«نور الرياض» يرتقي بالاقتصاد الثقافي للعاصمة
عنوان الليلة: نور الرياض
تقول القاعدة الفنية، إنه ما دامت هناك شمس تسطع فستظل الرياض تبهر العالم، فالعاصمة الثقافية العربية 2020 وجهة يهواها عشاق الثقافة، فهي موطن للتاريخ، وفي تفاصيلها من الجمال الطبيعي ما يميزها عن غيرها من مدن المنطقة والعالم، بشكل يجعلها وجهة جذابة تثير الفضول لاستكشافها.
كهدية منتظرة، تفاجئنا الرياض اليوم بجمالها، الذي عكفت الهيئة الملكية لمدينة الرياض على إبرازه وتمثيله في لوحة فنية إبداعية، شارك فيها عشرات الفنانين من 20 دولة، لتقفز هذه المبادرة الفنية مع غيرها من المشاريع المبتكرة بالعاصمة إلى أبرز عشر مدن عالمية، تحقيقا لـ"رؤية 2030" ومهندسها الملهم الأمير محمد بن سلمان.
يوقد شعلة الإبداع
الفن مفتاح القلب، لذلك تنبض الأعمال الفنية الإبداعية في 13 موقعا، وترسم فنونها كذلك على المباني البارزة، لتصل إلى قلوب سكان الرياض وزوارها، طيلة فترة انعقاد الاحتفالية، التي تستمر حتى 3 أبريل المقبل.
تحويل الرياض إلى متحف فني مفتوح هو الهدف الأسمى، وتأكيدا لذلك يشير أنس نجمي مستشار الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض إلى أن مشاريع "الرياض آرت" ومن بينها مباردة "نور الرياض" تسعى إلى تحسين المشهد الحضري للعاصمة، وإيقاد شعلة الإبداع للمجتمع لساكنيها، وتحفيز الاقتصاد الإبداعي، لافتا إلى أن "نور الرياض" ستكون احتفالية سنوية للضوء والفن.
وقال في حديث صحافي "إن أكثر من 60 فنانا يشاركون في "نور الرياض"، 40 في المائة منهم فنانون سعوديون، لتجمع المبادرة الأعمال برؤى مختلفة، وفنون من وجهات نظر وثقافات متباينة".
ونوّه نجمي بأن بعض الفعاليات تتطلب شراء تذاكر بمبالغ رمزية، من خلال موقع "نور الرياض" الذي بدأ بيع التذاكر أمس الأول، فيما يذهب ريع التذاكر إلى جمعيتين خيريتين، هما جمعية المكفوفين الأهلية "كفيف" والجمعية السعودية للتوحد.
بذرة تثري الحياة
بدأت "نور الرياض" بفكرة، وضع بذرتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في 19 مارس 2019، حينما أطلق مشروع "الرياض آرت"، أحد المشاريع الأربعة الكبرى التي وضعت تحت إشراف لجنة المشاريع الكبرى التي يترأسها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
المشاريع الأربعة تهدف إلى تطوير الرياض وتحويلها إلى مدينة صديقة للبيئة ومستدامة، تقدم أعلى معايير العيش وأنماط الحياة، تماشيا مع الأهداف المتضمنة في "رؤية 2030".
وفي رؤية مشروع "الرياض آرت"، ستتحول الأماكن العامة إلى مناطق فنية، تتيح المجال للتعبير الفني وتحفز المشاركات الإبداعية من قبل مختلف الشرائح المجتمعية، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الثقافي للمدينة.
تعد مبادرة "نور الرياض" سكانها البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة بفن وثقافة يعكسان معا روح المدينة، وهو الجانب الذي استند إليه القائمون على مشروع "الرياض آرت" كمبادرة فنية تحول العاصمة بالكامل إلى لوحة فنية إبداعية ومعرض فني مفتوح، لإثراء الحياة، وتشجيع التعبير الإبداعي، ودعم الاقتصاد الثقافي للمدينة، بحسب الموقع الإلكتروني للمبادرة، حيث يعد هذ الحدث دليلا واقعيا على التحول الإبداعي للعاصمة، ولا سيما أن تبادل الأفكار من خلال التعبير الإبداعي يؤدي حتما إلى ترسيخ التفاهم الأعمق والاحترام المتبادل.
