رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


كيف يتعايش خبراء الاقتصاد مع غير أهل الاقتصاد؟ «2 من 2»

في أغلب الأحيان، لا يسمح التاريخ والحياة الاجتماعية بظروف شبيهة بالمختبر التي بدورها تسمح بالتحقق الدقيق من التأثيرات المترتبة على التغيرات في الحالة الإنسانية وقياسها بدقة. ويلجأ أهل الاقتصاد بدلا من ذلك إلى تقنيات إحصائية تخيلية.
على سبيل المثال، قد يوثقون ارتباطا إحصائيا بين عامل خارجي مثل هطول المطر وحدوث صراع أهلي، ما يسمح لهم بالاستدلال على أن التغيرات في مستويات الدخل "بسبب التقلبات في الإنتاج الزراعي" من أسباب اندلاع الحروب الأهلية. ويجب أن نتنبه إلى الجزء الرئيس من الإبداع هنا: فلأن الحروب الأهلية من غير الممكن أن تؤثر في أنماط الطقس، فإن الارتباط السببي بين الاثنين لا بد أن يكون راجعا إلى علاقة سببية أحادية الاتجاه "في الاتجاه الآخر".
قد تبدو البحوث الجيدة التي تتبع هذا الأسلوب إنجازا مهما يسر الناظرين ــ فهي يمكن التعويل عليها بعدها تأكيدا سببيا بقدر الإمكان في العلوم الاجتماعية. لكنها مع ذلك، قد لا تثير اهتمام مؤرخ أو عالم سياسي.
هذا لأن طريقة أهل الاقتصاد لا تسفر عن إجابة عن السؤال: "ما الذي يسبب الصراع الأهلي؟" "سؤال الاستدلال السببي العكسي". فهي لا تقدم سوى الدليل على أحد الأسباب "التقلبات في الدخل"، الذي قد لا يكون حتى واحدا من العوامل الأكثر أهمية. الأسوأ من هذا، لأن أهل الاقتصاد مدربون فقط على نهج الاستقراء المقدم، فإنهم يقدمون أبحاثهم غالبا كما لو أن الإجابة الجزئية هي في حقيقة الأمر الإجابة الأكثر شمولا، ما يزيد من غضب وحنق العلماء من التخصصات الأخرى.
لا يخلو الأمر من حيل أخرى تزج بأهل الاقتصاد في المتاعب. ففي بحثهم عن "التعريف" الإحصائي للأثر السببي، كثيرا ما يـضـطر أهل الاقتصاد إلى اللجوء إلى أساليب تجيب إما عن نسخة ضيقة أو مختلفة بعض الشيء من المسألة التي حفزت البحث.
قد لا تنطبق النتائج من التجارب الاجتماعية العشوائية التي تـجرى في مناطق معينة، ولنقل في الهند أو كينيا، على مناطق أو دول أخرى. وقد لا يؤدي التصميم البحثي الذي يستغل التغاير عبر المكان إلى الإجابة الصحيحة عن مسألة تدور في الأساس حول التغيرات الحادثة بمرور الوقت: ماذا يحدث عندما تبتلى منطقة ما بمحصول سيئ؟ قد لا تكون الصدمة الخارجية المحددة المستخدمة في البحث تمثيلية بشكل نموذجي، على سبيل المثال، من الممكن أن يخلف نقص الدخل الذي لا يرجع إلى نـدرة المياه تأثيرات في الصراع تختلف عن تلك التي تخلفها عليه صدمات مرتبطة بهطول الأمطار.
لهذا، نادرا ما تستطيع أبحاث أهل الاقتصاد أن تحل محل أعمال التوليف والتركيب الأكثر اكتمالا، التي تأخذ في الحسبان وفرة من الأسباب، وتزن التأثيرات المحتملة، وتتناول التغاير المكاني والزمني المرتبط بالآليات السببية. الواقع أن الأعمال من هذا القبيل من المرجح أن يتعهدها مؤرخون وعلماء اجتماع غير موجهين كميا.
يلعب الـحـكـم التقديري بالضرورة دورا أكبر في هذا النوع من البحث، وهو ما يترك بدوره مجالا أكبر للنزاع حول صحة الاستنتاجات. ولا قبـل لأي شكل من أشكال التوليف والتركيب أن تنتج قائمة كاملة بالأسباب، حتى لو تسنى قياس أهميتها النسبية.
لكنه عمل ضروري رغم ذلك. فلن يعرف أهل الاقتصاد حتى عند أي نقطة يمكنهم البدء في غياب أعمال المؤرخين، وعلماء دراسة الأجناس والسلالات البشرية وعاداتها، وغيرهم من علماء الاجتماع الذين يقدمون روايات غنية عن الظواهر وافتراضات حول الأسباب المحتملة، لكنهم لا يدعون أنهم يملكون اليقين السببي.
ربما يكون من حق أهل الاقتصاد أن يفخروا بقوة أساليبهم الإحصائية والتحليلية. لكنهم يجب أن يكونوا أكثر وعيا بحدود هذه الأدوات. وفي نهاية المطاف، يكتسب فهمنا للعالم الاجتماعي مزيدا من الثراء من خلال كلا الأسلوبين في البحث. ويجب على أهل الاقتصاد وغيرهم من العلماء والباحثين أن يحتضنوا التنوع في مناهجهم بدلا من إبداء الامتعاض ورفض العمل المنجز في تخصصات أخرى.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي