العدادات الذكية .. هل القرار بيد المشترك؟
"عزيزي المشترك: لقد شارفت على استهلاك جميع الدقائق المجانية الخاصة بباقتك ويسعدنا إخبارك بأنه يمكنك الاتصال بأسعار خاصة وحصرية لمشتركي الباقة مقابل كذا هللة للدقيقة" إن هذه الرسالة - أو شيئا من هذا القبيل – أضحت مألوفة لدى بعض المشتركين حيث ترسل من قبل مقدم خدمة الجوال برسالة نصية ليكون القرار بيد المشترك في استهلاك الدقائق المتبقية للباقة بكل ترشيد أو استخدام أكثر للدقائق وفرض رسوم إضافية. ولأن القرار بيد المشترك أو العميل، نرى نمو صناعة الاتصالات بشكل كبير لأن العميل هو شريك النجاح. هل بالإمكان أن يكون لدينا باقات كهربائية؟ على سبيل المثال أن يطرح مقدم الخدمة عدة باقات تحتوي على حد معين من الكيلو واط ساعة نظير الاستخدام الشهري، فالباقة الأولى تحتوي على باقة استهلاك صغيرة وأخرى متوسطة والأخيرة عالية، تماما مثل ما يطرح مقدم الخدمة في الجوال. والجواب هو نعم ولكن "الشيطان يكمن في التفاصيل" كما قال ونستون تشرتشل، لأننا نحتاج إلى دراسة مستفيضة وضبط لوائح تنظيمية. وفي حالة تجاوز العميل الاستهلاك الكهربائي المحدد أو كان على مشارفه، ترسل رسالة تنبيه من أجل أن يكون القرار بيد المشترك سواء الترشيد أو دفع مبالغ إضافية نظير عدم التزامه بالباقة الكهربائية التي اختارها.
ومن هنا يأتي دور العداد الذكي ليكون نقطة اتصال مباشر بين مقدم الخدمة والعميل، وبإمكان العميل معرفة المتبقي من الاستهلاك بكل سهولة أو كمية الاستهلاك المفرطة خلال اليوم ويترك للعميل اتخاذ القرار في الترشيد أو دفع الرسوم الإضافية نظير خروجه من الباقة المعنية. يمثل العداد الذكي تحولا جوهريا في صناعة الكهرباء إذا تم تفعيله بالشكل الصحيح، فلا يكون الهدف من العداد الذكي قراءة أدق أو إرسال قراءات من أجل فوترة سليمة أو إمكانية قفل عداد عن بعد فحسب (على الرغم من أهميتها)، ولكن يتعدى ذلك إلى إعادة صياغة صناعة الكهرباء من جديد والتفكير خارج الصندوق. وكما رأينا من جوال مسبق الدفع، كذلك يوجد عداد كهربائي مسبق الدفع وله عملاؤه مثل الذين يتعثرون في دفع الفواتير أو الذين يضبطون بالسرقة أو مخالفة النظام. إن انتقال العميل من بيت إلى آخر سيكون سهلا، ويفترض أن يوفر العداد الذكي اسم مستخدم وكلمة سر لكل عميل، يدخلها إلكترونيا في عداد البيت الجديد الذي يسكنه بالتواصل مع مركز خدمات العملاء، وبذلك نتخلص من إزعاج الفواتير التي لم تدفع نظير خروج مستأجر من مسكن لم يدفع فواتيره، وقد يقع المالك ضحية هذه الفواتير. وعلى الرغم مما ذكر وللإحاطة، تختلف صناعة الاتصالات عن الكهرباء في الدعم المالي، فصناعة الاتصالات لا تنعم بأي دعم مالي حكومي على عكس صناعة الكهرباء التي تدعم سنويا وصولا إلى العملاء خصوصا الشرائح السكنية.
قد يحتاج الحل المذكور آنفا إلى معالجة تحديات وسنوات طوال للوصول إليه، وعليه يكمن الحل الآخر في تحديد سقف استهلاك شهري لكل منزل أو منشأة تجارية أو غيرهما بالمساعدة مع منظمات تدقيق وحفظ الطاقة، وهذا الهدف الكهربائي يمثل فاتورة معقولة للعميل بناء على المساحة وحجم الأحمال وعمر المنشأة وغيرها، وبالطبع ستتغير في مواسم السنة بناء على درجات الحرارة. وبمجرد أن يشارف الاستهلاك على السقف الشهري، ترسل إلى العميل رسالة تنبيه بذلك. وسيشعر العميل أنه تعدى مرحلة الاستهلاك الآمن وبيده الخيار نحو الترشيد من عدمه، ما يدفع بعض العملاء إلى إجراء تغييرات جوهرية مثل استبدال مكيفات أو تعزيز العزل او غيرهما، من أجل الحفاظ على الاستهلاك الآمن. قد يكون تفعيل التعريفة المتغيرة (Time-of-Use) أحد الحلول المتطورة، بحكم استخدام العداد الذكي وقدرته الآنية على تحديد الوقت والاستهلاك بالضبط. حيث تحدد فترة الحمل الذروي (على سبيل المثال من الساعة 11 صباحا إلى 3 عصرا) وأخرى في بقية الأوقات وتكون تعريفة الحمل الذروي أعلى من الحالية بينما تبقى الأخرى كما هي عليه. وبذلك يدفع العميل نحو إزاحة الأحمال الغير ضرورية من منطقة الحمل الذروي مع إجراء تغييرات جوهرية في تحسين كفاءة الطاقة مثل استبدال المكيفات ذات الكفاءة الضعيفة أو الاستهلاك العالي. وحسب الممارسات العالمية فقد يطرح مقدم الخدمة بموافقة المنظم - مثل شركة أريزونا للخدمات العامة (Arizona Public Service Company) – عدة باقات تعريفة متغيرة وأخرى شريحة واحدة فقط تمثل متوسط الاستهلاك الكهربائي في منطقة الحمل الذروي وغيرها. وهذا الخيار أنسب وأفضل ويترك للعميل حرية الاختيار بدلا من إجباره على خيار واحد، وترسل رسالة نصية بالمثل إذا تجاوز استهلاكه للباقة المختارة، ولا نرى بالمناسبة أن تعريفة الشرائح منصفة إلى العملاء ومقدم الخدمة. إن كل ما ذكر أعلاه يستحق الدراسة وتحليل الأثر التنظيمي سواء على العميل ومقدم الخدمة وصناعة الكهرباء والاقتصاد، ولكنها فرص لتمكين العميل من اتخاذ القرار بنفسه وهذا يمثل خدمته بكل تأكيد. ذكرنا في مقال سابق أن بيانات العدادات الذكية تمثل منجما للذهب من خلال الدخول في منافسات أفقية ورأسية مع صناعات أخرى وأن سباق التحول الرقمي يحتم على مقدم الخدمة تبني استراتيجية رقمية ترتكز على البيانات والمنافسة. ولأن العميل يعد إحدى الركائز أيضا، فسيكون العداد الذكي أحد المجالات الخصبة لرسم تجارب العملاء بما يضمن حقوق العميل ونمو مقدم الخدمة. وسيتعدى تأثير الاستخدام الصحيح للعدادات الذكية إلى مصادر العرض ومنحنى الأحمال اليومي. عليه تمثل العدادات الذكية فرصة عظيمة يجب أن تستغل بالصورة الأمثل لخدمة العميل والمضي فعليا إلى الشبكات الذكية، والأهم أن العداد الذكي سيقوم بدور المعلم للعميل من أجل إرشاده وتعليمه الاستخدام الأمثل للكهرباء.