وسيكون لمشاريع "الرياض آرت" تأثير إيجابي في جودة حياة سكان المدينة، بما ستوفره من لحظات الفرح والبهجة في الحياة اليومية، وما تغرسه من مشاعر الفخر بالانتماء إليها، وسيسهم المشروع في تطوير الاقتصاد الإبداعي الجديد، وسيساعد على استقطاب الاستثمارات الجديدة إلى المدينة وإيجاد مدينة أجمل يستمتع بها الجميع، حيث يضم المشروع أكثر من ألف عمل فني عام، ويدعمه احتفالان سنويان كبيران، وسينشر أجواء الفنون في الأحياء السكنية والحدائق والمتنزهات والساحات والأماكن العامة ومحطات المترو والحافلات والجسور وممرات المشاة ومداخل المدينة والوجهات السياحية في المدينة.
ومن خلال برنامج الشراكة المجتمعية، ستنتقل ورش الفنانين إلى الأحياء السكنية في مدينة الرياض، لتوفير مساحات تدعو جميع المقيمين فيها إلى المشاركة لتطوير مواهبهم الإبداعية من خلال التعبير عنها بأعمال فنية.
الرياض وموعد خاص مع الفن
بعشرة برامج رئيسة واحتفالين سنويين، ستلهم العاصمة سكانها، بعد أن تتحول إلى مدينة فنية وثقافية عالمية.
احتفالية "نور الرياض" ما هي إلا جزء من برامج "الرياض آرت"، ففي الأسابيع والشهور المقبلة من العام 2021 ستكون العاصمة على موعد مع مزيد من الفعاليات والبرامج، مثل "ملتقى طويق الدولي للنحت"، الذي ينطلق خلال أيام ويستقطب أعمال 20 نحاتا عالميا لتقديم مجموعة من الأعمال الفنية العامة التي ستعرض بصورة دائمة في مدينة الرياض.
ووفقا لبيانات "الرياض آرت" التي وفرها "نور الرياض" على موقع إلكتروني خاص، فإن العاصمة ستقدم ساحات للفن، عبارة عن صالات عرض في ساحات المدينة لأشهر الفنانين، تحتوي على أكثر من أربعة أجنحة وأربعة أعمال فنية تفاعلية في ثمانية مواقع مختلفة، وسيشتمل كل جناح على عمل فني رقمي واحد وبرنامج ثقافي، وسيكون عبارة عن مزيج من ورشة إنتاجية معززة بمعرض واستوديو للفنانين، إلى جانب فصول دراسية مفتوحة، مع وجود مكتب ومساحة للمحاضرات.
ومن الساحات إلى حدائق المرح، التي تحتضن أكثر من ثلاثة آلاف عمل فني تتوزع على 200 موقع بمساحات للعب الإبداعي تناسب جميع أفراد العائلة، وتسهم في توفير بيئة صحية وحياة حضارية وحيوية لسكان المدينة.
هذه الملاعب صممها نخبة من الفنانين المحليين والعالميين، الذين عملوا على إعادة ابتكار معدات اللعب التقليدية، وستنشأ الأعمال الفنية في حدائق الرياض الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، فيما ستكون مقاعد الحديقة على أشكال نحتية مبتكرة.
أما برنامج "جواهر الرياض"، فيضم 15 عملا فنيا تتوزع على 15 موقعا، وتتنوع حجما وتصميما بمعايير ومقاييس تتناسب مع كل موقع، وتحتفي الأعمال بالتراث والثقافة، وترتقي بجودة الأماكن العامة.
وسيكون لبوابات الرياض نصيب من الفن، فمداخل المدينة العشرة التي تتوزع على الطرق المؤدية إلى الرياض ستكون لوحة فنية إبداعية، وسيكون للميادين حصة كذلك، حيث ستتوزع 19 عملا فنيا على 19 موقعا في المدينة، تتميز بزهاء ألوانها وطبيعتها الحيوية، صممت لدعم التوجيه المروري للمشاة أثناء التجوال في مدينة الرياض، وسيدمج المشروع الأعمال الفنية الموجودة في البنية التحتية الأساسية للمدينة، مثل الجسور، ويقوم بتوزيعها على تقاطعات الطرق الرئيسة والسكك الحديدية.
ولا يغفل "الرياض آرت" مترو الرياض، مشروع النقل الحضاري الذي سيحتضن محطات فنية، مصممة بطرق مبتكرة ومعايير عالمية تعزز التفاعل بين سكان المدينة، يغطي ستة خطوط مترو و80 محطة وثلاث محطات للحافلات وأكثر من ألف محطة وموقف للحافلات، فضلا عن مشروع للفن العابر، يدمج الفن العام بممرات المشاة في أرجاء المدينة كافة.
