل "درب الزلق".

وجوه متكررة وواقع هزيل

أثار ملف الدراما السعودية جدلا وانتقادات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، من هذه الانتقادات من قارنوا الإنتاج المحلي بغيره الخليجي والعربي والعالمي، وآخرون وجدوا أن المشكلة في النصوص وطريقة معالجتها، والموضوعات المستهلكة التي تعالجها، فمن جهته يعتقد الموسيقي فهد العبدالله أن الخلل في الاعتماد الكلي على وجوه عدة، كل في مجاله التمثيل والتأليف والإخراج منذ أكثر من ثلاثة عقود، فلا ينتظر من ذلك سوى التكرار، سواء في الفكرة أو الحركة أو الحبكة. لا شك أن بعضهم وبعد عقود تكونت لديهم خبرات لا يستهان بها، لكن البعض الآخر يرى أنه يعرف ماذا يريد الجمهور. في اعتقاده".
بدوره قال القاص حمزة بوقري "ما أظن في أزمة ممثلين، الممثلون كثير، خاصة أخيرا مع تنوع منصات السوشيال ميديا، أظهرت لنا مواهب. ناصر القصبي في أكثر من لقاء قال في أزمة كتابة.. ما في نصوص.. في رأيي هي أزمة في فهم أهمية دور النص، وأزمة الشللية"، فيما يرى الناقد الفني يحيى مفرح زريقان في تغريدة "في ظل عدم وجود مشروع وطني للدراما، بحيث يتم التعامل معها كملمح حضاري ومكون ثقافي، تشرف عليه الدولة بتوفير كفاءات مؤهلة تبصر ماهية الدراما وقيمتها وأثرها لقيادة المشروع، فلن تقوم لدرامانا قائمة، هكذا أرى".
وشخص الكاتب رجا ساير المطيري الأزمة بأنها "أزمة سوق ببساطة، لا توجد سوى ثلاث قنوات تنتج وتشتري الأعمال السعودية، وهذا رقم ضئيل لا يسمح بإيجاد صناعة مستدامة، الأمل معقود الآن على صالة السينما لتغيير هذا الواقع الهزيل".

الحصان الأسود

ما يعمق من معضلة الدراما السعودية هو انحسار مشاهديها في بقعة جغرافية معينة، قد لا تصل في امتدادها إلى بقية دول الخليج، في وقت نجد فيه أن أعمالا درامية كويتية نجحت هذا العام في استقطاب مشاهدين من دول المنطقة كافة، مثل مسلسل "أمينة حاف" الذي نجح في جذب شريحة عريضة وجديدة إلى الأعمال الخليجية، تضم مشاهدين من العراق وسورية والأردن ومصر ودول المغرب العربي.
لم يكن الحديث عن أزمة الدراما السعودية يمكن أن يتم بمعزل عن نجاح مسلسل "أمينة حاف"، الذي فتح بابا لا يسد حول مقارنات بين الأعمال الدرامية الناجحة، ولا سيما أنه إنتاج كويتي، يعزز صدارة الكويت للدراما الخليجية.
ففي قصة الكاتب علي الدوحان يسلط الضوء على أمينة - بطلة العمل وهي الفنانة إلهام الفضالة - السيدة المتزوجة من رجل فقير ولديها منه ابنة، هي الطموحة التي ينتهي بها الحال بعد موت زوجها قتيلا إلى ورث ماله المسروق والعيش في حياة رغيدة، تشتري محبة المقربين بالمال، واختارت بعده أن تكون زوجة رابعة، بعد أن دلفت منزلا مليئا بالمكائد بين الضرائر.
وفي خيط درامي آخر، تتزوج حصة أخت أمينة غير الشقيقة بشاب غير سليم عقليا، من ذوي الاحتياجات الخاصة، فيما تمكنت أختها الثانية "منيرة" التي تلعب دورها الفنانة الشابة ليالي دهراب من خطف الأنظار، في شخصية شبابية متسرعة غريبة الطباع وغير مسؤولة، فكانت - كما وصفها الجمهور في تعليقاته - نجمة رمضان لهذا العام.
وعودة إلى القصة، تتطلق منيرة بعد مشكلات انتهت بسرقة صديقتها المقربة لزوجها، في دراما مليئة بالمفارقات الكوميدية استطاعت أن تجذب ملايين المشاهدين، إذ طرقت وترا مهما وعالجته دراميا بشكل جديد، فشلت الدراما السعودية في طرقه وتحقيق نجاحه خلال شهر رمضان.
وبعد رحلة من الإثارة والتشويق والدراما، تقدم الحلقة الأخيرة من "أمينة حاف" صدمة للمشاهد، حينما يكتشف أن كل ما حدث طيلة 29 حلقة سابقة ما هو إلا حلم لأمينة، رسمته في خيالها، اكتشفت بعده أن واقعها أجمل بكثير، تحقيقا للعبارة التي تقول "ولنا في الخيال أحلام مرة".

الأكثر قراءة