«نور الرياض» يفتح الأعين على جوانب فنية لا مفكر فيها

«نور الرياض» يفتح الأعين على جوانب فنية لا مفكر فيها
إيليا وإميليا كاباكوف - القبة.

تعيش مدينة الرياض، على مدار أكثر من أسبوعين، على وقع احتفالية نوعية باسم "نور الرياض"، واختير لها شعار "تحت سماء واحدة"، وتمثل هذه التظاهرة المتميزة باكورة برنامج "الرياض آرت"، أحد المشاريع الأربعة الكبرى في الرياض، التي تسعى إلى تحويل العاصمة إلى معرض فني مفتوح، يجعلها في صدارة العواصم الثقافية في العالم، تماشيا مع أهداف رؤية السعودية 2030.
تكون الرياض بهذا الاختيار ربطت الماضي بالحاضر، من خلال إحياء فن الضوء كشكل من أشكال الفنون التطبيقية الحديثة، حيث يعود ظهور هذا الفن إلى بداية القرن الماضي، ويرصد المعرض الحركة الفنية في فنون الإضاءة، منذ بداية الستينيات بالقرن الماضي حتى اليوم، في وقت تضيق فيه دوائر الاهتمام بهذا الفن الإنساني الرائع، فقبل أعوام تم إغلاق متحف الفن الضوئي، في مدينة إيندهوفن في المملكة الهولندية، بسبب عدم كفاية التمويل.
يتيح "نور الرياض" لزواره فرصة التعرف من قرب على عوالم هذا الفن، بما يتضمن من أعمال تاريخية وهندسية وضوئية ومنحوتات، وعروض إضاءة ثابتة وأخرى تفاعلية، وقطع حركية، وأصناف شتى من الفن الخفيف. كل ذلك متوافر من خلال الأجنحة الأربعة المتاحة في المعرض، جناح إدراك الضوء، جناح تجربة الضوء، جناح انعكاس الضوء، وجناح بيئة الضوء.
كما يمثل الحدث لحظة فريدة لتعزيز القيم الإنسانية ومناسبة لتجسير الحوار والتفاعل والمثاقفة مع كوكبة من الفنانين العالميين في عالم الفنون الضوئية، ينتمون إلى أكثر من 20 دولة حول العالم، من طينة دانيال بورين رائد الفن التشكيلي في فرنسا، واليابانية يايوي كوسوما رائدة الحركة الطليعية، والألماني كارستن هولر، والثنائي الروسي إيليا كاباكوف وإميليا كاباكوف... مع نخبة من الفنانين السعوديين، أحمد ماطر، لولوة الحمود، أيمن زيداني، راشد الشعشعي، مها ملوح، ونجوى السديري.. ممن لهم حضور وازن في هذه التظاهرة، بنسبة تصل إلى 40 في المائة، ومع مختلف شرائح الجمهور السعودي، المهتم بالثقافة والفنون البصرية من زوار المعرض.
تتعدى التظاهرة المعرض، بالشكل التقليدي المتعارف عليه، نحو تقديم عروض حية تفاعلية متكاملة، ترمي إلى تبسيط الفنون الثقافية للمهتمين، وتجعل الزائر في قلب الحدث، بعيدا عن قاعدة التلقي الكلاسيكي المألوفة. بذلك يسجل "نور الرياض" التفرد والتميز، على الصعيدين العربي والعالمي، من خلال الابتكار والإبداع في طريقة عرض وتقديم قائمة من الفنون البصرية إلى الجمهور.
يكشف برنامج التظاهرة عن غنى وتنوع فعاليات "نور الرياض"، بدءا من معرض "نور على نور" في أرجاء العاصمة، وسلسلة ورشات عمل تقدم رؤى غير مألوفة، أو "تصورات مغايرة" كما ورد في البرنامج، كعنوان للاحتفاء في جلسة خاصة برائعة كاباكوف الرائعة "القبة"، التحفة الفنية التي تمزج ببراعة استثنائية بين فنون الموسيقى والنحت واللون، وصولا إلى جولات إرشادية، للصغار والكبار، تصحح المفاهيم وتفتح الأعين على جوانب فنية لا مفكر فيها، من قبيل جولة "التحديق في النجوم" قصد استكشاف جمالية الضوء في السماء أو جولة "الضوء والمشاعر" المخصصة لتعزيز المهارات الفنية لدى البراعم. وللتاريخ كذلك نصيب، من خلال جولة تتعقب تاريخ وادي نمار في الأعمال الفنية، مانحة الزوار تجربة خاصة لاستكشاف المناظر الطبيعية، وسياق وخلفيات أعمالها الفنية.
طبعا، بما أن الإنسانية تعيش زمن الصورة بامتياز، بفضل نتائج الثورة الرقمية، فقد حرصت التظاهرة على العناية بالتصوير الفوتوغرافي، ببرمجة جولة يشرف عليها أحد خبراء التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية، لاستكشاف أهم الأعمال الفنية محليا، والاستفادة من أبرز أساليب وتقنيات التصوير.
كل هذا الاحتفاء بالضوء في ملحمة "نور الرياض"، يعكس عمق العناية بالثقافة والفنون في المدينة، فالفن أحد أهم أوجه الثقافة، كان وسيظل وليد الضوء. فالضوء في جوهره يتكون من مزيج من الألوان، وتتجلى الألوان لنا عندما يتم امتصاص بعض الأطوال الموجية للضوء وعكس البعض الآخر. إلا أن ذلك ليس كل ما يربط الضوء بالفن، حيث تم استخدام الضوء نفسه لإبراز الأعمال الفنية، كما استعمل الضوء لإبداع فنون بصرية فريدة.
كل ما سبق يجعل من الرياض عاصمة المملكة حاضنة للأعمال الفنية والإبداعية، من خلال إشاعة مظاهر الفن والجمال في المدينة، وتحويلها إلى قبلة للفنانين والمختصين والمهتمين من أرجاء العالم، كما تعد التظاهرة بإثراء الحياة اليومية لسكان العاصمة من خلال تعزيز الفن في الأماكن العامة، والمساهمة في الارتقاء بالحركة الفنية المحلية، والتحفيز على إطلاق آفاق جديدة للحركة الإبداعية من العاصمة نحو باقي ربوع المملكة.

الأكثر قراءة