الجسور بدورها ستزدان بأحدث تقنيات فن الإضاءة والخط، وتجمع ثلاثة من أبرز الفنانين لتزيين عشرة جسور، فيما سيختص برنامج "وادي الفن" ببناء مسارات فنية تستقبل جميع أفراد الأسرة، تبعث الحياة من جديد في أودية الرياض، ويحتوي على أكثر من مائة عمل فني موزعة على خمسة مواقع تقريبا، إضافة إلى "متنزه الفن"، الذي يشمل حديقة للمنحوتات الفنية المعاصرة، تعرض 30 عملا فنيا بصورة دائمة أو مؤقتة خارج نطاق جدران المتاحف.
ولعل أحد أبرز هذه المشاريع "معلم الرياض"، الذي يقدم معلما جديدا في المدينة ليزيدها ألقا وجمالا، ويعكس تطلعاتها الثقافية الطموحة المستمدة من "رؤية 2030"، صمم المعلم على شكل برج مضاء في أحد أهم مواقع الرياض ليرمز إلى خططها المستقبلية.
"نور على نور" وعنصر المفاجأة
ليس من سمع كمن رأى.. منذ انطلاق فعاليات "نور الرياض"، لحين انتهائها، يعِد القائمون عليها سكان العاصمة بجرعة عالية من الفنون، ومعارض وأجواء لم يألفوها، حيث تنطلق بأعمال فنية تعرض في أرجاء المدينة، خصوصا في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي ومركز الملك عبدالله المالي، إضافة إلى معرض "نور على نور" الذي يجسد فنون الضوء منذ ستينيات القرن الماضي، وجلسات نقاشية وورش عمل لفنانين عبر شبكة الإنترنت.
أما الجولات فلا تقف عند عرض الأعمال الفنية، فهناك جولات للتصوير الفوتوغرافي، وثانية للتحديق في النجوم، وثالثة تاريخية، وغيرها للضوء والمشاعر.
في مركز المؤتمرات في مركز الملك عبدالله المالي، يقام معرض "نور على نور"، الذي سيواصل عروضه حتى 12 يونيو المقبل، سيتجول الزائر بين أشعة الضوء، التي تفصل أعمال الفنانين وأجنحة المعرض الأربعة، وهي جناح إدراك الضوء، جناح تجربة الضوء، جناح انعكاس الضوء، وجناح الضوء البيئي.
وسيستمتع الزوار بتجارب رائعة في هذا المعرض الغني بالإضاءة في جميع ظواهره المكانية والحسية، وسيكون هذا المعرض التاريخي لفنون الضوء واحدا من الأحداث الثقافية الرائدة التي تستضيفها المملكة، يشارك فيه نحو 30 فنانا، ويقام بإشراف كل من سوزان ديفيدسون المشرفة السابقة لمتحف سولومون ر. جوجنهايم في نيويورك، ورنيم زكي فارسي الخبيرة في مجال الفن السعودي المعاصر.
وفي تصريح بهذه الاحتفالية العالمية، أكد الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج "الرياض آرت" أن البرنامج يأتي في إطار حرص ولي العهد على الارتقاء بمدينة الرياض إلى المكانة التي تليق بها بين عواصم العالم، ويهدف إلى تحسين جودة الحياة في المدينة، بما يتوافق مع أهداف رؤية السعودية 2030، وتعزيز الجوانب الثقافية والفنية في المدينة، وبيّن أن الفعالية تمثل باكورة برامج "الرياض آرت"، وتسعى إلى تعزيز التفاعل المجتمعي، وإشاعة مظاهر الفن والجمال في مدينة الرياض.
وفي السياق ذاته، كشفت نوف المنيف عضو الفريق المشرف على فعالية "نور الرياض"، أن الاحتفالية تشمل نحو 300 فعالية، ما بين عروض فنية للضوء، جلسات نقاش وورش عمل، معمل فنون للأطفال، وأفلام سينمائية ثقافية وموسيقية.
ولم يكشف فريق "نور الرياض" كثيرا من المعلومات عن الأعمال الفنية التي تحتضنها العاصمة لوسائل الإعلام، للاحتفاظ بعنصر المفاجأة لحين إطلاق الاحتفالية مساء اليوم، الثرية بمكوناتها وألوانها وأضوائها.